خفض التكاليف ووقف الزيارة وقت الحج ومنع المخالفين.. ضوابط ضرورية
أزمة الحج هذا العام لا تزال تحمل في طياتها أسرارا تستوجب مضي الدولة في الإجراءات التي تضمن تحقيقا كاشفا لأسبابها، وتحديد ومحاسبة المسئولين عنها في مصر والسعودية من المتاجرين بالحج، واستغلوا أحلام آلاف المصريين الذين دفعوا حياتهم ثمناً لتلبية نداء قلوبهم التي هفت لأداء الحج طاعة لله ومحبة في رسوله الكريم، دون إدراك إلى أن ما جرى من مخالفات أدت إلى التأثير على أمن وسلامة وصحة الحجيج يرتقي لدرجة الذنب، والمخالفة للضوابط الشرعية والفقهية لأداء فريضة الحج، الركن الخامس من أركان الإسلام.
وهو الفريضة المشروطة بالاستطاعة التي تشمل في طياتها الاستطاعة البدنية من حيث القدرة الجسمانية على تحمل متاعب ومشقة أداء الفريضة، والاستطاعة المادية والتي تشمل امتلاك نفقات الحج، وتأمين حاجات أهل بيته خلال غيابه عنهم، وكذا تشمل الاستطاعة أن يكون الحاج آمنا في سفره وعلى أهل بيته كذلك في غيابه، وهو الأمر الذي اتسع ليشمل الأمن الصحي من حيث عدم الإلقاء بالنفس في التهلكة لأجل أداء الحج.
وربما زاد على ذلك البعض امتلاك تصريح الحج وهو تصريح يعني ضمان توفّر مكان آمن، وخطوات آمنة لأداء المناسك والمشاعر المقدسة بتنسيق وانضباط دون مزاحمة ولا تعريض لحياة الحجيج للخطر الذي يؤدي للتهلكة.
وهنا تأتي اعتبارات ترتبط بكون حفظ النفس مقدم على الحج وربما على أي عبادة أخرى، فالإنسان بنيان الله ملعون من هدمه، ومعلوم أن حرمة النفس أشد حرمة عند الله من أقدس الأقداس وهو هدم الكعبة المشرّفة.
ولأن الأزمة متعددة الأطراف، تورط فيها متاجرون بأحلام البسطاء، ومنتفعون في مصر والمملكة على السواء جاء قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي بتشكيل خلية أزمة بالتنسيق والتعاون بين الحكومة المصرية والسلطات السعودية بالقرار الحاسم الذي يسعى لمحاسبة المتسببين في الأزمة عبر إجراءات بدأت بسحب تراخيص 16 شركة تورطت في الأمر، وإحالة مسئوليها للنيابة العامة للمحاسبة جنائيا عن فعلتهم، فضلا عن إلقاء القبض على مئات من سماسرة الحج الذين تسببوا بطمعهم ومغامرتهم في تلك الكارثة الصعبة، ولا تزال تلك الأزمة وتبعاتها قائمة، تدلل عليها قصص وروايات رصدتها “عقيدتي” مع أسر الضحايا من شهداء الحج.
كما توقفنا هنا على الضوابط الشرعية للحج، وحكم المتاجرة بأحلام البسطاء وكذلك ما يجب وما لا يجب على المسلم تجاه فريضة الحج، وتوضيح المعنى الواسع لمسألة الاستطاعة.
الحكومة توقف تراخيص 16 شركة.. النيابة العامة تحقق وتضبط متورطين
البرلمان يطالب بمحاسبة المقصرين ومنع تكرار الأزمة.. ودعوات لمحاسبة سماسرة “الموت”
تحقيق: إيهاب نافع
وجّه الرئيس عبدالفتاح السيسي، منذ الأيام الأولى لأزمة الحجيج، بتشكيل خلية أزمة بإشراف رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولي، للعمل على متابعة وإدارة الوضع الخاص بحالات الوفاة للحجاج المفقودين بالتنسيق مع الجانب السعودي لضمان تقديم الدعم اللازم لأسر الضحايا والتعامل مع الأزمة بشكل فعال، وهو القرار الذي تبعه في اليوم التالي عقد رئيس الحكومة اجتماعا بخلية الأزمة حيث كلف د. مدبولي بسرعة سحب رخص 16 شركة سياحة تم رصد قيامها بتسفير الحجاج بصورة غير نظامية، وإحالة المسئولين بها إلى النيابة العامة، مع تغريم هذه الشركات لصالح أسر الحجاج الذين تسببوا في وفاتهم، من جهتها أمرت النيابة العامة بفتح تحقيقات عاجلة مع عدد من شركات السياحة التي باشرت تنظيم رحلات أداء مناسك الحج بالمخالفة للضوابط والإجراءات القانونية.
التحقيقات والتوصيات
كشفت التحقيقات عن تجاوزات خطيرة من قبل بعض شركات السياحة في تنظيم رحلات الحج، حيث تم استغلال الحجاج مالياً وتوفير تأشيرات غير قانونية، مما أدى إلى تعريض حياتهم للخطر، وأوصت النيابة العامة باتخاذ إجراءات رادعة لضمان عدم تكرار هذه المخالفات وتشديد الرقابة على شركات السياحة.
البرلمان كذلك شهد تحركا شمل عقد لجنة السياحة والطيران المدني، حيث طالبت رئيسة اللجنة نورا علي، وزارة السياحة بوضع آلية للحفاظ على المواطن من سماسرة شركات السياحة، وتوعية المواطن بعدم السفر لأداء هذه الفريضة إلا من خلال الطرق الشرعية.
من جهته أكد باسل السيسي- عضو اللجنة الفنية للحج السياحي بوزارة السياحة والآثار- أنهم استشعروا في اللجنة الفنية بوزارة السياحة خطر ما حدث في الحج قبل بدايته، وحذروا منه، مضيفاً: “استشعرنا كثافة عدد المسافرين قبل موسم الحج وطلبنا وقف إصدار الباركود كنوع من التنظيم”.
أوضح أن من ذهب لإجراء مناسك الحج بدون ترخيص ليس له وسائل نقل أو تأمين أو مناطق لأداء مناسك الحج، موضحا أنه تم الفتح للحجاج ولكن بدون تقديم الخدمات في يوم عرفة، وأي شخص مكتمل الصحة غير قادر على هذا من المشي تحت أشعة الشمس والسير لفترات طويلة بدون تجهيز لهم المناطق.. مشيرا إلى أن العقيدة الدينية كبيرة جدا للمصريين ويروا أن الحج جهاد، موضحا أنه لابد من دراسة الأمر للخروج من الأزمة ومحاسبة الشركات السياحية التي اخطأت في حق الحجاج ليس فقط الـ١٦ شركة، وأن كيانات وهمية هي سبب الأزمة الخاصة بالحجاج، منوها بأنه لابد من البدء مبكرا في الإعلان عن الحج واتخاذ الإجراءات بشأن موسم الحج للعام المقبل.
وتابع: “لابد من تشكيل لجنة تقصي حقائق والتوصل لكافة الأسباب وراء وفاة الحجاج المصريين في موسم الحج”.
ضيق المساحة
من جانبه كشف عاطف بكر عجلان، عضو غرفة شركات السياحة، عن السبب الرئيسي للأزمة كان في صغر المساحات المتاحة للحاج التي لا تزيد على متر واحد في «منى» و1.60 متر في عرفات، وهي مساحة صغيرة جدًا جعلت الحجيج يتكدسون فوق بعضهم، وأن المشكلة الكبرى التي حدثت في موسم الحج هذا العام كانت في «منى» بسبب ضيق المساحات بشكل كبير في المخيمات نتيجة للتعاقدات الخاطئة بتخصيص متر واحد لكل حاج، شامل الخدمات من مطابخ وحمامات، في المخيمات لجميع مستويات الحج بداية من الاقتصادي لأعلى درجة.
ودعا كل جهات الدولة للتدخل لتعويض هؤلاء الحجاج، مشيرا إلى أنه لابد في الأعوام القادمة قيام البعثة الرسمية للحج بعدم السماح بأن تقل مساحة الحاج الواحد للإقامة عن مترين في تأدية نسك «منى»، ومترين أيضاً في عرفات لكل مستويات الحج، حرصًا على أمن وسلامة الحجاج ولعدم تكرار مشاكل هذا العام.
.. والعلماء يؤكدون:
الحج لمن استطاع ماديا وبدنيا.. وتسقط عن غير المستطيع
د. محمود الصاوي: الاستطاعة تتحقق بثلاثة شروط
د. على منصور: التيسير واجب.. والمتاجرون سبب الأزمة
د. أسماء فتحي: التحايل.. تسبب في قتل الشهداء
تحقيق: مروة غانم
اتفق العلماء على أن أداء فريضة الحج مشروطة بالاستطاعة المادية والبدنية، وأن يأمن الحاج على نفسه وأهله، ومن لم تتوفر له الاستطاعة المادية والبدنية تسقط عنه الفريضة، ويصبح غير مكلف بها وهذا بإجماع أهل العلم. مشددين على أن الإلتزام باللوائح والقوانين من شروط صحة الحج، مطالبين الجميع بضرورة أخذ الفتوى من الجهات الرسمية والعلماء الثقات وعدم الإنسياق خلف أنصاف العلماء .
وفى البداية تؤكد د. أسماء فتحي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر بالقاهرة، أن الحج لمن استطاع إليه سبيلا حيث قال تعالى:” وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا” (آل عمران: 97), فمن لم يمتلك الاستطاعة المالية والبدنية لا يجب عليه الحج وهو ما يؤكد على أنه لا تصح المخالفة للقوانين من أجل أداء الفريضة.
أضافت: كل من سافر بطريقة مخالفة كأن تعاقد على تأشيرة زيارة وهذا يعتبر من العقود لكن تمت مخالفة هذا العقد والتحايل عليه والذهاب لأداء شعيرة الحج وهذا مخالف لقوله تعالى :”وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا” [الأسراء: 34 ].
وشددت على أنه من الواجب أن يحقق كل منا الأمن له ولغيره فمن خالف التعليمات وتحايل على الضوابط تسبب في قتل نفس وهذا مؤكد بالأعداد التي تم نشرها في وسائل الإعلام المختلفة، وإن لم تكن هناك وفيات فقد تسبب المخالف في الزحام الشديد والتضجر للجميع وعدم الراحة أثناء أداء العبادة .
الصد عن البيت
وأعربت د. أسماء عن استيائها الشديد من شركات السياحة والقائمين على أمر الحج الذين يغالون في تكاليف الحج، وهم بذلك يصدون عن بيت الله الحرام فضلا عن إغراء الناس بالحصول على تأشيرات الزيارة وعدم ضبط الموقف وحل تبعاته لأنهم بهذا العمل يعتبرون شركاء فيما حدث من تدافع وزحام وازهاق للأرواح .
مفهوم الاستطاعة
من جهته أوضح د. محمود الصاوي، أستاذ الدعوة والثقافة الاسلامية والوكيل السابق لكليتي الدعوة والإعلام بجامعة الأزهر بالقاهرة، أن الحج هو ركن الإسلام الأعظم الذى تتشوق كل نفس مؤمنة لأدائه والقيام به ومن رحمة الله بعباده أن جعله في حق من استطاع اليه سبيلا حيث قال:” وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا” (آل عمران: 97) والاستطاعة المقصودة هي القوة البدنية والقدرة المالية الزائدة عن احتياجات أهله الأصلية. وقد بيّن ذلك النبى للرجل الذى سأله ان أباه الشيخ الكبير ولا يستطيع الحج ولا الظعن أفأحج عنه؟ فقال:” حج عن أبيك واعتمر”. اذا من عجز بدنيا عن السفر للحج فقد سقط عنه بنفسه وان كان قادرا على انابة غيره فلا حرج.
وشدّد د. الصاوي، على أن الاستطاعة تتحقق بثلاثة شروط: البدنية والمالية والأمنية. وهو مفهوم شامل يشمل أمن الطريق قبل وأثناء وبعد وهذه تنظمها وتحكمها قوانين وقد رأينا أيام كورونا والخوف من الفيروس والعدوى وضعت اشتراطات مشددة لتحقيق الأمن الصحي للحجاج. لذا لابد من الالتزام بالقوانين المنظمة للحج لتحقيق الأمان الكامل والخدمة التامة للحجاج فى مختلف صورها ومظاهرها .
ميل فطري
أما د. على منصور شحاته، أستاذ الدعوة والثقافة الاسلامية بجامعة الأزهر، فأكد على أن ميل القلوب للحج وأداء فريضته أمر فطري، ونداء الناس بالحج امر من الله، لسيدنا ابراهيم، ولفت إلى أن الاستطاعة شرط في وجوب الحج، فالله خص المستطيع بالوجوب عليه أما غير المستطيع لا يجب عليه الحج، حيث قال تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا..} الآية:286، فعدم الاستطاعة ينفى التكليف. مشيرا إلى أن بلاد الحرمين تضع ضوابط لابد أن يلتزم بها الجميع في ظل الظروف الحالية، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة، وحتى يتمكن الحجاج من أداء الفريضة في يسر وسهولة، ولابد من الانصياع للجهات الرسمية، وأخذ الفتوى من أهلها المتخصصين والرسميين، وعدم الانسياق وراء أنصاف العلماء، ومن هم ليسوا أهلا لها، وأن التكليف ينتفى مع عدم توافر الاستطاعة، ولابد أن يكون الحاج حريصا على حياته ولا يلقى بنفسه الى التهلكة، فمن يكون عاجزا ببدنه وماله يسقط عنه الحج، ومن يكون قادرا بنفسه وبدنه وجب عليه الحج بإجماع أهل العلم، ولابد أن يلتزم بالضوابط التي ينظمها القائمون على أمر الحج, أما من يكون عاجزا ببدنه قادرا بماله وجب عليه الحج بالإنابة، وشرط الإنابة أن يكون من حج عنه قد حج عن نفسه، وفى النهاية فالأمر يحتاج إلى تفكير وتدبير وأخذ الفتوى من أهلها والعلماء الحقيقيين المشهود لهم بالعلم والصلاح وأهل التخصص وألا يلقى الانسان بنفسه الى التهلكة.
وشدّد على أهمية توافر الأمن على النفس والغير حتى لا يتعرض الحاج الى التهلكة ولا يترتب على مخالفته فقدان حياته وهذا أمر عظيم وكبير عند الله، ولفت إلى على الجهات الرسمية ان تيسر سبيل الحج للناس لأن الجميع تهفو قلوبهم للحج ليستطيع المستطيع أداء الفريضة.
.. و”عقيدتي” ترصد قصصا حية لشهداء الحج
موت بلا نظرة وداع.. ضحايا الحر والنصب مكرّمون في “البقيع”
تحقيق: منى الصاوي
ذهبوا إلى بارئهم مُحْرِمين، أدّوا مناسك الحج وسط أجواء روحانية جليلة، لكن المشقّة فرضت حكمها وأودت بحياتهم في ظروف صعبة.. ظروف صعبة عاشها هؤلاء الحجاج، تمثّلت في الظروف الاقتصادية التي أجبرتهم على اللجوء إلى شركات السياحة الوهمية التي استغلت تشوقهم لأداء الفريضة المقدسة، فضلًا عن ارتفاع درجات الحرارة في السعودية، وعدم وجود رعاية طبية كافية للحجاج غير النظاميين.
“عقيدتي” ترصد عددا من القصص الإنسانية التي تدمي القلوب وتفاصيل مرعبة حوتها لحظات صعبة عاشها الحجاج قبيل موتهم بلحظات جاءت بلسان ذويهم.
زوّج ابنه ثُم توفي
“حسن الخاتمة”، بعد صراع طويل مع ظروف الحياة القاسية من جهة، ومسؤوليات زواج أبنائه من جهة أخرى، ظل عبد الظاهر عبده سالم يحلم بأداء فريضة الحج، وأخيراً، بعد سنوات من الكفاح والتضحيات، تمكن هذا الرجل المسن من تحقيق حلمه والسفر إلى المملكة السعودية.
هناك، حيث تتلاقى الأرواح في رحاب الإيمان، ارتقت روحه إلى بارئها، لينضم إلى قائمة المتوفين في السعودية، بعد أن تحققت أمنيته الكبرى في الدنيا.
“الدنيا كانت غالية أوي” هكذا بدأ ابنه محمود، يروي حكاية والده المُسِنّ، الذي لطالما حلم بأداء فريضة الحج لسنوات طويلة، لكنه اختار إكمال زواجي قبل عامين، قائلًا، “كان عايز يفرح بيا الأول”.
عندما وافته المنية عن عمر يناهز الـ 81 عامًا، كان عبدالظاهر عبده سالم قد ترك وراءه ستة أبناء، لم تكن رحلته إلى الأراضي المقدسة مثل الرحلات الأخرى، فقد مرّت بمراحل صعبة وتحديات، وبدلاً من اللجوء إلى تكاليف الحج الرسمية، اختار والدي اللجوء إلى شركة سياحة غير مرخصة بغية توفير بعض الأموال، ولم يكن يعلم ما سيتعرض له هناك.
“لم يكن أبي يعلم ما يستعرض له من معاملة سيئة ومهينة”، كما كان يجهل الامتيازات المتاحة لحاملي تأشيرات الحج، بحسب ابنه محمود.
بالفعل، تأشيرة الحج تمنح حقوقًا خاصة تتضمن دخول مكة المكرمة والاستفادة الكاملة من التسهيلات المخصصة للحجاج، بما في ذلك الأماكن المكيفة والخدمات الطبية، على الجانب الآخر، تأشيرة الزيارة الشخصية، التي اختارها “الأب” بدلاً من تأشيرة الحج، تقيد دخول حامليها إلى المدينة المنورة، وبناءً على ذلك، يضطر البعض إلى سلوك طرق بديلة مثل المسارات الصحراوية للوصول إلى مكة المكرمة، بغية تحقيق زيارتهم وأداء شعائرهم الدينية.
عاشت الأسرة خمسة أيام حابسة للأنفاس بعد انقطاع الاتصال بـ”عبدالظاهر”، حتى وصل الخبر الأليم بوجوده ضمن قائمة المتوفين في مستشفى “المعيصم” بمكة المكرمة.
بحزن عميق ودموع لا تنتهي، أبلغتنا والدتنا عن وفاة أبي، وفي النهاية، تم دفن جثمان والدي في مقبرة البقيع، حيث يستقر بين الأصحاب الصالحين وزوجات الرسول، وفقًا للتقاليد التي تحكم دفن الحجاج الذين يفارقون الحياة أثناء إتمام مناسك الحج.
الست حاجة
“حاجة”، امرأة تحمل اسمًا يتنبأ بقدرها، لكنها لم تكن تعلم أنها ستكون جزءًا من قصة تتجسد في أرضٍ مقدسة، وحلم يتحقق في أجواء روحانية حزينة ومبكية.
بينما همت حاجة ابنة محافظة أسيوط، بأداء فريضة الحج، وجدت نفسها تواجه اختبارًا أعظم من قدراتها على الاحتمال والمقاومة، في لحظة من السكينة والخشوع، وبين أكف الحجارة، ودّعت “حاجة” الدنيا، وبين رحيل يمتزج بين الحزن والرضا، في رحاب البقيع بصحبة آل البيت والصحابة والصالحين، وتحقق حلمها الذي لطالما دعت الله به.
في لحظة روحانية ومقدسة، لفظت “حاجة” أنفاسها الأخيرة وهي تقوم برمي الجمرات.
تروي ابنتها شادية، الأيام الأخيرة قبيل سفرها إلى السعودية، قائلًة: بالدموع والزغاريد، هكذا استقبلت والدتي خبر قدوم فرصة أداء مناسك الحج هذا العام حيث ظلت والدتي تردد الدعوات لجميع من تعرفهم، بقضاء الحاجة والصحة والستر، والتعامل مع الشركات السياحية الوهمية مأساة حقيقية، فلا مقر للشركة والوعود زائفة والنصب أصبح علنيًا دون رادع.
وبحسب ابنة “حاجة”، كان من المفترض أن يقيم الحجاج في فنادق وفقًا للبرنامج، إلا أنهم وجدوا أنفسهم يقيمون في خيام غير مهيأة للعيش، فلا رعاية طبية أو تكيفيات تخفف عنهم وطأة الحرارة المرتفعة ومشقة المناسك، ومع تزايد التعب والإرهاق، شعرت والدتي بالتدهور الصحي، وطلبت المساعدة من المشرف، الذي تركها في هذه الظروف الصعبة حتى لقت حتفها.
تابعت شادية روايتها: “ظللنا نبحث عن والدتي لمدة أسبوع كامل، وكانت الشركة السياحية تعلن أنها مفقودة وتبذل جهودًا للعثور عليها، إلا أن وجدوا جثتها ودفنت في السعودية”.
مأساة ووفاة
“خبر مفجع”، هكذا بدأ هاني محسن، من طنطا، رواية قصة والدته التي لاقت حتفها في موسم الحج هذا العام. تعب شديد وإعياء وارتفاع كبير في ضغط الدم أصاب والداتي صاحبة الـ 70 عامًا، واضطرها إلى افتراش الأرض “الإسفلت” التي كانت بمثابة بركان كامن دون حمم من شدة السخونة، بحسب رواية رفقائها في الرحلة.
ويضيف هاني: أن الصديقة التي كانت برفقة والدته طبيبة، إذ بادرت بالكشف عليها ووجدت تغيرًا في لون الشفاه وأطراف الأيدي والأرجل، حيث تحولت أمي إلى قطعة زرقاء كما لو كان يسري في عروقها “حبرًا” وليس دمًا، مما يدل على تدهور حالتها الصحية بشكل كبير.
محاولات مضنية لنقل أمي إلى المستشفى بذلها من كانت بصحبتهم، وذهبت الطبيبة المرافقة إلى الجهة الأخرى من الشارع بحثًا عن سيارة إسعاف لنقلها إلى أقرب مستشفى، لكنها لفظت أنفاسها الأخيرة وهي تنطق الشهادة قبل قدوم الإسعاف.