رصد التجربة – جمال سالم:
في ظل الأخطاء المتعددة التي يقع فيها بعض قراء القرآن، اتخذت كلية القرآن الكريم بطنطا، جامعة الأزهر، خطوة عملية لإعداد خاتِمِين للقرآن يجيدون القراءات من خلال مشروع غير مسبوق بإعداد مائة خاتم سنويا على يد أعضاء هيئة التدريس بالكلية والمتفوقين من خريجيها، تحت إشراف د. عبدالفتاح خضر، عميد الكلية الحالي، د. سامي عبدالفتاح هلال، العميد الأسبق للكلية، د. نصر سعيد عبدالمقصود، العميد السابق للكلية، د. مصطفى الحلوس مقرئا ومشرفا فنيا، وعضوية كل من د. محمد مسعود الشناوي، د. محمد رمضان شوقي، د. محمد رفاعي زلطة، د. سامح بحيري، د. جابر عبدالصادق عبدالحليم، ومن خريجي الكلية كل من حمد الله محمد القيمة، محمد عبدالله عوض.
تعود جذور فكرة المقرأة حينما فتحت كلية القرآن أبوابها لحفاظ القرآن من حملة الثانوية الأزهرية بقرار من المجلس الأعلى للأزهر في العام الجامعي 2014-2015 بعد أن كان الالتحاق بها مقتصرا على حملة شهادة تخصص القراءات، ونظرا لضعف مستوى طلاب الثانوية الأزهرية في القراءات القرآنية “رواية ودراية وحفظا وأداء وتطبيقا” لعدم اشتمال خطة الدراسة بالمعاهد الأزهرية على مقررات تعنى بدراسة القراءات، احتاج هؤلاء الطلاب إلى مزيد عناية ومضاعفة جهود للنهوض بهم وتلبية احتياجاتهم في علم القراءات القرآنية، من هنا جاءت فكرة إنشاء المقرأة للقراءات العشر الصغري من طريقي الشاطبية والدرة تحت مظلة الكلية اسهاما في رفع مستوى الطلاب الملتحقين بالكلية في القراءات المتواترة.
وتزامنت النشأة الفعلية للمقرأة مع قبول الكلية للدفعة الأولى من طلاب الثانوية الأزهرية، وكان العدد الملتحق بالمقرأة آنذاك قليلا نظرا لقلة طلاب الثانوية الملتحقين بالكلية، ثم أخذت الأعداد في التزايد تبعا لتزايد المتقدمين للكلية، ويؤكد المشرفون على المقرأة دوافع إنشائها التي يمكن اجمالها في ستة هي:
-الاسهام في رفع مستوى طلاب الثانوية الأزهرية الملتحقين بالكلية في القراءات القرآنية.
– مؤازرة الكلية في تأدية دورها المنوط بها في تعليم القراءات القرآنية وذلك من خلال منح الطلاب مزيدا من ساعات الدراسة بالمقرأة عقب انتهاء دراستهم بالكلية نظرا لعدم كفاية ساعات مادة القراءات العملية بالكلية لتأسيس طالب الثانوية في القراءات ليضارع طلاب معاهد القراءات، حيث أمضى طلاب معاهد القراءات ست سنوات بمعاهدهم في دراسة القراءات العشر الصغرى والكبرى مما جعلهم متفوقين على غيرهم فيها، مع العلم أن ادارة الكلية وأقسامها العلمية سعت من قبل لتعديل خطة الكلية لزيادة ساعات مادة القراءات العملية لتصبح 16 ساعة بدلا من 8 ساعات ولكن لم تتم الموافقة على ذلك من قبل الجامعة.
– الاسهام في تخريج جيل ضابط لأحكام القراءات القرآنية- رواية ودراية- قادر على حمل أمانة الإقراء بطريقة منضبطة صحيحة يلتزم بها في تأدية رسالته بالمنهج الأزهري الوسطي، ويقدر على مواجهة الانحراف السائد في مسار الإجازات القرآنية التي أصبحت مجالا خصبا للتلاعب والمتاجرة.
– الترويج لكلية القرآن الكريم من خلال مشاركة المقرأة في تذليل عقبات علم القراءات أمام طلاب الثانوية ليكون ذلك مشجعا لهم على الالتحاق بالكلية وخاصة أنه يوجد من أساتذة الكلية يتفانون في تعليمهم القراءات، فتزداد بذلك رغبتهم في الالتحاق بها ويعظم إقبالهم عليها .
– المساهمة بهذا الإقراء والتعليم في أعمال الجودة بالكلية لأن نشاط المقرأة يعد متطلبا من متطلبات الجودة بالكلية لأنه من قبيل الدعم العلمي الأكاديمي لتقوية المتعثرين والتشحيع للمتفوقين، كما أنه نوع من الدعم المادي لأن المقرأة تقدم خدماتها للطلاب بالمجان في حين أن تكلفة الختمة بالقراءات عند بعض الشيوخ المقرئين في بقاع شتى تصعب على الطلاب وليست بمقدورهم.
– رغبة الفريق القائم على الإقراء في المقرأة في تحصيل المثوبة من الله تعالى على الانقطاع لتعليم القرآن الكريم واستشعاره لأهمية أداء رسالة الإقراء حتى لا تنقطع حلقة الإسناد وتتوقف.
انجازات حقيقية
وعما أنجزته مقرأة كلية القرآن من الأهداف التي قامت من أجلها، يؤكد المشرفون أنها ساعدت على ضبط الطلاب لمتون القراءات باعتبارها شواهد الأحكام التي لا غنى عنها للمقرئ والقارئ على حد سواء، ورفع كفاءة وتنمية مهارات الطلاب في مجال القراءات نظريا وعمليا مع العمل على ضبط واتقان العلوم المتعلقة بالقراءات القرآنية كالرسم والضبط والفواصل والتحريرات وذلك عن طريق إقامة دورات لشرح بعض الكتب المختصة بكل فن من هذه الفنون، فضلا عن المساعدة في رفع أعباء تعليم القراءات عن كاهل أولياء أمور طلاب المقرأة، وكذلك بث روح التعاون والعمل كفريق من أجل تنمية المجتمع وخدمة الوطن لأن المقرأة تنشئ طلابها على التعاليم الأزهرية المعتدلة بعيدا عن الأفكار الهدامة.
وعن طريقة العمل بمقرأة الطلاب أكد المشرفون أنه منذ بداية العمل بالمقرأة حققت مزايا كبرى أهمها: معاونة طلاب الثانوي في مراجعة القرآن جبرا لضعفهم في حفظه واستظهاره، وهذه هي السمة الغالبة على أكثر طلاب الثانوية الأزهرية، وتقويم ألسنة الطلاب في تلاوة القرآن من خلال أقرانهم ختمة برواية حفص عن عاصم لتقويم اللسان وضبط الأحكام وتحفيظ الطلاب متون القراءات، مع شرح ما استغلق عليهم من مسائلها، ويقون بهذا المتخصصون في علم القراءات الذين يدركون أن طالب العلم يحتاج لمجموعة من الأسس وجملة من الركائز التي ينبني عليها اتقانه للقراءات، بحيث يضعف فيها مستواه بقدر ما يضيع من هذه الأسس والركائز ومن أهمها: حفظ متون القراءات وتتضمن أبيات منظومات الشاطبية في القراءات السبع للامام الشاطبي والدرة المضية في القراءات الثلاث للامام ابن الجزري، وطيبة النشر في القراءات العشر للامام ابن الجذري وإجادة أبياتها، ويقوم على هذا النشاط مجموعة من خريجي الكلية المجازين في هذه المقرأة من شيوخها الأساتذة المقرئين، مما يؤدي لفهم مضامين هذه المنظومات، وما اشتملت عليه من أصول القراءات وقواعد القراءة وأوجه الخلاف بين القراء فيما روي عنهم ومعرفة ما يقرأ به كل قارئ وشرح متون القراءات شاطبية ودرة بواسطة أعضاء هيئة التدريس المشاركين تطوعا في تعليم طلاب المقرأة، مما ساهم في تطبيق الأحكام القرائية “أصولا وفرشا”على آيات الجزء الأول من القرآن الكريم بقراءة الآية القرآنية بالروايات المختلفة إفرادا لكل راو على حدة، لمعرفة ما يمتاز به عن غيره من سائر أئمة القراءات ورواتها، ثم قراءة ختمة كاملة بالقراءات العشر بجميع وجوهها بطريقة الجمع المعروفة لدى المتخصصين، وهي طريقة مبتكرة لاختصار الوقت وتحتاج إلى مهارة من القارئ في عرض الأوجه القرائية وترتيبها، وذلك يتطلب تدريبا طويلا وشاقا مما يؤدي لمعرفة ما يمتنع به من الأوجه القرائية التي يفيد ظاهر النظم جوازها وهو ما يعرف بـ”التحريرات” وتقوم المقرأة بعمل دورات مكثفة في العلوم المتعلقة بالقراءات العشر والمصحف الشريف ضبطا ورسما وعدا.