د.عمرو أبو الفضل
رغم أن الرفض والشجب والاستنكار لجريمة الهجوم المسلَّح على مسجدين وقتل المصلّين في نيوزيلندا لم يتوقف على كافة المستويات الإقليمية والدولية، حيث ندَّدت كافة الدول والمؤسسات الدولية بالعملية الإرهابية واعتبرتها جريمة بشعة ضد الإنسانية وتحمل مضامين مهددة للأمن والاستقرار في المجتمعات والدول، إلا أن التساؤلات المهمة التي تتجاوز حملات الإدانة والصدمة والغضب والحزن ويجب طرحها هي: من المسئول الحقيقي عن الجريمة، وكيف يمكن منع تكرارها، ولماذا تتصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا؟!
بات واضحاً أن دول العالم تعيش حالة صدمة وفزع جراء الجريمة التي روَّعت الرأي العام الدولي نظراً لطبيعتها العنيفة وما خلَّفته من خسائر بشرية كبيرة ودلالاتها الخطيرة التي تنذر بعواقب وخيمة وتداعيات ربما يكون منها تصاعد موجة جديدة بشعة من الإرهاب المضاد ومن اتجاهات مختلفة عبر العالم، وتغرق الجميع في دوامة عنف جهنمية حتى المجتمعات المتماسكة داخلياً والبعيدة عن حدة التوترات والصراعات العالمية، والتي يسودها مبادئ التعددية والتنوع والتعايش والانفتاح، ولا تتعالى فيها أصوات التحذير من تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا وعداء الأجانب ورفض المهاجرين.
في أعقاب العملية الإرهابية رفعت اغلب الدول درجات التأهب الأمني إلي أعلى مستوياتها، وتصدّرت في أوروبا قضايا معاداة المهاجرين والأجانب وظاهرة الإسلاموفوبيا النقاشات السياسية والأكاديمية والإعلامية، وبرز جدل محتدم حول خطورة أفكار اليمين المتطرف خاصة بعد تأكيد عدد كبير من المفكرين والسياسيين الغربيين بمسئولية خطاب قياداته عن تنامي العداء للأجانب والكراهية للمسلمين.
وأرجعت تحليلات غربية أسباب تأجيج الإسلاموفوبيا لتوجهات الكتل السياسية والحزبية الأوربية التي تتبنى الانغلاق وترفض التسامح وتحرض ضد الآخر، والانتشار الواسع لأفكار نظرية “الاستبدال الكبير” التي ظهرت في أوروبا على يد الفرنسي جان راسبيل عام 1973، وتحذر من انهيار الحضارة الغربية كنتيجة للهجرة و”الاسلمة” باستبدال السكان الأصليين بغرباء غير أوروبيين وغير مسيحيين يخربون هوية البلاد.
وروجت لها حركات يمينية متطرفة في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي، مستغلة ظهور النزعة القومية لدى الشعوب الأوربية، والمخاوف التي رافقت عملية تشكيل الاتحاد الأوروبي وتأثيراته على الخصوصية الوطنية والمحلية.
كما ساهمت العديد من العوامل في بروز الأفكار الشعبوية المتطرفة أهمها استفحال ظاهرة العولمة التي أدت لتفجر صراع الهويات والنزعة نحو الانفصال، وتزايد المشكلات السياسية والاقتصادية التي تواجه الاتحاد الأوروبي وتداعياتها على دوله وشعوبه بعد الأزمة المالية العالمية في 2008، حيث دفعت فئات وشرائح كبيرة من الأوروبيين إلي اعتناق أفكار اليمين المتطرف نتيجة الربط بين الركود الاقتصادي وارتفاع البطالة وزيادة الهجرة، وساهم أيضاً في زيادة شعبية التيارات اليمينية المتطرفة وانتشار أفكارها تراجع قوى اليمين واليسار التقليدية في الغرب وطرح أفكار اليمين المتطرف باعتبارها بديلا فعالا لمواجهة هذه المشكلات وانتشال الغرب من أزماته، فضلاً عن استمرار تسليط الضوء على مفاهيم صراع الحضارات وتجديد مقولاتها، كما أدت المخاطر الأمنية الناجمة عن تصاعد الإرهاب وزيادة معدلات الهجرة خاصة من الشرق الأوسط بسبب الصراعات والحروب الأهلية وظهور تنظيم “داعش” و”القاعدة” إلي تعميق المخاوف من انتقال هذه الاضطرابات وأثارها السلبية داخل المجتمعات الأوروبية خاصة مع وقوع العديد من العمليات الإرهابية في عدد من العواصم الأوروبية.
واستغل اليمين المتطرف هذه المخاوف لإزكاء ظاهرة الإسلاموفوبيا والدعوة لاتخاذ إجراءات ضد العرب والمسلمين ومنعهم من دخول الدول الأوروبية، وإصدار قوانين مقيِّدة للحريات والتعددية وصلت لحد المطالبة بإقرار الإبعاد والترحيل وخفض الضمانات الاجتماعية، مما ساهم في تكريس التمييز والعنصرية والعداء والعزلة، واستهداف العرب والمسلمين وتزايد عمليات العنف التي شملت الاعتداء الجسدي في الشوارع والأماكن العامة، وحرق المنازل، والاعتداء على دور العبادة، وجرائم القتل، والمطاردة، والتشدد الأمني.
ودفعت دماء الضحايا في نيوزيلندا انطونيو غوتيريش- الأمين العام للأمم المتحدة- لمطالبة الدول بالعمل سريعاً لمواجهة خطابات الكراهية والتمييز وظاهرة الإسلاموفوبيا ومعالجة أثارها على المستوى الدولي.
كما طرحت في بعض الدول الأوربية على المستوى الحكومي والمدني مبادرات لمواجهة الكراهية وممارسات التمييز والعنصرية ولمنع العداء ضد الأجانب ورفض مقولات الإسلاموفوبيا خاصة خطابات التحريض على الفضاء الالكتروني والشبكة العنكبوتية وفي وسائل الإعلام المختلفة.