جمعت بين العمل الإعلامي والدراسات الأكاديمية للغة العربية وعلوم القراءات بالأزهر الشريف
اليوم العالمي للغة العربية اعتراف عالمي وأممي بأحد أهم لغات العالم
مدارس اللغات جرم وجناية في حق لغتنا العربية .. وألحظ نتيجة ذلك في الأجيال الجديدة من خريجي الإعلام
أكد الدكتور خالد عاشور، مذيع الأخبار بالتليفزيون ، وقناة القاهرة الإخبارية، والحاصل على درجة الدكتوراة في اللغة العربية ودراساتها ، ومقدم سلسلة لغة الإعلام على صفحة المجمع على فيسبوك، والذي جرى تكريمه من مجمع اللغة العربية ، أن اليوم العالمي للغة العربية اعتراف عالمي وأممي بواحدة من أهم لغات العالم، وواحدة من أهم اللغات التي حملت إرثًا حضاريًا وعلميًا ضخمًا أثَّر في حضارات العالم القديم والحديث. ولعل هذا الاعتراف العالمي يجعلنا ندرك – نحن أهل هذه اللغة – قيمة لغتنا ومكانتها، وأن حلقات “لغة الإعلام في الميزان” أقصد تحري الصواب اللغوي والارتقاء بلغة الإعلام.
أضاف في حواره لعقيدتي تكريم مجمع اللغة العربية تاج على رأسي وسعدت به لدرجة كبيرة؛ خاصة وأنه صادر عن أرفع مؤسسة في العالم العربي تقوم على أمر هذه اللغة الشريفة، وقد كان هذا التكريم تتويجا لعمل دءوب على مدى أكثر من عامين في سلسلة “لغة الإعلام” .. مشيرا إلى أن هذه التجربة بالفعل كما تفضلتَ مزجتُ فيها بين عملي في مجال الإعلام المسموع والمرئي خاصة في مجال الأخبار وبين دراستي وتخصصي في اللغة العربية وآدابها وعلومها وكذلك دراستي للقراءات القرآنية في معهد القراءات بالأزهر الشريف.. موضحا أن مدارس اللغات جرم كبير وجناية عظيمة في حق لغتنا العربية، خاصة في الأجيال الجديدة، وألحظ هذا في المتدربين الذين أدرّس لهم لغة الإعلام أو أصول الأداء الإخباري والتقديم التليفزيوني، فهناك جهل فادح بأساسيات اللغة العربية وعيوب فاضحة … حول كل هذه القضايا دار حوارنا التالي:
يحتفل العالم هذه الأيام ياليوم العالمي للغة العربية .. فماذا يعني هذا لك كأبرز المهتمين باللغة العربية خاصة في الإعلام؟
اليوم العالمي للغة العربية اعتراف عالمي وأممي بواحدة من أهم لغات العالم، وواحدة من أهم اللغات التي حملت إرثًا حضاريًا وعلميًا ضخمًا أثَّر في حضارات العالم القديم والحديث. ولعل هذا الاعتراف العالمي يجعلنا ندرك – نحن أهل هذه اللغة – قيمة لغتنا ومكانتها، ويدفعنا للاعتزاز بها والفخر بالانتماء إليها، وتمكينها في مفاصل الحياة الرئيسية كالتعليم ومؤسسات الحياة المختلفة. لكن للأسف واقع اللغة العربية ليس كذلك؛ فاللغة العربية اللغة الوحيدة في العالم التي لا يعتز أهلها بها، ويفضلون عليها لغات أخرى في التعليم والتعلم والتواصل الاجتماعي وغير ذلك؛ مما يُنذر بتضييق رقعة استخدامها والمساحات التي تشغلها في الحياة العامة. واللغات تحيا ببقائها على ألسنة أصحابها.
بداية حدثنا عن سب إطلاقكم مبادرة “لغة الإعلام في الميزان” من خلال المقاطع المصورة على مواقع التواصل الاجتماعي؟
“لغة الإعلام في الميزان” بدأت منذ عامين تقريبًا ومع وباء كورونا، حيث فُرض علينا كإعلاميين واقع لغوي جديد، من خلال مصطلحات وتعبيرات تلك الأزمة، فلاحظت أن كلمة “فيديو كونفرانس” تتردد كثيرًا في الأخبار، حيث كانت الاجتماعات وقتها تعقد عبر هذه التقنية، فصوّرت حلقة لمدة دقيقة واحدة أرسلتها للزملاء في غرفة تحرير الأخبار على تطبيق “واتسآب” نصحت فيها الزملاء المحررين والمذيعين باستبدال كلمة أخرى بكلمة فيديو كونفرانس ترسيخًا للغة العربية وعدم إشاعة لفظ أجنبي، وقلت نحن صُنّاع لغة منطوقة تترسخ وتشيع على الألسنة مع الوقت، ولدينا بدائل كثيرة لكلمة “فيديو كونفرانس” مثل الاجتماع عن بعد، والاجتماع عبر الدائرة التليفزيونية، والاجتماع الافتراضي وغيرها.
ثم فكرت في أن أُتبع هذه الحلقة بحلقات أخرى أعرض فيها للتعبيرات الشائعة في لغة الإعلام المكتوب والمنطوق، وإلى تصويبها في مدة لا تزيد عن دقيقتين، وأذعتها على تطبيق “تيك توك”.
وبعد عام على انطلاق هذه الحلقات، تواصل معي المسئولون في مجمع اللغة العربية – مشكورين – لإذاعة هذه الحلقات على الصفحة الرسمية للمجمع على منصة فيسبوك، مما كفل لها انتشارًا أوسع في أرجاء العالمين العربي والإسلامي.
انطلاقتكم في هذه التجربة كيف جمعتم فيها بين عملكم كمذيع أخبار محترف ودراستكم الأكاديمية من خلال حصولكم على الدكتوراة في اللغة العربية من كلية دار العلوم؟
هذه التجربة بالفعل كما تفضلتَ مزجتُ فيها بين عملي في مجال الإعلام المسموع والمرئي خاصة في مجال الأخبار وبين دراستي وتخصصي في اللغة العربية وآدابها وعلومها وكذلك دراستي للقراءات القرآنية في معهد القراءات بالأزهر الشريف. واللغة العربية هي المادة التي تُشكل عمل المذيع والمحرر والمراسل وصانع المحتوى، فمن خلالها يصل مضمون ما يقوله لمشاهده ومستمعه، فهي بالنسبة له كالألوان للرسام، فهي ليست ترفًا يمكن الاستغناء عنه أو التقليل من أهمية الإجادة فيه. فكلما كانت اللغة رصينة ومتقنة وسليمة من الأخطاء – قدر الإمكان – كان المحتوى راقيًا ومؤثرًا، حتى لو كانت اللغة المستخدمة في مستواها العامي وليس الفصيح فقط. وهذا ما أردت أن أركز عليه في حلقات “لغة الإعلام في الميزان” أقصد تحري الصواب اللغوي والارتقاء بلغة الإعلام.
ولكن كيف جاءت مسألة التكريم من قبل مجمع اللغة العربية ، والاهتمام بحلقاتك ، وانعكاس ذلك على تجربتك ؟
تكريم مجمع اللغة العربية تاج على رأسي وسعدت به لدرجة كبيرة؛ خاصة وأنه صادر عن أرفع مؤسسة في العالم العربي تقوم على أمر هذه اللغة الشريفة
وقد كان هذا التكريم تتويجا لعمل دءوب على مدى أكثر من عامين في سلسلة “لغة الإعلام” التي كانت تعتمد في كثير من مادتها العلمية على قرارات المجمع خاصة قرارات لجنة الألفاظ والأساليب وهي من اللجان الهامة والنشيطة في المجمع التي طالما أشرت إليها خلال الحلقات وإلى إجازاتها اللغوية لكثير من الألفاظ والأساليب الشائعة في اللغة الإعلامية والصحفية.
وأسعدني على نحو أكثر إشادة رئيس المجمع وقتها العالم الجليل الدكتور صلاح فضل حيث أشار في خطاب التكريم إلى “دور فعال في خدمة اللغة العربية وقضاياها”؛ وهذا تكريم كبير يدعو للفخر ويحض على مزيد من الجهد.
برأيك هل لغة الإعلام الحالية فيها من الأخطاء بالحجم الذي يحتاج هذا الجهد، أم أن ما تقدمونه فيه جانب أكبر لتأهيل شباب الإعلاميين في غالب الأمر؟
هذه نقطة بالغة الأهمية، وأي متابع لسلسة لغة الإعلام سيلحظ أن المنهج المتبع فيها ليس منهج “قل ولا تقل” أي التضييق على مستخدم اللغة وإلزامه بصورة نطقية واحدة في المسائل اللغوية المختلفة، فمن وجهة نظري أن للصواب اللغوي وجوهًا متعددة وليس وجهًا واحدًا، لكن الأمر يحتاج إلى بذل مزيد من الجهد للبحث عن وجوه الصواب الأخرى في شواهد العرب القديمة والقراءات القرآنية الأخرى، ولهجات العرب الأخرى بخلاف لهجة قريش، وطريقة العرب في استنباط لغتهم وتطويرها، وقرارات مجمع اللغة العربية.
لكن للأسف ظللنا زمنا طويلًا في التدريب الإذاعي والتليفزيوني أسرى منهج يرى في اللغة وجهًا واحدا فقط، ويرى فيما عداه خطأ جسيمًا وجرمًا عظيمًا.
وإليك بعض الأمثلة التي عمدت سلسلة لغة الإعلام إلى تصحيحها ولفت النظر إلى وجوه الصواب فيها مما هو شائع في اللغة الإعلامية المكتوبة والمنطوقة:
قل: حرص بفتح الراء ولا تقل: حرص بكسر الراء، قل: مهم لا تقل: هام، قل تُجاه بضم التاء ولا تقل تِجاه بكسر التاء، قل معرِض بكسر الراء ولا تقل: معرَض بفتح الراء، قل: مُتحف بضم الميم، ولا تقل: مَتحف بفتح الميم، قل: مُناخ بضم الميم ولا تقل: مَناخ بفتح الميم، قل أسهم ولا تقل: ساهم… وغير ذلك كثير، ظللنا زمنًا نظنها أخطاء شائعة واتضح بعد ذلك أنها صور نطقية صحيحة ولها وجه من وجوه الصواب اللغوي. كما أن هناك درجات للصحة اللغوية فهناك فصيح وهناك أفصح، ولكن كلاهما صحيح لغويًا، وهذا يوسع من دائرة الاختيارات أمام مستخدم اللغة العربية خاصة في وسائل الإعلام، وييسر عليه أمر لغته ولا يضيقها عليه.
وأستعير هنا عنوان كتاب مهم للدكتور مصطفى يوسف الأستاذ المساعد بمجمع اللغة العربية، وهو كتاب: “قل ولا حرج”، فهو عنوان يصلح لأن يكون منهجًا لنا في تدريب الإعلاميين على صياغة لغتهم.
في تصورك د. خالد هل تأثرت إجادة اللغة العربية لدى العاملين في الإعلام بطبيعة الدراسة في مدارس وجامعات تدرس باللغات الأجنبية؟
لا شك في ذلك، فمدارس اللغات جرم كبير وجناية عظيمة في حق لغتنا العربية، خاصة في الأجيال الجديدة، وألحظ هذا في المتدربين الذين أدرّس لهم لغة الإعلام أو أصول الأداء الإخباري والتقديم التليفزيوني، فهناك جهل فادح بأساسيات اللغة العربية وعيوب فاضحة في مخارج الأصوات، مما يجعل من مهمة تخريج إعلاميين جدد على مستوى جيد إلى الساحة أمرًا صعبًا، وأسهم في هذا اختفاء الكتاتيب التي كانت معامل تفريخ مهمة تضمن حدًا أدنى من إجادة اللغة العربية.
لهذا نجد بعض المذيعين والمذيعات لا يجيدون نطق اللغة العربية بشكل سليم فضلا عن الضبط اللغوي وتدقيقه نحويا .. برأيك من أين يبدأ علاج ذلك؟
هذه هي المشكلة فعلًا ولكن يمكن حلها أو التخفيف من حدتها بالتدريب المستمر وعدم التغاضي عن الأخطاء، ورفع المستوى اللغوي لدى العاملين في هذا المجال المؤثر جماهيريًا.
إذاعيا وتليفزيونيا بعيدا عن قنوات الأخبار أضحت اللهجة العامية منتشرة بشكل واسع .. فما التهديد الذي يمثله ذلك للمهنة وللعمل الإعلامي برأيك؟
المستوى العامي من اللغة العربية أو كما يطلق عليها اللهجة العامية، لا تشكل تهديدًا للغة العربية، وهذا أمر لا يفطن إليه الكثيرون، ممن يكررون دائما التحذير والتخويف من العامية وخطرها على الفصحى، وهذا أمر يحتاج إلى إيضاح:
الفصحى والعامية مستويان موجودان في اللغة العربية منذ نشاة اللغة حتى في عصر نزول القرآن كانت العامية موجودة بجانب الفصحى، وأقصد بها لهجات العرب، بخلاف لهجة قريش، التي كانت هي اللهجة المركزية في الجزيرة العربية، وهي اللهجة التي وافقها القرآن الكريم في الغالب منه. وكل لغات العالم بالمناسبة فيها مستويان مشابهان للفصحى والعامية.
لكن العامية لا تشكل خطرًا على اللغة فلكل منهما مكان استخدامه فاللغة مستويات وظيفية مثل الملابس تمامًا؛ فلايصح أن أذهب لعملي بملابس النوم، كما لا يصح أن أمارس الرياضة بملابس العمل، وهكذا فالفصحى تصلح لما لا تصلح له العامية ، والعكس صحيح. فالعامية تصلح مثلا في لغة الحياة اليومية وفي السوق والمخاطبات بين الناس والأغاني الخفيفة، بينما لا تصلح أن تصاغ منها نشرة إخبارية أو خطاب رسمي في المكاتبات الحكومية، وهكذا….
والعامية رافد من روافد اللغة تثريها وتضيف إليها خاصة عندما تكون عامية راقية ليست مبتذلة ولا مُسفّة، وكلنا استمتع بعامية الشيخ الشعراوي الجذابة التي كان يبسط من خلالها معاني القرآن الكريم. وبالأغاني الراقية لكبار الشعراء.
كما أن كثيرا من صور النطق في العامية له أصوله في الفصحى، وهو جهد يقوم به مجمع اللغة العربية بشكل رائع وهو ما يطلق عليه “تفصيح العامية” فكثير من الألفاظ العامية المتداولة في أصلها فصيح مثل: نأنأ، واستلف، والرغي، وتسكع، وتمحك، والتهتهة، وخمّه، وحوّر وخضّه، وربكة، وباش وداخ، وبرطم، واستعبط، ودربكة، وزاط، وشوية، وغيرها كثير
باعتقادك د. خالد هل طلاب الإعلام في حاجة لتدريس مادة اللغة العريية في مناهجهم لتأهيلهم للحاق بسوق العمل؟
طلاب كليات الإعلام يدرسون بالفعل مادة اللغة العربية في مناهجهم، وأنا أقوم بتدريس هذه المادة في أكثر من كلية من كليات الإعلام في مصر، لكن دراسة مادة دراسية لتأدية امتحان واجتيازه شيء، ودراستها لأجل الاحتراف شيء آخر، لكن على أية حال هو أمر جيد، والمسألة تعود لشخص الدارس ورغبته في الإجادة والتميّز.