قراءة وعرض- جمال سالم:
يتنافس العلماء والمفكرون منذ ظهور الإسلام وحتى قيام الساعة في تبصر الناس ببركات وخيرات وأحكام فقه الصيام خلال الشهر الكريم الذي يحل علينا كضيف عزيز لا يزورنا في العام إلا مرة، ولكن زيارته كلها خير حتى أننا نتمنى أن تكون السنة كلها رمضان، رَوضَاتُ الجَنَّاتِ.. في اغْتِنَامِ شهرِ الرحمَاتِ” للدكتور عادل المراغي، من علماء الأزهر والأوقاف الذي قدم خلاله جرعة دينية روحية تربوية شافية لكل نفس تواقه لمعرفة صحيح دينها بلا إفراط أو تفريط.. ولهذا ننصح بقراءته ونحن في بداية الشهر الفضيل
يوضح المؤلف أن عبادة”جبر الخواطر” من أهم العبادات المنسية، وهي لمسات حانية تغزو القلوب وتتربع علي عروشها، وقد يكون جبر الخواطر بمواسـاة في أتراح أومشاركة في أفراح أو تشــــجيع لعمـــل الخــير أو إدخال لسرور أو ثناء علي صنيع أو تهنئة لنيل مراد، أو قضاء حاجة، أو سؤالك عن شخص ألمت به ملمة، أو عفو عن مذنب أساء او تفريج هم عن مهموم أو مشاركة وجدانية أو صدقه علي محتاج أو رفع ظلم عن مقهور أو عيادة مريض، وقد تكون في وسائل التواصل الاجتماعي بتعليق علي منشور أو إدخال لسرور وعدم كشف لمستور، وما شرعت جل العبادات في الإسلام- ومنها الصيام- إلا لجبر خواطر الخلق من صدقات وزكوات وإطعام وتكافل وغيره، ولجبر الخواطر فعل السحر في القلوب.
قدم الدكتور المراغي ثلاثين روضة بعدد أيام الشهر الفضيل وهي: الضيف المبارك- صلاج النية- الذكريات – استثمار الوقت – القرآن- التراويح – الدعاء- مضاعفة الثواب- حفظ الجوارح- البكور وصلاة الفجر- المغفرة – الاستغفار – صلاة الجماعة- الصدقة- الذكر- إفطار الصائمين- الحلم وكظم الغيظ- الجهاد- مجالس العلم- الصبر- صحبة الملائكة – العتق من النار- العشر الأواخر- التهجد- السَحر – العرة- العبادات المدنية – جبر الخواطر زكاة الفطر والعيد- وداع الضيف والمداومة على الطاعات، كما حدد الكثير من الطرق الشرعية لإغتنام الشهر الفضيل وثوابه العظيم الذي ليس له ثواب إلا الجنة.
حاول الدكتور المراغي بيات عظمة وضوابط كل روضة من هذه الروضات من خلال الأدلة الشرعية ممثلة في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وآثار التابعين والصالحين الذين اقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه ربه سبحانه وتعالى:” لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا”. وكان الرسول والصحابة الكرام والصالحين في كل زمان ومكان يجتهدون في العبادات والطاعات وأعمال في رمضان أكثر من غيره من الشهور لأنهم يعلمون أنه شهر تضاعف فيه الحسنات، ووصفه صلى الله عليه وسلم بقوله مبشرا صحابته وأمته بقدوم الشهر الفضيل:” قدْ جاءَكمْ شهرُ رمضانَ، شهرٌ مباركٌ افترضَ اللهُ عليكُمْ صيامَهُ، يفتحُ فيهِ أبوابُ الجنةِ، ويغلقُ فيهِ أبوابُ الجحيمِ، وتغلُّ فيهِ الشياطينُ، فيهِ ليلةٌ خيرٌ مِنْ ألفِ شهرٍ، مَنْ حُرِمَ خيرَها فقدْ حرِمَ”.
وأشار الدكتور المراغي أنه من رحمة الله عز وجل بعباده أن جعل لهم مواسم للخير، يكثر أجرها ويعظم فضلها، حتى تتحفز الهمم، وتنشط العزائم وتحلّقُ في جو السماء وتناطح الجوزاء ابتغاء الأجر العظيم والثواب الجزيل، وشهر رمضان من أعظم تلك المواسم، فهو شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، شهر يُنادَى فيه:” يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، فيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، ولله فيه عتقاء من النار كل ليلة، فما أعظم فضل هذا الشهر، وما أجل منـزلته ومكانته، وما أعظم مِنَّة الله على العباد فيه، تلك المنة التي مَن تأمّلها عرف عِظَم فضل الله عليه؛ حيث أحياه ومَـدّ في عمره حتى أدرك هذا الشهر العظيم
وحذر المؤلف من ضياع أيام رمضان المباركة في السهر واللهو والمجون قائلا:علينا أن نستقبله بالعزم على ترك الآثام والسيئات والتوبة الصادقة من جميع الذنوب، والإقلاع عنها وعدم العودة إليها، فهو شهر التوبة فمن لم يتب فيه فمتى يتوب ؟!!!.قال الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، ومن جميل أقوال الإمام ابن الجوزي “تاللّهِ لو قيل لأهلِ القبور تمنَّوا، لتمنوا يوماً من رمضان”، قال الإمام ابن رجب الحنبلي:” إن غاية أمنيَّةِ الموتى في قبورِهم حياةُ ساعةٍ يستدركون فيها ما فاتهم من توبة وعملٍ صالح، وأهلُ الدنيا يفرِّطون في حياتِهم فتذهبُ أعمارُهم في الغفْلَّةَ ضياعًا، ومنهم من يقطَعُها بالمعاصي”
ورصد المؤلف أحتفاء واحتفال الأدباء وخاصة الشعراء بالشهر الفضيل لأن الشعر له تأثير طيب في نفوس إذا امتزجت فيه البلاغة والفصاحة بالموعظة الحسنة، ومنها على سبيل المثال، يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:
رمضانُ أَقْبَلَ قُمْ بنَا يا صاحِ** هذا أوانُ تَبَتُّلٍ وصلاحِ
الكونُ معطارٌ بطيبِ قدومِهِ ** روحٌ وريحانٌ ونفحُ أَقَاحِي
واغنمْ ثوابَ صيامِهِ وقيامِهِ ** تسعدْ بخيرٍ دائمٍ وفلاحِ
ويقول الشاعر الكبير محمد حسن فقي في احساسه وفرحته بقدوم الشهر الفضيل :
رمضانُ في قلبي هَمَاهِمُ نشـوة…من قبلِ رؤية وجهك الوضَّـاءِ
وعلى فمي طعمٌ أحسُّ بأنـــَّـــه… من طعمِ تلك الجنـةِ الخضـراءِ
قالوا بأنك قــــــــــــادمٌ فتهللـتْ… بالبشر أوجهُنا وبالخيـــــــلاءِ
ما ذقتُ قط ولا شعرتُ بمثلــِــهِ…أفلا أكونُ به مِن السعــــداءِ ؟
يقول عن فرحة رمضان الشاعر الكبير سلطان البصيري:
أتـى رمضانُ مزرعةُ العبـــادِ لتطهير القلوب من الفسـاد
فأد حـقــــوقَهُ قـولاً وفـعــــــلاً وزادك فـاتخـذهُ للمـعـــــادِ
فَمَن زرعَ الحبوبَ وما سقاها تأوَهَ نادمًـا يَــــومَ الحصـادِ
وعندما أقبل الشهر الكريم صاح الشاعر خير الدين وائلي منبهاً جموع المسلمين أن ينتبهوا ويهبوا لاستقباله حيث يقول:
رمضان أقبل يا أولي الألباب.. فاستقبلوه بعد طول غياب
عام مضى من عمرنا في غفلة.. فتنبهوا فالعمر ظل سحاب
وتهيؤوا لتصبّر ومشقة.. فأجور من صبروا بغير حساب
الله يجزي الصائمين لأنهم.. من أجله سخروا بكل صعاب