دعا له الشعراوي..اعترف بفضله الطبلاوي..شكره عبد الباسط لإعتزازه بالقرآن
حول الأمسيات القرآنية في دوار البشوات إلى أماكن لإطعام الفقراء والصائمين
مشجع شباب القراء..معطاء في السر والعلن..متسامح جدا مع غير المسلمين
كان يقرأ مجانا في عزاء الفقراء..ترأس لجان التحكيم العالمية..استقبله الرؤساء
قام بالزيارة :
جمال سالم
محمد الساعاتي
رغم مرور 33 عاما على وفاة القارئ الشيخ عبدالحميد الباسوسي، إلا أنه من القراء ذوي البصمة الصوتية المتميزة التي تجعل إذاعة القرآن الكريم التي أنضم اليها عام 1965 تحتفي بذكراه سنويا..إلا أن المنشور عن حياته الشخصية ومواقفه الجريئة ومدرسته القرآنية قليل جدا..من هنا تأتي أهمية اللقاء مع أسرته لنتعرف على كثير من الجوانب المضيئة التي تجعلنا نقف إجلالا واحتراما لأهل الله وخاصته
عن بداية رحلة الشيخ الباسوسي يقول نجله عصام: ولد أبي عام 1915، بمنطقة باسوس – محافظة القليوبية، حفظ القرآن وعمره 10 سنوات على يد والده الشيخ حسن الباسوسي، وجوده على يديه أيضا لأن والده كان شيخا معروفا، ويقال أن صوت جدي الشيخ حسن الباسوسي كان أقوى من صوت والدي رغم قوة صوت الوالد، بعد ذلك تفرغ والدي للقراءة وتعلم القراءات العشر، وذاع صيته كقارئ حتى طاف جميع المحافظات وخاصة بعد أن التحق بالإذاعة في الستينات.أما عن اسرتنا فنحن خمس ضباط بالقوات المسلحة وصلنا إلى درجة لواء وهم: توفيق ومحمد وملهم وعصام، وصلاح مدير إدارة تعليمية سابق، وبنت وحيدة، والسر في إلحاق أبي لغالبية أبنائه بالقوات المسلحة أنه كان منضبطا جدا، وكان يتمنى أن يكون عسكريا مثلنا، ووصل انضباطه أنه لا يمكن أن يأتي الليل وأحدنا خارج المنزل، فعند آذان المغرب الجميع يكون في البيت، وإذا كانت هناك ظروفا خاصة تستدعي الخروج بعد المغرب لابد أن يعرفها مسبقا ،جعلنا كأخوة متعلقين بالقرآن، وكان يحرص على مراجعة القرآن معنا، وكانت هذه من نعم الله علينا، ولم يكن أبدا متشددا في الدين
وأضاف قائلا: كان الوالد يسهر في الأمسيات الدينية عند الأعيان الذين كان من عاداتهم عمل سهرات للمشايخ، وخاصة في شهر رمضان، وكانت له سهرات في دوار الأعيان بصعيد مصر على مدار الشهر الكريم كاملا، وساهم في جعل هذه السهرات القرآنية مكانا للعمل الخيري وإطعام الفقراء والمساكين والأيتام، وكان يقول لصاحب الدوار:” نحن في شهر رمضان شهر القرآن، وأنت بتعمل خير، فما عليك إلا أن تفتح المضيفة أو دوار الباشا” وبالفعل استجاب الباشا لطلب الوالد وبدأ يعد الإفطار للأهالي، وكان هذا الباشا يعمل لديه حوالي 200 شخص، وكان يعد لهم الطعام مع كل أهالي البلدة الذين كانوا يأتون ليتناولوا الإفطار ثم يجلسون لسماع القرآن الكريم حتى منتصف الليل، هنا أمر الباشا بفتح السرايا وأدخل أهل البلدة، وأمر بتقديم التمر والأشياء التي تقدم في شهر رمضان كالكنافة والقطايف وغير ذلك، وكان الوالد يعود بعد قضاء هذا الشهر الكريم في صعيد مصر فرحا مسرورا لأنه ساهم بقدر كبير في إسعاد الجميع بالقرآن الكريم وإطعام الطعام، وبهذه السنة الحسنة، وكان يقول لأهل البلد من يريد شيء من الأرض يذهب ويأخذ ما يريد ولجميع العاملين عندهم مصداقا لقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:” الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة”.في احدى المرات تذوق الباشا الملوخية ونظر إلى والدي وقال له:” تعرف يا مولانا والله إن الملوخية لا تحلو إلا عندما يأكل منها الفقير، وإذا لم يتناولها معنا الفقير لا طعم لها، وعلى ذلك قس في كل الأطعمة”
عن أصدقائه من القراء قال: كان الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، حبيب الوالد، وحبيبنا جدا لدرجة أن فضيلته كلما كان يراني يقف ويقول لي:” تعالى أجلس جنبي” فقد كان متواضعا عن الشيخ الطبلاوي قال: كان ابن بلد وجدع، وظهر ذلك جليا، عندما كان أحد الناس، وهو معروف لدينا يريد عمل برج سكني لأبناء المشايخ، وحذرني الشيخ الطبلاوي من هذا الرجل، وبالفعل فوجئت بهذا الرجل يأتي إلى بيتنا ويريد أخذ الأموال، ولكني اعتذرت له بلطف عملا بنصيحة الشيخ الطبلاوي، واكتشفت صدق نصيحة الشيخ الطبلاوي ، وتبين أن هذا الرجل نصاب، وقال لي الشيخ الطبلاوي:”والله يا ابني أنت ابني بالضبط ، وعندي شقة لو أنت محتاجها أنا مش عايز منك فلوس، اتفضل تعال اتفرج عليها يا ابني وانا مش عايز منك أي حاجة، أقسم لك بالله ما أنا ما عايز أي حاجة” عن نصائح الشيخ عبد الحميد البسوسي لأولاده قال نجله الأستاذ عصام: أهم نصيحة أن نكون أنا وأخوتي يد واحدة ولا تفرق
يقول اللواء ملهم نجل الشيخ الباسوسي: عقب وفاه الوالد بأيام آتاني في رؤية منامية، ووضع أصابعه على أصابعي وكان يردد قائلا: الجنة، الجنة،الجنة ومن هنا استبشرنا خيرا بأن الوالد الكريم في الجنة إن شاء الله
الأصدقاء المقربين
عن أصدقائه من القراء قال نجله اللواء ملهم: كان الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، حبيب الوالد، وحبيبنا جدا لدرجة أن فضيلته كلما كان يرى أحدنا يقف ويقول لي:” تعالى أجلس جنبي” فقد كان متواضعا، أما الشيخ الطبلاوي فكان ابن بلد، وظهر ذلك جليا، عندما كان أحد رجال الأعمال معروف لدينا يريد عمل برج سكني لأبناء المشايخ، وحذرني الشيخ الطبلاوي من هذا الرجل، وبالفعل فوجئت بهذا الرجل يأتي إلى بيتنا ويريد أخذ الأموال، ولكني اعتذرت له بلطف عملا بنصيحة الشيخ الطبلاوي، واكتشفت صدق نصيحة الشيخ الطبلاوي، وتبين أن هذا الرجل نصاب، وقال لي الشيخ الطبلاوي:”والله يا ابني أنت ابني بالضبط، وعندي شقة لو أنت محتاجها أنا مش عايز منك فلوس، اتفضل تعال اتفرج عليها يا ابني وانا مش عايز منك أي حاجة، أقسم لك بالله ما أنا ما عايز أي حاجة”.ومن الأصدقاء المقربين أيضا الشيخ هاشم هيبه، والشيخ محمد الطوخي، والشيخ عبد العزيز علي فرج، والشيخ محمود محمد رمضان، والشيخ صلاح يوسف، والشيخ ابراهيم الشعشاعي، والشيخ عبد العزيز البركيلي، والشيخ محمد عمران والشيخ ممدوح عبد الجليل،والشيخ نعينع والشيخ البنا والشيخ طاهر القليوبي والشيخ محمدي بحيري وهذا التلميذ الوالد، وغيرهم الكثير، وتعاملنا مع هؤلاء جميعا ورأيناهم في منزلنا رأي العين مرات كثيرة، وكان مولانا الشيخ الطبلاوي يجل الوالد ويحترمه في كل مكان يذهب إليه كان يقدمه وكان لا يناديه إلا بأن يسبق اسمه “سيدنا الشيخ عبد الحميد الباسوسي” وسأل رجل جزائري الشيخ الطبلاوي وهو يشير ناحية والدي ويقول له من هذا الشيخ الذي أراك تحترمه وتجله فرد الشيخ الطبلاوي قائلا: هذا رجل طيب محترم وقارئ له مكانه كبيرة وله تاريخه. فقال الجزائري: هل عنده عزبة ولديه ثروة كبيرة. فقال الشيخ الطبلاوي: نعم لديه ثروة كبيرة جدا وهي القرآن الكريم الذي يحمله على قلبه وداخل صدره.
واستطرد قائلا :روى لنا الشيخ الطبلاوي أن كان الوالد كان مدعوا مع الشيخ عبد العظيم زاهر، وذهبت- والكلام للطبلاوي- وأنا عمري 10 سنين، وطلبت من الشيخ عبد العظيم زاهر أن أقرأ تبركا معهم دقائق، فرفض الشيخ عبد العظيم زاهر، خشية أن أطيل في القراءة وحفاظا على الوقت، فقال الوالد للشيخ عبد العظيم زاهر:” يا مولانا هذا ولد مجتهد وحريص أن يأخذ البركة والنفحات. وقرأت أنا صغير معهما ،وبالفعل سمحوا لي أن أقرأ 10 دقائق ومن هذه من هذه المرة” وظل الشيخ الطبلاوي حتى وفاته دائما ما يذكر هذا ويثني على والدي الذي دعمه في الصغر.
ويستطرد اللواء ملهم قائلا: الغريب أن واقعة الطبلاوي تكررت حيث كان الوالد والشيخ عبد الباسط في عزاء بمسجد مكرم، وحضر شاب وأراد أن يقرأ لمدة دقائق، ولم يوافق الشيخ عبد الباسط لضيق الوقت، فقام والدي واستاذن الشيخ عبد الباسط وقال له أنه لن يطيل إن شاء الله، ربما يا فضيلة الشيخ سيتقاضى هذا المقرئ الصغير حسنة من أصحاب العزاء، وبالفعل استجاب الشيخ عبد الباسط وسط السعادة من القارئ الشاب وسمح له وقرأ عشر دقائق، وهذه سنة حسنة من أصحاب العمائم الكبرى
نصائح غالية
عن نصائح الشيخ عبد الحميد البسوسي لأولاده قال نجله الأستاذ عصام: قال نعم جلسنا مع جلسات كثيرة جدا، وفي كل جلسة كنا نتعلم منه لأنه “قدوة” فقد كان لا يمتهن القراءة لقصد التربح بقدر ما كان يمارسها حبا وعلما، أهم نصيحة أن نكون أنا وأخوتي يد واحدة ولا تفرقنا الدنيا لأنها إلى زوال، وكان عندما يذهب لأداء ليلة عزاء كان يقول:” إن المنتقل هذا إلى ربه، الله أعلم بحاله، كان بيفكر في أيه وأصبح فين، كلنا إلى زوال”. كان الوالد ممن جعل الله الدنيا في يديه وليست في قلبه، وكان لا ينظر إلى المال إطلاقا، فقد عرض عليه من أحد رجال الأعمال السكن شقة في المهندسين، ورفض وقال:” لن أترك بيتنا في السبتية أبدا”
عن اليوم المعتاد في حياة الشيخ الباسوسي قال اللواء ملهم: لا أحد يقدر النعمة التي كان أبي يعيش فيها، فقد كان يجلس ويفتح القرآن الكريم يوميا ليقرأ في ثلاث ختمات، الأولى: ختمة يصلي بها، والثانية: ختمة يراجعها مع الشيخ الذي كان يراجع معه، والثالثة ختمة حينما كان يجلس مع نفسه في الخلوة، ولا تتوقف هذه الختمات حتى لو كان مسافرا للخارج، ويكون سعيدا كلما ختم القرآن الكريم الذي لا يفارقه أبدا، وخاصة في الليل لدرجة أني تمنيت أن أعمل في هذا المجال القرآني، ولكن منعني عملي كضابط جيش وأحيلت للتقاعد وأنا لواء، وكثيرا ما تمنيت بيني وبين نفسي ان أكون عالم دين مثل أبي الذي كنت أعيش معه تلك اللحظات الجميلة، ما بين الإذاعة والأمسيات أو أي في فعاليات دينية أخرى كلها قراءة للقرآن الكريم أو الابتهالات الدينية، الحمد لله، علمنا الوالد أن لا نعصي الله ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، فليس بيننا مدخن، ولم نجلس في مجالس فيها معصية، وقلت للوالد ذات مرة: أنا خلال سفرياتي حول العالم يحدث أن نجلس في أماكن بها أشياء لا يرضى عنها الله ونحن لا نقبلها أيضا وسط مجموعة يشربون السجائر والخمور وهكذا، ولكن ولله الحمد عمري ما تناولت شيئا من هذه الأشياء، ولا أقبل عليها أبدا فقال لي الوالد:” دي حاجة بينك وبين ربنا، ولك أن تعلم أن الله تعالى سيكرمك على مدى سنوات عمرك، بقدر تقواك وحبك له” والحمد لله أنا عمري 70 سنة، وما تعلمته من والدي من حب الالتزام، ولهذا ربنا أنعم علينا بالصحة والقبول والستر وموسع رزقنا كلنا ولله الحمد، وربنا أكرمنا كلنا ببركة القرآن ماديا ومعيشيا ومعنويا، والله كان منزلنا في السبتية كله نور و بركة وخير، والبيت كان منور بنور القرآن الكريم، وحدث مؤخرا أن زميلا قديما لي اتصل بي وطلب مني أنه النفسية عنده محتاجة زيارة لبيتنا القديم في السبتية، وقال لي والله لن أنسى هذه الأيام لأن المنزل كله نور وروحانيات ببركة القرآن العظيم، وكان هذا المنزل عبارة عن 300 متر ايجار، وتركناه لأصحابه بدون مليم واحد، كما يفعل الكثيرون ممن يتركوا المساكن ذات الايجار القديم.
يروي عصام الباسوسي موقف حازم لوالده مع أحد تجار سوق روض الفرج القديم يؤكد فيه رفعة أهل القرآن، على أهل المال ، وهذا الموقف جعل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد عندما علم به، أتصل بالوالد يشكره يقول له:”شكرا لأنك رفعت أهل القرآن الكريم” ووذات مرة كنا نركب السيارة وطلب منا الوالد أن نوقف السيارة فأوقفنا وكان رجلا يشبه جدي الشيخ حسن الباسوسي وجاء الشيخ وأعطاه وأخرج له ما يريد، فدعا له قائلا :”ربنا يسترك في الدنيا والآخرة” ونصحنا الوالد قائلا:” طالما أنت تعطي لله ربنا يسترك مدى الحياة” وكان الوالد يردد من ضمن الرزق القبول في الأرض”
المواقف الخارجية
عن المواقف الخارجية التي لا تنسى في حياة الشيخ الباسوسي قال اللواء ملهم: حدث ذات مرة أثناء سفره لإحياء ليالي شهر رمضان بالنمسا أن جاءت إليه سيدة مسلمة مصرية، وقالت له :”يا مولانا أنا متزوجة من غير مسلم وامتلك معهدا للرقص، وأريد التوبة، فماذا أفعل؟”. فقال لها الوالد: ما تفعلينه مخالف للشرع، اذهبي وتوضئي وصلي لله ثم تعالي، وبالفعل ذهبت واغتسلت وتوضأت وصلت وعادت إلى والدي فقال لها: عودي إلى مصر، وأغلقي معهد الرقص وعودي إلى ربك وتوبي، وبالفعل تابت السيدة وعادت إلى مصر، وقامت باغلاق معهد الرقص، وتركت زوجها غير المسلم، ورزقها الله من الخير الكثير، وظلت على تواصل مع والدي تتصل به هاتفيا وتشكره حتى رحيله، كما أن هناك كثيرين أسلموا على يده في رحلاته حول العالم، وكانت أهم نصائحه عندما يقصده العاصي المفرط في حق نفسه في الماضي، أنه كان يقول له “تب إلى الله وأتفضل وقوم أتوضا وصلي” فقد كان يفتح باب الأمل أمام الجميع مؤكدا لهم أن الله تعالى غفور رحيم وأنه غفار وسبحانه القائل:” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” وقوله تعالى كذلك” وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ” وكان مردد دائما لهذه الآية ، فهو ليس متشددا وكان لا يعنف أحدا، ويشجع من يسأله عن أي معصية بالعودة إلى الله سريعا، ولهذا ورثنا من الوالد أن الدين كله سهل ويسر وليس صعبا
ويواصل الحديث عن سفريات الشيخ الباسوسي قائلا: سافر الوالد لكثير من دول العالم أهمها: أسبانيا وفرنسا والمانيا وباكستان والسودان وتونس والجزائر وفنزويلا والدنمارك والنمسا والجزائر، كانت الزغاريد تعلو عندما يصدح بصوته العذب في تونس، وترأس لجنة تحكيم في القرآن الكريم الدولية في المسابقة العالمية القرآن الكريم في ماليزيا، كانوا يحضرون له قوات أمن لحمايته، لأنه برتوكوليا عندهم الشيوخ أعلى من الدبلوماسيين، وكانوا يتلمسون جلبابه، ويتبركون بعمامته لأن العالم كله يعلم مكانه الشيخ في مصر وخارجها وقيمة القرآن وأهل القرآن لدرجه أن المشايخ كانوا يبكون من الفرحة يقول أحدهم لست مصدقا أن القرآن رفعني لهذه الدرجة، وكانت سيارات رئاسة الجمهوريه تقل الشيخ مع أهل القرآن ويستقبلهم رئيس الدولة في المطار ويذيعون خبر وصولهم على الهواء مباشرة في وسائل الإعلام
ويضيف :تقابل والدي مع الشيخ الشعراوي كثيرا في الجزائر، وكان والدي يقول: إن الشيخ الشعراوي ظهر عملاقا هناك بخواطره الفياضة، ودعا له الشيخ الشعراوي دعوة جميلة ” ربنا يفتح لك ويعطيك اكثر مما تتمنى” وكان والدي يقول عن الشيخ الشعراوي”هذا الرجل عنده فتوح من عند ربنا، وهو مجدد ال100 عام ويستحق ان يطلق عليه لقب مجدد” وكان والدي عاشقا للشيخ الشعراوي لأن لأن الله جعله يسهم ببراعة فائقة في هداية الشباب وأن يسيروا ويبادروا بالتوبة إلى الله وكنا ننتظره مع الشعب عبر التلفزيون لأنه من كنوز مصر التي ذكرها في القرآن، وربنا أعطاها عطاءات كثيرة أولها علماء الدين. ثانيها: المجددين في الدين. وثالثها قراء القرآن الكريم وهكذا الله تبارك وتعالى حفظها وحباها بقراء القرآن الكريم على مر العصور حتى القراء الجدد نراهم يبدعون، فهذه هي القوة الناعمة، وهكذا ربنا يحفظ مصر بفضل آل البيت وأهل القرآن رضي الله عنهم أجمعين
تسامح ووطنية
يواصل اللواء ملهم كلامه قائلا:تعلمنا من الوالد عند اخراج الصدقات أن لا نفرق بين مسلم أو مسيحي لأنها كلها لله، وهؤلاء من خلق الله عز وجل، ربنا خلق الإنسان، وهذا ما زرعه فينا الوالد الكريم، فعندما يكون عنده عزاء وكالة البلح أو شبرا، ويعلم أن في المنطقة مسيحيين كان يقرأ لهم سورة “مريم” لأنها محببة لديهم، وأحيانا كان يقرأ سورة آل عمران من الجزء المخصص عن السيدة مريم، وينال استحسان المسيحيين ويقولون له:” الله ينور عليك يا سيدنا الشيخ كلك ذوق والله” وكانت تربطه صداقة بالجيران من المسيحيين، ونتذكر الدكتور الصيدلي رمز مجدي وأولاد حبيش وأولاد مكاري عدلي مكاري بوكالة البلح، كانوا يحبون الوالد ويحضرون له المآتم والمناسبات، ويقولون له:” احنا جايين نسمعك يا مولانا” وأتذكر أننا كنا نسير ذات مرة بالسيارة والسماء تمطر بشدة وفجأه رأى والدي أحد القساوسة يسير في الشارع، فأمر بإيقاف السيارة، عرضنا عليه أن يتفضل معنا في السيارة فركب معنا، وإذا به يرى عمامة الوالد فيرحب به الوالد ويقول له: إلى أين أنت ذاهب، فيقول له القسيس: أي مكان وصلوني لأي محطة وأنا أتصرف. فقال له الوالد: نحن سنوصلك إلى منزلك، وبالفعل قام الوالد بتوصيل القسيس إلى بيته في شبرا، وهو له يردد :أهلا ومرحبا ، فقد كان والدي شديد الاحترام لرجال الدين دون الالتفات إلى ديانته، وكنا ذات نوزع زكاة أموالنا في شهر رمضان على أحد المستشفيات، ولم نسأل عن ديانة أي مريض،وكان يقول لنا ” كلنا أخوة في الإنسانية والدين لله وحده”، وكذلك كان بجوار منزلنا مسيحي يدعى “ملاك” وكان له نصيب الخيرات الرمضانية كالمسلم تماما، وتعلمنا من الوالد أن هذه الأشياء تخلق محبة بيننا وبين المسيحيين، والله يقول في القرآن” لكم دينكم ولي دين” أنت تعطي لخلق الله عز وجل، وليس لك علاقة باختلاف اللون أو الجنس أو الدين حتى لو كان هندوسيا أو بوذيا لأن الناس ربنا خلقها، وهو سبحانه القائل “وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُون ” لابد أن نقدم صورة جميلة للإسلام حتى نعرف غير المسلمين أن هذا هو الإسلام بسلوكنا وأخلاقنا تنفيذا لقول ربنا سبحانه وتعالى” ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ”
وأكد عصام الباسوسي أن والده شارك بالقراءة في عزاء شاه ايران بقصر عابدين حيث تم تشييع جثمان ظهرا في مصر وأقيمت ليله العزاء وأذيعت على الهواء مباشرة من قصر عابدين، وكان معه في هذه الليلة الشيخ محمود صديق المنشاوي واختارهما الرئيس السادات -رحمه الله عليه- بنفسه.
حب الخير
يتذكر عصام الباسوسي ما تعلمه مع أخوته من والدهم قائلا:حببنا في عمل الخير وكان يوصينا لو معك 20 ألف جنيه خصص منهم ألف جنيه على الأقل لأصحاب الحالات وأخرجه لله تبارك وتعالى وكنا نستجيب للوالد وهذا يعد من الأشياء التي جعلتنا نعيش في قمة السعادة، وكان الوالد يعلمنا أن الواحد منا لن يعيش سعيدا إلا عندما يخرج لله ، وكان يرسلنا لواحد مريض لم يخرج من منزله منذ 12 عاما لنعطيه الحسنة، وكان يرسلنا لأربعة أشخاص بصفة دائمة ويردد قائلا “ما فيش مال ينقص، بل فيه بركة كنا نتعهد معهد ومستشفى السرطان لأن الوالد علمنا أن يكون العطاء لمن يستحق فعلا، ومن الأشياء التي عشناها مع الوالد أنه عندما كان يدعى لإحياء سهرة وكان يعلم أن الراحل كان يعالج مستشفى أو سبق الوفاة مرض خطير أرهقه ماديا وأرهق الأسرة، فكان لا يتقاضى أجرا بل كان يتنازل عن الأجر، وكان يشعر صاحب العزاء بأنه صاحب عزاء، فمثلا يقول لابن المتوفى يقول له:” الله يرحم ابوك كان حبيبي وصديقي وعشرة عمر” حتى لا يشعره بالحرج هذا هو خلق الشيخ ، ذات مرة كان الوالد يسير في الشارع فأوقفه رجل وقال له” استحلفك بالله عندما أموت وأنت على قيد الحياة أن تحيي عزائي” وفي ذات يوم اتصل بنا أحد تجار وكالة البلح وقال الوالد أنت فاكر الراجل الذي أوصاك عندما يموت أن تحي ليلته. فقال له :نعم. قال له: هذا الرجل مات اليوم، فقال له بالله: عليك أسأل أين سيكون العزاء وذهب الشيخ بسيارته وبالعمة والكاكولا مرتديا أجمل الثياب من أجل أن يحيي ليلة عزاء الرجل الذي أوصاه وجه الله
وأضاف :كان من عادة الشيخ عندما يذهب لخياطة ملابسه إذا طلب الخياط منه مبلغا يعطيه الضعف مرددا” لقد تعبت” وكان له مدخل مع البسطاء حيث كان يضحك معهم أولا حتى يعطيهم ويمنحهم الثقة على اعتبار انه صديق لهم، ثم يعطيهم بلا حرج ولا جزع، وكان يحب المساكين جدا
يروي نجله عصام واقعة غريبة قائلا: والله لست مبالغا إذا قلت أن أبي كان يعرف كيفية موته، وتمت كما قال حيث حيث مات فجأة، فقد كان جالسا مع والدتي وأختي، وقال لهم: اتفضلوا أنتم وأنا هستريح هنا وفاضت روحه إلى خالقها، وهذا يدل على أن أهل القرآن الكريم هم أهل الله وخاصته- كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالفعل الذين منهم الوالد، فهم بالفعل أناس صالحين قال الله تعالى عنهم:” ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ” وقبيل وفاة الوالد قال: عندما أموت ادفنوني ثاني يوم، وتقومون بذبح عجل وإطعام الفقراء، وإقامة سرادق للعزاء جاء فيه العديد من قراء الإذاعة والتلفزيون وقال الشيخ الطبلاوي يومها :”لقد مات الفتوه”
وينهي اللواء ملهم كلامه قائلا: كشف لنا الشيخ أحمد الرزيقي المستور يوم وفاة الوالد فأكد أنه كان يخرج تبرعات كثيرة في مصاريفها الشرعية في الجهات الخيرية، ومنها نقابة القراء، ولكن الوالد لم يذكرها لنا حيث كان يقوم الوالد بفعلها لوجه الله ولم يذكرها لنا ،وأن الشيخ كان عامل جيب خاص للأموال التي خصصها لله حتى يوم وفاته، وعندما كنا نفرغ السديري من الأموال الموضوعة بداخله، فقالت الوالدة:”لا هذا الجيب أبعدوا عنه كان مخصص للفلوس الخاصة التي يخرجها الشيخ لله” وبالفعل كان مبلغا كبيرا، فحرصنا على إخراجه للفقراء والمساكين والأيتام، وعقب وفاه الوالد بأيام آتاني في رؤية منامية، ووضع أصابعه على أصابعي وكان يردد قائلا: الجنة، الجنة، الجنة ومن هنا استبشرنا خيرا بأن الوالد الكريم في الجنة إن شاء الله
لمسة وفاء
وفي النهاية تقول فاطمة بنت الشيخ الباسوسي كان الوالد يحرص على توقير أساتذته وتجلى ذلك من باب الوفاء أن قام بزيارة سيادة (الناظر ) حتى بعد ما نزح إلى القاهرة وأصبح قارئا مشهورا بالإذاعة وجولاته حول العالم وانشغاله إلا أنه لم ينس أستاذه فقد اصطحبنى أنا واخوتى محملين بزيارة تليق وذهبنا معه لزيارة الناظر. الذى عندما دخل عليه أصر الوالد على تقبيل يده مما جعل الناظر يزداد فرحا بزيارة التلميذ النجيب له. مما خفف عنه شدة المرض. وقال الناظر لوالدى: والله كلما استمعت لتلاوتك فى الراديو أكون سعيدا. وهكذا تعلمنا من كيف يكون الوفاء للآخرين.