في وقت الفتن يختلف منهج المؤمن ودوره حسب درجة علمه وتخصصه في موضوع تلك الفتنة، فإن كان من أهل الاختصاص المستوفي لشروط الاجتهاد في هذا الشأن، فليشمِّر عن ساعديه ويدافع عن وجهة نظره وعن قناعاته ويخاطب العقول والقلوب ويُثَّبت من يُخشى عليهم، فيساهم بذلك في إخماد تلك الفتنة. أما إن لم تكن من هؤلاء المختصّين والقادرين على الإتيان بالحجج، فعليك بالإسراع إلى “كهفك” كما علّمتنا آيات القرآن الكريم: “وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا”، قد يكون هذا الكهف الذي تسارع إليه وقتها هو بيتك أو مسجدك وقد يكون معلِّمك أو صحبة صالحة أو مكان تأمنه فتأوى إليه. فالفتن قائمة ما دامت الحياة قائمة والبشر يتحركون، قَالَ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا ـ الحصيرة كم عوداً فيها؟ فيها ألوف ـ فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ؛ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا، فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا، لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا”، فالفتن التي يتعرّض لها القلب كثيرة والناس أمامها صنفين: قلب نجا وبقي على سلامته. وقلب أصبح ليس فقط شديد السواد ولكن أيضاً كالإناء المقلوب لا يمكن أن يأخذ شيئا. فواجب المؤمن ناحية قلبه الاحتراز من الفتن وقبلها الاعتصام بالدعائم الأربعة: العلم والعمل والصحبة الصالحة والاتصال بالله عزَّ وجلِّ “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ”.