– جماعات خفية بمواقع التواصل الاجتماعي تروج لأعمال دون المستوي
– المسلسلات الدينية فقدت جمهورها.. وتحتاج لرؤية جديدة
– الاعلانات تستغل صورة المرضي لكسب تعاطف المتبرعين
– تدارك الصورة السلبية للدعاة ورجال الدين في الدراما
– الدعوة لم تنفصل عن الإعلام.. وبعض الفضائيات نشرت أفكارا مغلوطة
– تطوير البرامج الدينية لتقدم صحيح الدين والوسطية والابتعاد عن التطرف
حوار: فتحي الدويدي
أكدت الدكتورة هبة جمال الدين عابدين أستاذ الإعلام بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن الدراما الرمضانية لا تعكس الواقع، وأغلبها تنتهك خصوصية الشهر الكريم، وتتناول جوانب سلبية وتعظم لنماذج يرفضها المجتمع، مشيرة الى أن هناك جماعات خفية بمواقع التواصل الاجتماعي تروج لأعمال فنية دون المستوي لأغراض خاصة.
وقالت: افتقدنا البرامج الهادفة خلال الشهر الفضيل، وباتت البرامج الهزيلة السائدة بجميع القنوات، منتقدة استغلال صورة المرضي بالإعلانات لكسب تعاطف المتبرعين.
وطالبت في حوارها مع “عقيدتي” برؤية جيدة للمسلسلات الدينية التي فقدت جمهورها، وتوظيفها لتتوافق مع لطبيعة التغيرات الاجتماعية، وكذلك تطوير البرامج الدينية لتقدم صحيح الدين والوسطية والابتعاد عن التطرف والغلو، وأن يسعى الإعلام لتحقيق دوره في خدمة الدعوة.
وفيما يلي تفاصيل الحوار،،
درما رمضان
الدراما باتت من مظاهر شهر رمضان، وهي دائما ما تثير الجدل .. كيف ترين ذلك ؟
الجدل التقليدي أن الدراما تعكس الواقع بسلبياته وايجابياته، أم يجب أن توظف من أجل الارتقاء بالقيم والسلوكيات، وهو جدل مرتبط بشكل قوي بالفلسفة التي ينبع منها التناول الدرامي.
والإعلام بكل نظرياته يعمل وفق نظريات علمي النفس والاجتماع، فكنا نقول أن الرأي يتكون من الجماعات المرجعية والتي منها الأسرة والأصدقاء، لكن اليوم ومع التطور التكنولوجي باتت وسائل التواصل الاجتماعي المرجعية الأولى في التأثير.
ومن قبل كانت الامور واضحة، والنقاد معروفون يتناولون الدراما بالنقد في وسائل الاعلام المدركة المعروقة، لذلك كنا نثق في هذه الآراء، فنشاهد من نقتنع به من هذه الأعمال، لكن الآن ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، ظهرت جماعات خفية ليس لديها من المقومات والمعايير القيمية أو الفنية، تحاول توجيه المشاهدين نحو أعمال درامية بعينها لتحقيق أهداف خاصة.
مفاهيم مغلوطة
وهل تعكس هذه الأعمال الدرامية الواقع ؟
في هذا الموسم هناك الكثير من الأعمال الدرامية التي تتناول القضايا المجتمعية والقيم الأسرية طرحت افكارًا ومفاهيم جديدة تهم المجتمع منها على سبيل المثال التعايش السلمي بين المطلقين، لكن هذه الافكار المتميزة كانت في عملين أو ثلاثة على الأكثر، إلا أنه للأسف مثل كل عام كان الأغلب من هذه الأعمال الدرامية تقدم صورًا تنتهك خصوصية الشهر الكريم ، وتركز على جوانب سلبية وتعظيم نماذج يرفضها المجتمع، وهذا النوع من الدراما لا يعكس الواقع، وما تتناوله هذه الأعمال غريب على مجتمعنا، موجه لهدم قيم المجتمع ويخالف التقاليد المجتمعية.
الدعاة ورجال الدين
الدعاة ورجال الدين دائما ما يكونون محور الاعمال الدرامية عامة والرمضانية خاصة ، برأيك هل قدمت الصورة الحقيقة لهم ؟
تراوحت صورة رجل الدين ما بين الكوميديا وشخصيات تثير التهكم، وشخصيات جادة، وعلى مر التاريخ الدرامي أنصفت الدراما المصرية الدعاة ورجال الدين بصورة جيدة جداً، كما تدارك صناع الدراما خلال الفترة الأخيرة بعض الملاحظات حول شخصية الدعاة ورجال الدين سواء علماء الإسلام أو رجال الدين المسيحي التي تتناولها الدراما، فبعد أن كانت تقدم في صورة هزلية أو متجهمة أو متعصبة، باتت الكثير من الأعمال الدرامية تقدم صورة متميزة للدعاة ورجال الدين الذين يؤثرون في المجتمع ويساهمون في توعية الجماهير من خلال الرسال التي يقدمها العمل الدرامي.
المسلسل الديني
اختفاء المسلسل الديني من خريطة الدراما الرمضانية منذ فترة .. كيف ترين ذلك ؟
للأسف المسلسل الديني فقد جمهوره على مدار السنين، فمن خلال دراسات سابقة تم تصنيف الجمهور بالنسبة للمتابعة لصنفين أولهما من لا يتابع على الاطلاق للتليفزيون ويرغبون للتفرع للعبادة ، وعلى الجانب الآخر هناك فئة تري في شهر رمضان شهر البهجة والفرحة، وتنتظر متابعة أعمال درامية مبهجة.
وقد ارتبط ذهنيًا وتراثيًا أن الأعمال الدرامية الدينية تقدم بلغة عربية مقعرة يصعب استيعابها، وأن المسلسل الديني عمل كئيب، هذا إضافة إلى عدم وجود أبطال قادرون على تجسيد الشخصيات الدينية، مقارنة بالنجوم الكبار الذين قدموا مسلسلات دينية وتاريخية عظيمة اقنعوا بأسلوبهم المشاهد.
لذلك الدراما الدينية تحتاج إلى رؤية جديدة، من الفكرة التي تناسب الجمهور المستهدف، وكذلك أسلوب خاص لعرض الفكرة، والأهم توظيف العمل الدرامي الديني التوظيف المناسب لطبيعة التغيرات الاجتماعية.
اعلانات مستفزة
وماذا عن البرامج والإعلانات التي تقدم خلال الشهر الفضيل ؟
للأسف افتقدنا من فترة البرامج الهادفة، وبات البرامج الهزيلة التي هي السائدة بجميع القنوات، وهذ في حد ذاته كارثة تهدد قيم المجتمع، أما الاعلانات فقد أصبحت تطارد المشاهد بما تقدمة شركات الاستثمار العقاري من عروض الفيلات الفارهة والشاليهات، وهذه النوعية لفئة خاصة لا تمثل غالب الشعب المصري ، وعلى النقيض في نفس الفاصل تطاردنا أيضا إعلانات التبرع لبناء المستشفيات والمساجد وللفقراء والمحتاجين.
هناك ملاحظة أود أن أشير إليها خاصة بإعلانات التبرعات أو الأعمال الخيرية، وهي استغلال صورة الأطفال المرضي لكسب تعاطف المتبرعين.
أما الأمر الغريب فيتمثل في إعلانات البنوك وشركات المحمول التي في حد ذاتها لا تحتاج إلي اعلانات، فمن الأفضل أن تقدم خدمات جيدة للعملاء الذين يشتكون كثيرًا من سوء خدماتها، بدلًا من مئات الملايين التي تنفقها علي الإعلانات.
وهناك أيضا ملاحظة أخري، تتمثل في الفنان الذي يشارك في هذه الاعلانات، والذي يمكن أن يفقد مصداقيته لدي الجمهور، سواء بظهوره المستمر في هذه الاعلانات، أو قدم مضمونا يخدع المستهلك.
البرامج الدينية
هناك دراسة خاصة للمركز عن البرامج الدينية .. ما الذي تناولته هذه الدراسة؟
مع ظهور القنوات الفضائية اهتمت العديد من الفضائيات بتقديم برامج دينية تعنى بعرض التساؤلات الدينية والإجابات عليها، شملت قنوات لمختلف الأديان والمذاهب، لذلك إهتم المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية برصد هذا المكون الثقافي من خلال بعدين هامين من أبعاد العملية الاتصالية، وهما الرسالة الإعلامية الدينية من خلال تحليل مضمونها، والقائم بالاتصال في البرامج الدينية سواء الإسلامية أو المسيحية، وبحث طبيعة العلاقة بين البرامج الدينية التليفزيونية والجمهور العام بكل أبعادها المختلفة، وإلقاء الضوء على إقباله عليها واستخداماته لها واشباعاته المتحققة منها، والكشف عن مختلف العوامل والمؤثرات المحددة لطبيعة هذه العلاقة بينهما وتقييمه لها، إضافة إلى تأثير خصائص الجمهور المتلقي على التعرض لهذه البرامج الدينية التليفزيونية.
أراء الجمهور
وما الهدف الذي يسعى المركز لتحقيقه من هذه الدراسات؟
هذه الدراسات نفذها نخبة من الباحثين بقسم الاتصال الجماهيري والثقافة بالمركز للكشف عن أهم المصادر التي يستقى منها الجمهور المصري معارفه ومعلوماته الدينية، وموقع البرامج الدينية التليفزيونية على خريطة مصادر التثقيف الديني لديه. الوقوف على مدى تعرض الجمهور المصري للبرامج والمضامين الدينية الإعلامية والكشف عن دوافع تعرضهم لهذه البرامج تحديدًا والإشباعات المتحققة من مشاهدتها، التعرف على آراء الجمهور المصري في نوعية المضامين والموضوعات المقدمة من خلال البرامج الدينية. التعرف على آراء المستجيبين حول دور القائم بالاتصال وتأثيره على العملية الاتصالية، والتعرف على قدرة البرامج الدينية التليفزيونية على المساهمة في عملية تجديد الخطاب الديني من منظور الجمهور العام، والوقوف على عوامل تمييز الجمهور المصري للمحتوى الديني المقدم في القنوات التليفزيونية وتأثيره على الهوية الثقافية بشكل عام والدينية بشكل خاص. التعرف على مقترحات الجمهور المصري لتطوير البرامج الدينية المصرية شكلاً ومضمونًا للمساهمة في وضع استراتيجية من قبل الإعلام المرئي نحو التحديات المجتمعية الحالية.
تأثير إيجابي
وكيف كان تأثير هذه البرامج وتفاعل الجمهور معها ؟
انعكست مشاهدة هذه البرامج على أسلوب نسبة كبيرة من المتابعين، وممارسة العبادات، وانتظامهم في الصلاة وتأدية العشور وقراءة القرآن والإنجيل، بالإضافة أيضا إلى الحرص على الصلات العائلية والالتزامات الأسرية والتسامح مع الآخرين، الأمر الذى يبرز عمق الثقافة الدينية وتأصلها المتماثل بشكل كبير لدى المصريين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية، إلا أن هناك أيضا لم تترك مثل هذه البرامج تأثرًا في حياتهم كون هذه البرامج لا تواكب الحياة المعاصرة ولا تركز على القضايا الحياتية الحالية وأن أسلوب خطابها معقد ولا يتميز بالبساطة، كما وأن البعض يرى أن أسلوب حياته لا يحتاج للتغيير.
الخطاب الديني
وماذا عن دور هذه البرامج في قضيتي تجديد الخطاب الديني ومكافحة الفكر المتطرف ؟
بلا شك أن مكافحة الفكر المتطرف ترتبط بتجديد الخطاب الديني، فتجديد الخطاب الديني باعتباره المعول الأساسي لهدم الأفكار المتشددة المتطرفة التي تمد الإرهاب بمقومات ومبررات مرجعتيه، لذلك باتت حتمية الاستعانة بالبرامج التي تقدم صحيح الدين وتعمد إلى الوسطية والابتعاد عن التطرف والغلو، للوصول إلى الجماهير الغفيرة بما لديها من إمكانات تقنية ورسائل مبنية على مادة علمية رصينة وعلماء متخصصين في الشأن الديني ذوى ثقل ومصداقية ودراية بصحيح الدين.
ويقتضى ذلك تخصيص برامج محددة بتوقيتات زمنية مناسبة، سواء من حيث وقت البث أو الوقت المحدد للبرامج ذاتها، بحيث تسمح بإثراء نقاش علمي وديني رصين لا يبتعد عن فهم رجل الشارع العادي، ويعمل على تحويل الأمر إلى قضية عامة وليس مجرد قضية يختلف حولها المتخصصون من علماء الدين فقط. يتعين على الإعلام أن يلعب الدور الصحيح المنوط به، فبدلاً من إثارة القضايا الجزئية، يجب أن يسعى لتحديد ماهية الخطاب الديني وما الذى نريد تجديده بالفعل، وأن يتابع الإعلام الخطوات التي يتخذها الأزهــر والمفكرون في هذا السبيل، وأن يسعى الإعلام لتحقيق دوره في التغيير الاجتماعي باعتباره أحد أهم أدوات هذا التغيير، وأحد أنجح الوسائل في نشر هذا الخطاب الديني.
تجديد وتطوير
وكيف يمكن تطوير هذه البرامج لتحقق رسالتها ؟
من الضروري أن يقوم القائمين على هذه البرامج، بالتدقيق في اختيار مقدمي البرامج الدينية والضيوف والمتحدثين فيها بحيث يكونون من ذوى المصداقية والمتخصصين مع مراعاة ملائمة تخصصاتهم للموضوعات المثارة بالبرامج، والاستعانة بالعلماء والمتخصصين في الشئون الدينية عند إعداد وتنفيذ البرامج بحيث يسهمون في وضع الخطط التي تسير عليها البرامج.
كما يجب الاستفادة من التطورات الكبيرة في مجال تكنولوجيا الاتصال عند إعداد البرامج الدينية والخروج من فكرة البرامج الحوارية والعمل على تجديد وتطوير القالب التي تقدم به هذه البرامج، كما يجب على القائم بالاتصال في البرامج الدينية التركيز على الموضوعات والقضايا والمضامين التي تعكس القيم الدينية والابتعاد عن تناول الآراء الشاذة والمسائل الفقهية محل الجدل.
الدعوة الإعلام
برأيك.. هل خدم الإعلام الدعوة الإسلامية ؟
الدعوة لم تنفصل عن الإعلام، والإعلام المصري منذ بدايته لم يغفل الدعوة الإسلامية، فاستمعنا عبر أثير الإذاعة واستمعنا عبر شاشات التليفزيون برامج دينية متميزة، كان لها أهمية كبري في نشر وتبليغ الدعوة إلي الإسلام ، وتحسين الصورة الذهنية الخاطئة عن الإسلام والمسلمين في العالم، والتصدي للحملات المغرضة والسموم الإعلامية.
لكن بعد ظهور الفضائيات التي ينفق عليها ببذخ، باتت المنافسة شرسة مع الإعلام المصري، فاتجه الجمهور إلى متابعة هذه برامج القنوات التي قدمت قراء القرآن والدعاة من بلادهم يقدمون فتاوي تتناسب مع بيئتهم ولا تتناسب مع المجتمع المصري من هنا ظهرت بعض الأفكار المغلوطة.