إنَّ الله تبارك وتعالى قد نهى عن قتل النفس بغير الحق في كتابه الكريم فقال تعالي: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾.
ويقول عزّ وجلّ: “مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا”.
وقال تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
لسنا في حالة حرب مع شركاء الوطن، بل نعيش معهم في أرض سلم إنما نحن في حالة حرب مع هؤلاء الخوارج الذين لا تعرف قلوبهم الحب ولا التسامح؛ قتلوا الآمنين وقتلوا المصلِّين في الكنائس وحتي في المساجد!
ونبينا صلى الله عليه وسلم هو القدوة في المحافظة على دماء غير المسلمين، وقد قال رب العزة سبحانه وتعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾.
وإذا نظرنا إلي هدي النبي حيث كان مع الرسول بالمدينة أصحاب ديانات مختلفة، فكان منهم اليهود والمشركون، الذين يعبدون الأصنام، وعلى الرغم من ذلك كان يدعوهم إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم يجبرهم على الدخول في الإسلام، ولم يعتد على حرماتهم وأموالهم، وترك لهم حرية العبادة مع أن المسلمين كانوا أصحاب الكلمة العليا في المدينة، ولم يسفك دم أحد منهم بغير حق.
وما زرع النبي الكراهية في نفوسنا ولا نفوس الأمة، بل زرع الحب والتسامح مع المسلمين ومع غير المسلمين بل مع غير المسلمين أشد، فيقول النبي (مَنْ آذَى ذِميًّا فَقَدْ أَذَانِي) ولم يقل هذا عن المسلم لحرمة الدماء عند الله، ولحرمة دماء غير المسلمين عند الله.
ولقد تبرّأ النبيّ من هؤلاء الذين يعكرون صفو حياتنا، والذين يبدِّلون أمننا خوفا، فعن سيدنا عبدالله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا).
والمراد بالمعاهَد: هو من له عهدٌ مع المسلمين سواءٌ كان بعقد جزية، أو هدنة من سلطان، أو أمان من مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصب دماً حراماً».
كما قال: (اجتنبوا السبع الموبقات- هي المهلكات-، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: (الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات).
وكذلك فعل أصحاب الرسول مع جيرانهم من غير المسلمين، فقد عقد الخليفة الراشد، سيدنا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- معاهدةً مع نصارى بيت المقدس، وكان مما كتبه فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبدالله عمر، أمير المؤمنين، أهل إيلياء (بيت المقدس) من الأمان، أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم).
إن الدم الإنساني من أعظم وأجل ما ينبغي أن يصان ويحفظ ويجب علينا أن نعترف بأن شبابنا ينقصهم الجلوس بين العلماء في حلقات علمهم التي توضح الإسلام الحقيقي، والعلماء أيضا في حاجة للنزول والجلوس مع هؤلاء الشباب وفتح أبواب العلم لهم، لاسيما وأن الظروف التي يعيشها المسلمون الآن حول العالم تمثل مرتعا خصبا لنمو التيارات الدينية المتطرفة التي تستغل الشباب الذين لديهم معلوماتٍ دينية غير مكتملة ومفاهيماً يجب أن تصحح، مما يجعلهم فريسة سهلة لأصحاب الأقوال والأفعال الهدامة.
يا سادة، الضربة ضربتنا، والوجع وجعنا، والخسارة خسارتنا، لذا يلزمنا الدعوة إلى أن نتكاتف جميعا ونتعاون في تهذيب مجتمعاتنا الإسلامية، واقتلاع جذور الإرهاب والإجرام وأسبابهما لما لهما من تشويه لصورة الإسلام المشرقة، وسفك لدماء بريئة وترويع للمواطنين وإتلاف للمنشآت والممتلكات وإفساد للأرض، نحن بحاجة ضرورية إلى توحيد الكلمة ولم الشمل ورأب الصدع.
ويجب علي كل امرأة أن تساهم في عمليات مكافحة الإرهاب، والتي تركز على أعضاء العائلة والمجتمع.
وتستطيع كل من الأم والأخت والزوجة أن يقمن بالمعجزات في هذا المجال، وتستطيع الأم أن تمنع أبناءها من الوقوع فريسة للتطرف.
ففي إطار العائلة، تلعب المرأة دورا قياديا وتعليميا وتكون عادة قدوة لأطفالها، لذلك تستطيع الأم بسهولة أن تفهم أي تغير في السلوك العنيف والغضب المفاجئ لدى أبنائها.
وبهذا تلعب الأم دور جهاز الإنذار المبكر، وتسهم في مكافحة فكر التطرف والتشدد بين أبنائها من خلال تعليمهم قيم التسامح، والحرص على أن تكون أنموذجا لهذه القيم السلوكية الفاضلة، وكذلك تطبع في أذهان أبنائها أهمية مقاربة حل المشاكل بأسلوب مدني ومتحضر.
لقد آن الأوان لنفهم دور المرأة على أنها الخط الأول للدفاع عن المجتمع، وبدون الأم والأخت والزوجة، لا يمكننا على الإطلاق أن نقضي على آفة التطرف وسرطان الإرهاب.
وفي النهاية أتقدم بخالص العزاء لمصرنا الحبيبة ولشعب مصر العظيم ولإخواننا شركاء الوطن، تحيا مصر، تحيا مصر، تحيا مصر.