كتبت إسراء طلعت
أقامت وزارة الأوقاف مجلس الفقه الثالث تحت عنوان : “التيسير في العبادات والمعاملات” بمسجد الإمام الحسين، الأحد الماضي بحضور كوكبة من علماء الفقه بجامعة الأزهر، في إطار الدور الريادي الذي تقوم به وزارة الأوقاف المصرية في نشر الفكر الوسطي وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وخاصة فيما يتعلق بالفقه والفتوى.
ورحب أ.د عبد الله النجار بالحضور جميعًا مشيدًا بجهود الأستاذ الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ، مؤكدًا أن اختياره لموضوع اللقاء اختيار موفق وكريم ودعوة صميمة إلى سماحة الدين الإسلامي كما أشاد أ.د عبد الله النجار بجهود وزارة الأوقاف المصرية في إعداد هذه المجالس الفقهية ومناقشة مثل هذه الموضوعات التي تسهم في تشكيل حياتنا اليومية وبناء الوعي لدى كل مسلم.
وأكد النجار أن مبدأ التيسير من أهم المبادئ التي تحكم الفروع الفقهية، لأن الله لم يقصد أن يشق على عباده بالفرائض يقول عز وجل: “وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ”، ويقول الله تبارك وتعالى: ”يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ “، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الناس أخذًا بالأيسر، مؤكدًا أن أحكام الشريعة مبنية على التيسير ورفع الحرج، حتى لا يشق أمر التدين على الناس وحتى يعبد الناس ربهم في حالة من الأمل والسرور بما شرعه الله (عزو جل) لهم وبما افترضه عليهم بعد أن صرف المتشددون الكثير من الناس عن الدين وشقوا عليهم في أمور دينهم ودنياهم وقدموا الدعوة في صورة جامدة فظة، مضيفًا أن تجربة وزارة الأوقاف المصرية مثال رائع تتطلع إليه الكثير من دول العالم وهذا المجلس يأتي كحلقة أولى من مبادرات وزارة الأوقاف في تقديم الدين الناس في أحسن صورة.
وأشار إلى أن من سماحة الإسلام والتيسير المواطنة والتعايش مع شركاء الوطن فالله جعل الكلمة الطيبة حق للإنسان حيث قال تعالى “وقولوا للناس حسنا” كما قدم سيادته التهنئة لأشقائنا المسيحيين بأعياد الميلاد، مؤكدًا أن هذا من باب البر والقسط، حيث يقول الحق سبحانه و تعالى : ” لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.
وأكد أ.د محمد إبراهيم الحفناوي أستاذ أصول الفقه بكلية الشريعة والقانون بطنطا أن الإسلام كله قائم على التيسير، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: “يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ”، ويقول سبحانه: “وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ”, وحيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ”.
وأضاف أنه إذا كان الإسلام كله قائمًا على التيسير ورفع الحرج فإن هذا التيسير في الحج أولى وألزم، فما يسر نبينا صلى الله عليه وسلم في شيء أكثر من تيسيره على حجاج بيت الله عز وجل في قولته المشهورة: “افعل ولا حرج”، متسائلا:” وإذا كان هذا التيسير مع ما كان عليه عدد الحجيج آنذاك فما بالكم بموجبات التيسير في زماننا هذا؟، ونماذج التيسير في الحج أوسع من أن تحصى في مقال واحد فمنها إعانة الضعفاء في الرمي تخفيفًا عليهم, ومنها التوسع في وقت الرمي, ومدة البقاء في المزدلفة, وترتيب أعمال يوم النحر, والجمع بين طوافي الإقامة والوداع للضعفاء وغير القادرين على القيام بكل منهما منفردًا”.
وقال محمد أبو زيد الأمير إن هذه المجالس من الأمور التي تحمد لوزارة الأوقاف مؤكدًا أن الشريعة الإسلامية تتميز بالسماحة، ومبنية على التيسير ورفع الحرج، وأن الخطاب الديني متجدد على مر العصور لأنه صالح لكل زمان ومكان، وأن الحكم الشرعي هو النتاج الحاصل عن فهم النص والقاعدة الفقهية.
وأوضح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيسير في أمور الدين، وهو ما يظهر في هديه وسنته، والمعلوم أن الدين الإسلامي دين يسر، مشيرًا إلى أن النبي كان يحب التيسير في أمور الطهارة، ونعرف هذا من السنة الفعلية، حيث ثبت أن الرسول كان يتوضأ بغسل الأعضاء مرة ثلاثا ثلاثا، وتارة مرة مرة، وتارة مرتين مرتين.
واستكمل: “معنى هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحيانا يتوضأ بغسل الأعضاء المأمور بغسلها ثلاث مرات، وفي أحيان مرة واحدة، وفي أحيان مرتين، ومن الأحاديث التي تدل على التيسير في الطهارة ما رواه جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) حينما حكى عن موقف في سفرهم أصاب رجل منهم حجر فشجه في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما علم الرسول (صلى الله عليه وسلم) بذلك قال: “قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذا لم يعلموا، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده”.
وقال هاني تمام إن الإسلام راعى الجانب الإنساني في التشريع، حيث شرعت جوانب التيسير من أجل التخفيف على الإنسان، ومن أجل مداومته على الطاعة والتكاليف الشرعية بحب، فالجوانب الإنسانية في التشريع الإسلامي تحمل معنى اليسر والتيسير للأمة بأسرها، مشيرًا إلى أن الله تعالى قد تعامل مع بني الإنسان أنهم أصحاب طاقات وقدرات محدودة، فلم يكلف الإنسان فوق طاقته، قال تعالى : “لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا”.
وأضاف أن فهذا من أجل التخفيف، ومن أجل مراعاة حال الإنسان لكي يستطيع أن يواظب وأن يداوم وأن يكون مستمرًا على التكاليف، موضحا لأنه لو أصابه العنت، أو أصابه الحرج، لترك التكاليف جملة واحدة، فالإنسان له طاقة، وله قدرة، وله استطاعة، فلم يكلفه الإسلام الحنيف شيئًا فوق استطاعته أو فوق مقدرته، بل إنه يخفف عنه في جوانب كثيرة من العبادة.
ولفت إلى أن النبي صلى الله عليه سلم دعا إلى التيسير والتخفيف، والبعد عن التشدد، فقال صلى الله عليه وسلم: “إنَّ منكم مُنَفِّرِين، فَمَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمُ الْمَرِيضَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ”، وقد جسّد النبي التيسير تجسيدًا عمليًّا، فأصبح صورة مضيئة تشهد بعظمة الإسلام، فتجده يقول عن الصلاة وهي أعظم شعائر الدين: “إِنِّي لأَدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِه”.
وفي كلمته أكد أ.د سيف رجب قزامل أن الإسلام دين التيسير ورفع الحرج عن الأمة ومراعاة أحوالها وظروفها، وهذا مقصد من مقاصد الشريعة لبيان سماحة الإسلام ويسره، وأما التشدد والتنطع فهو من أسباب الهلاك، مشيرًا إلى التيسير والتخفيف في جانب المعاملات، ومن مظاهر ذلك ما كان في شأن الزكاة، فليس كل من ملك مالًا يُخرج الزكاة، بل لا بد أن يبلغ هذا المال نصاب الزكاة، والشرط الثاني: أن يحول عليه الحول.