عبدالعزيز عمران: كل مخطئ يحاسب.. دون تشهير
د. حسن مدني: الإذاعة ليست مسئولة.. والمعايير ثابتة
د. علي الأزهري: ضرورة التدقيق في الاختيار
تحقيق- سمر عادل:
اختيار قراء القرآن الكريم واعتمادهم في الإذاعة المصرية مهمة سامية وخطيرة، فهؤلاء القراء هم صوت مصر وممثلوها في المحافل الدينية داخليا وخارجيا، ورغم أن الخطأ وارد بحكم طبيعتنا البشرية إلا أنه عندما يصدر الخطأ من قراء كبار ومعتمدين فالأمر يحتاج إلى وقفة من أجل تصحيح المسار، لا للتشهير!
وأخطاء الشيخ “السلكاوي” مؤخّرا ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في تلاوة قرآن الفجر أو الجمعة أو المناسبات الدينية!
وبالرجوع إلى القائمين على اختيار القراء واعتمادهم، اكتشفنا أن كل القراء الذين أخطأوا في التلاوة تمت محاسبتهم، وأسماؤهم لم تعلن حرصا على تاريخهم.
من هنا تأتي أهمية هذا التحقيق للتعرف على كيفية التعامل مع أخطاء التلاوة، وكيفية تجنب تكرارها.
في البداية يؤكد عبدالعزيز عمران، رئيس الإدارة المركزية للبرامج الدينية بالتلفزيون سابقا وعضو لجنة اختبار القراء والمبتهلين الموحدة، أن المعايير الموجودة حاليا لاختيار القراء واعتمادهم بالإذاعة دقيقة جدا، وتتضمن أصعب الشروط مما يجعلها تطرد الجيد أكثر مما تحافظ عليه لأن فترات الاعتماد فى الإذاعة طويلة جدا حيث يمر القارئ بخمس مراحل اعتماد، كل مرحلة لو تأخر فيها قليلا يظل فيها لأكثر من سنتين، فتكون أقل مدة يعتمد فيها القارئ حوالي عشر سنوات، ولكن المشكلة أن بعض القراء بعدما يدخلون الإذاعة يهملون فى مراجعة القرآن ومراجعة الجودة فى اختيار النغم المناسب للآية مما يظهرهم بشكل غير مرضي عنه من الجمهور!
أضاف: المقياس الخاص بلجان اختبارات القراء هو الربع ساعة والنصف ساعة المسجّلة الذين يتم إذاعتهم في الإذاعة، فهذه الفقرات نسبة صحّتها تكاد تقارب الـ100%، نغما وأحكاما وأداء، لكن المشكلة كلها تظهر في التلاوات على الهواء مباشرة والأمسيات الدينية نتيجة لأن القارئ يترك نفسه لرغبات الجمهور والذى لم يعد رقيبا جيدا مثلما كان حال الجمهور القديم أيام القراء القدامى أمثال المشايخ: مصطفى إسماعيل، الحصرى والبهتيمي والمنشاوي والبنا، حيث كان الصانع والأستاذ الأول لهم في هذا الوقت هو المستمع، ونتيجة تدنّي رؤية المستمع للقارئ تدنّى الأداء المباشر أي الذي يذاع على الهواء مباشرة أو الأمسيات الدينية، أما ما يذاع مسجلا فيعرض على اللجنة المكوّنة من ثلاثة عشر شخصا تضم المتخصصين في الأحكام والنغم وأصحاب الخبرة الكبيرة في هذا المجلل يكاد لا يكون هناك خطأ في المسجّل.
شدّد “عمران” على أن المطلوب إطلاق يد الخبراء في اكتشاف المواهب مرة أخرى مثلما اكتشف الشيخ المنشاوى في سابقة لم تحدث من قبل حينها أرسل رئيس اللجنة- وكان رئيس الإذاعة وقتها- أرسل له لجنة الاختبار في سوهاج وسجّلت له وعرضت هذا التسجيل، وكذلك الشيخ سيدنا الشيخ عبدالباسط عبدالصمد تم الاستماع له فى مسجد السيدة زينب وتم إرسال شريط إلى الإذاعة واعتمد، وكذلك الشيخ مصطفى إسماعيل تم اختياره للإذاعة ورفض الانضمام لها أكثر من مرة، نظرا لأن صوته له طبيعة خاصة يسخن بعد حوالي ثلث الساعة من التلاوة القرآنية، والتلاوات القرآنية في ذلك الوقت كانت تتراوح مدتها بين ربع ساعة ونصف ساعة وخمس دقائق، فلابد أن ينظر بعناية شديدة للمواهب الحافظة للقرآن وهم كثر لكن يصعب عليهم الوصول للإذاعة.
أوضح أن محمد نوار- رئيس الإذاعة المصرية- يتجه إلى أن من يتقدم للجنة وتجد فيه موهبة ستنظر له بعناية شديدة وتتبناه بحيث لا يستمر سنوات طويلة لحين اعتماده وتحرم الإذاعة ويحرم الجمهور من أحلى سنوات تلاوته وأدائه، أما المعايير الموجودة فهي معايير رائعة جدا ولكن المشكلة في إهمال القارئ وعدم متابعته بعد الاعتماد، يضاف إلى ذلك أن القارئ يحتاج إلى اختباره كل خمس سنوات مرة أخرى في الحفظ لإجباره على تعاهد القرآن ومراجعته دوما، لكن القارئ بمجرد اعتماده وعدم تعرضه لاختبارات مرة أخرى فيهمل ولا يراجع القرآن فينساه!
تقاعد القراء!
ورفض “عمران” فكرة تحديد سن معين لتقاعد القارئ قائلا: لا أوافق على وجود سن معين لتقاعد القارئ ولكن اعتزال القارئ بإرادته أمر مطلوب، وهذا حدث مع الشيخ أبو العينين شعيشع الذي ظل خمسة عشر عاما دون قراءة، وكذلك الشيخ أحمد عامر ظل ما يقرب من ست سنوات لا يقرأ واعتزل بنفسه، وكذلك الشيخ محمود صديق المنشاوي اختار التقاعد بنفسه ما يقرب من عشر سنوات، وكذلك الشيخ الطبلاوي عليه رحمة الله، لكن لست مع تحديد سن للقراءة؛ لأن أكبر القراء سنًّا هم أحسنهم أداء مثل الشيخ أحمد نعينع والشيخ حلمي الجمل هم من القراء كبار السن والأصغر منهم لا يؤدون بنفس جودة أدائهم، وهناك قراء واصلوا عطاءهم لآخر عمرهم مثل الشيخ مصطفى اسماعيل الذي ظل يقرأ حتى الوفاة، وهناك قراء ماتوا وهم يقرأون في صلاة الفجر وكانوا من كبار السن، فطالما يؤدي القارئ أداء جيدا من ناحية الأحكام والنغم لا مانع من أن يظل يقرأ، لكن لو رأت اللجنة أن القارئ كبر في السن وأصبحت مخارجه غير صحيحة وينتابه النسيان الكثير فلها والقائمين عليها أن يتدخلوا ويمنعوا القارئ من القراءة، أي أن القارئ إما أن يتقاعد بنفسه أو لو كثرت أخطاؤه ورفض الاعتزال تدخله اللجنة اختبارا آخر وتواجهه بأخطائه وتمنعه من القراءة حفاظا على تاريخه، لكن لا تجبره على الاعتزال طالما يؤدي أداء جيدا.
أنهى “عمران” كلامه مؤكدا أن كل القراء الذين يسهون في صلاة الفجر أو الجمعة أو أي تلاوة يظهر فيها خطأ يُتخذ ضدهم إجراء ما بين الإنذار والوقف شهور والوقف سنة والوقف الدائم، ونظرا لأن اللجنة لم تنعقد في شهر رمضان اضطر رئيس الإذاعة أن يأخذ القرار بشأن الشيخ السلكاوي، بصفته رئيسا للجنة اختبار القراء والمبتهلين الموحدة بالهيئة الوطنية للإعلام، على أن يعرض قراره على اللجنة لتجيزه أو تزيد عليه أو تنقص منه مثلما ترى، وبدون استثناء كل الشيوخ الذين أخطأوا- بدون ذكر أسماء- تم إيقافهم ما بين شهر لستة أشهر لسنة، ومنهم من تم منعهم من التلاوة، ولكن لا ننشر هذه القرارات ولا نبادر بالإعلان عن أسمائهم حفاظا على تاريخهم.
ضوابط الاختيار
أكد د. حسن مدني، رئيس شبكة القرآن السابق، أن معايير اختيار القراء واعتمادهم بالإذاعة ثابتة لا تتغير وهي أمر لا يختلف عليه اثنان، حيث يتم اختبارهم من قبل لجنة بأعضاء متخصصين بالشأن القرآني كله من أحكام تجويد ومقامات وبلاغة وغيرها من المعايير التي لن يتجاوزها ولا يتخطاها إلا من كان يمتلك ناصية التلاوة كما ينبغي، ومن كان صاحب صوت حسن ملما بأحكام التجويد و الوقف والابتداء والقراءات المختلفة، ولديه الحس المتعلق بالمعنى والذي يعرف من خلاله أين يقف وأين يبدأ واختيارات لجنة اختبار القراء لا تضم مجاملات على الإطلاق، لكن كلنا بشر نخطئ ونصيب، والمخطئ يعاقب عقوبة متدرجة حسب مستوى خطئه، ونهيب بالشوشيال ميديا عدم الزج بإذاعة القرآن وتحميلها مسئولية أخطاء التلاوة الفردية فهي بريئة منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
رفض د. مدني الاتهامات التي تكال لإذاعة القرآن معتبرا إياها تدخلا في عملها وسياستها لأن كلا منا يدرك جيدا نظم وبنود عمل المؤسسة التي يعمل فيها .
أضاف: ندرك جيدا مدى غيرة المستمعين على إذاعة القرآن، مثلما ندرك أن هذا الجمهور هو من جنود الحفاظ على كتاب الله لكن لندع الأمر للمتخصصين، فلكل مؤسسة قوانينها ولوائحها وآلية العمل بها ولا يجوز التدخل فيها.
اعتبر د. مدني مقترح اختبار القراء بصفة دورية أمرا إيجابيا لا غبار عليه لأن قارئ الإذاعة بالفعل في اختبار مستمر مهما وصل سنه. وشدد على أن التلاوة عمل إبداعي لا يرتبط بسن، ويمكن أن يؤديه صاحبه وهو على مشارف التسعين، لكن على القارئ إذا أدرك عدم قدرته على القراءة بتمكن أن يعتزل حفاظا على تاريخه، وقد فعلها قراء عظام في سن معين أدركوا خلاله أن أداءهم لم يكن كما كان في عنفوانهم.
اختبارات دورية
ويطالب د. علي الأزهري- عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة والفلسفة جامعة الأزهر- بتشكيل لجان للاختبارات الدورية للقراء كل عام بدلًا من الاعتماد الدائم لهم، لأن الخطأ وارد لعدة أسباب من بينها المرض الذي قد يؤثر سلبا على تركيز القارئ.
وجّه د. الأزهري رسائل لقراء القرآن قائلا: ليس عيبًا أن تعتذر إذا شعرت بالمرض أو عدم القدرة على التلاوة بتركيز، وكذلك ضرورة الكشف الدوري عَلَىٰ السادة القراء وذلك لصالحهم وصالح الإذاعة.
وحذر من الأصوات التي تظهر الطعن والغمز واللمز في شخص القراء الذين تصدر عنهم بعض الأخطاء لأن توجيههم وإصلاحهم أفضل من التشهير بهم.