الضبعة النووي تتويج لتاريخ طويل من التعاون المثمر
.. و”بريكس” نواة لنظام عالمي جديد بمشاركة القاهرة
بقلم: إيهاب نافع
تتسم العلاقات المصرية الروسية بخصوصية على المستويات كافة، فمن العمق التاريخي منذ عهد الرئيس عبدالناصر والمواقف التاريخية للاتحاد السوفيتي خلال ذلك العهد، إلى ذلك الاهتمام الكبير من قبل الرئيس فلاديمير بوتن بالعلاقات مع مصر وتقديره اللافت للرئيس السيسي منذ أن كان وزيراً للدفاع حيث كان لقائهما الأول في موسكو عقب ثورة 30 يونيو، وبالتحديد بداية 2014، وهى الزيارة التى جاءت عقب الترحيب الروسى بثورة 30 يونيو، وزيارة وزيرى الخارجية والدفاع الروسيين إلى مصر فى شهر نوفمبر من نفس العام.
تقدير متبادل بين السيسي وبوتن
ومع الشهور الأولى من حكم الرئيس السيسي كان القرار بزيارة مهمة جديدة لروسيا التي أعرب خلالها الرئيس بوتن عن بالغ تقديره للرئيس السيسي وكيف أنه خاطر بحياته من أجل إنقاذ بلده، ثم توالت الزيارات التي حرصت فيها مصر بقيادة الرئيس السيسي على توثيق الصلات مع روسيا ليس فقط مصريا وإنما قادت مصر أطرا متعددة لتوثيق العلاقات عبر ترسيخ دوائر التواصل العربي والأفريقي مع روسيا، والتي تنعقد منها قمة جديدة أكتوبر المقبل وتلقى الرئيس السيسي الدعوة فعليا للمشاركة في القمة.
العلاقات المصرية الروسية علاقات استراتيجية تتمتع بخصوصية كبيرة وهي الخصوصوية التي تجلت مظاهرها عبر عدة مسارات يأتي في مقدمتها وأقواها على الإطلاق ذلك التعاون العسكري والاستراتيجي، والتعاون الاقتصادي، والتعاون في تأسيسي أسس نظام عالمي جديد، والتنسيق في قضايا الأمن القومي العربي والدولي، فضلا عن الملف الأهم والأعظم المتمثل في مشروع الضبعة النووي ذلك الحلم المصري المؤجل لعقود طويلة وما كان ليكتمل لولا كثير من التفاصيل المهمة التي احتواها المشروع .
تعاون عسكري لا محدود
فلو توقفنا أمام عمق العلاقات العسكرية المصرية الروسية فنجد أن روسيا ساعدت مصر في تطوير تحجيث ترسانتها العسكرية في مجالات الدفاعات الجوية المتطورة، والقوات الجوية عبر كثير من الطائرات العسكرية الحديثة، ولم يكن لمصر أن تحصل على واحدة من أهم صفقاتها العسكرية المرتبطة بتطوير اسطولها البحري عبر الحصول على حاملتي المروحيات العسكرية الميسترال الفرنسية الصنع، لولا مباركة روسيا التي أعدت لأجلها الميسترال ما حصلت مصر على حاملتي الطائرات، وزادت على ذلك اتفاقا مكملا بتقديم كثير من التقنيات الروسية التي كانت مجهزة لتزويد الميسترال بها فضلا عن الطائرات الـ K 52 التي حصلت منها مصر على نحو 50 طائرة ضمن التسليح الخاص بحاملتي الطائرات، وما كان فارقا حقا تلك الزيارة لأهم موقع في موسكو الذي لم يسبق لزعيم أي دولة زيارته وهو زيارة الرئيس السيسي لمركز الدفاع الوطني الروسي وحصوله على هدية تذكارية من وزير الدفاع الروسي حينها سيرجي شويجو وهي عبارة عن مجسم للرشاش التاريخي ” ماكسيم ” الذي تم اختراعه عام 1884 .
اقتصاديا كان إقامة منطقة صناعية روسية واتفاق إنشاء مفاعل الضبعة النووي، والتعاون في مجال الفضاء، وإطلاق الاقمار الصناعية، مهما وكاشفا لحجم العلاقات بين البلدين إذ قدمت موسكو تسهيلات هائلة لاقامة المفاعل وطريقة سداد طويلة الأجل.
ولعل من أهم وأقوى الاطر للتعاون بين موسكو والقاهرة كانت تلك الدعوة التي وجهت لمصر للعضوية في تجمع بريكس الذي يعد أهم قواعد تأسيس النظام العالمي الجديد وهي عضوية مهمة وفاعلة وقوية مثلت نقلة نوعية مهمة لمصر في تمركزات النظام العالمي الجديد.
الضبعة حلم يتحقق
ويبقى مفاعل الضبعة النووي نموذجا حقيقيا لتجسيد عمق العلاقات بين البلدين الكبيرين، إذ تقترب مصر من تحقيق حلمها بإقامة محطة الضبعة النووية إذ تم الانتهاء من الصبة الخرسانية للمرحلة الثانية من المستوى الثاني لمبنى وعاء الاحتواء الداخلي بمبنى المفاعل حيث كشف بيان لهيئة المحطات النووية المصرية لتوليد الكهرباء أن هذه الأعمال تمت قبل الموعد المحدد لها بالجدول الزمني، بفضل جهود المختصين من هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء والمقاول العام الروسي شركة “أتوم ستروي اكسبورت”.
ويعد مبنى وعاء الاحتواء الداخلي هيكلا أسطوانيا يضم بداخله المفاعل النووي والمعدات الخاصة بالدائرة الأولية للمحطة، ويتكون المستوى الثاني لوعاء الاحتواء الداخلي من 12 شريحة مُسبقة الصنع تم تصنيعها بموقع المحطة النووية بالضبعة، ويبلغ طول كل شريحة 12 مترا وارتفاعها 14 مترًا، ويتراوح وزنها بين 60 و90 طنا.
وشهد مشروع المحطة النووية الانتهاء من صب الخرسانة للمرحلة الأولى من المستوى الثاني للوعاء ذاته يوم السبت الموافق 19 أبريل الماضي، وبذلك الإنجاز الجديد تم الانتهاء من أعمال الصبة الخرسانية لكامل المستوى الثاني لوعاء الاحتواء الداخلي لمبنى المفاعل في الوحدة النووية الثانية.
وكان شريف حلمي، رئيس مجلس إدارة هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء، أكد أن مشروع إنشاء المحطة النووية بالضبعة يمضي بخطى ثابتة وواثقة، وفقاً للجداول الزمنية المعتمدة، مما يعكس دقة التخطيط وكفاءة التنفيذ في جميع مراحل المشروع، وأن هذا الإنجاز الجديد يُضاف إلى سجل المسيرة الوطنية الطموحة لإنشاء أول محطة نووية مصرية لتوليد الكهرباء، واعتبر أن هذا الإنجاز يمثل خطوة جديدة في مسار المشروع النووي السلمي، ويعكس الالتزام الراسخ بالمعايير الفنية العالمية، ويؤكد على كفاءة الكوادر الوطنية والشراكة المثمرة مع المقاول العام الروسي شركة “آتوم ستروي إكسبورت”، ومؤكداً أن هذا التقدم “ليس مجرد إنجاز هندسي، بل هو دليل حي على الإرادة والتخطيط والعمل الجماعي المتقن.
فيما شدد أليكسي كونونينكو، نائب رئيس شركة “آتوم ستروي إكسبورت” ومدير مشروع إنشاء محطة الضبعة النووية، على أن اليوم تحقق إنجاز هام قبل الموعد المحدد له بفضل التعاون الوثيق بين الجانبين المصري والروسي، والكفاءة العالية التي يتميز بها المتخصصين المشاركين في هذا المشروع، بالإضافة إلى استخدام أحدث الأساليب والتقنيات، وأنه تم الوصول إلى آفاق جديدة، وارتفع المستوى الثاني من وعاء الاحتواء الداخلي إلى +20.150 مترًا، في حين أن الهدف المخطط له بحلول نهاية هذا العام هو إتمام المستوى الثالث عند ارتفاع +29.150 مترًا، ونواصل عملنا بثقة وبوتيرة ثابتة في بناء محطة الضبعة النووية أكثر محطات الطاقة النووية أمانًا.”
وهكذا تبقى العلاقات المصرية الروسية نموذجا يحتذى للعلاقات الاستراتيجية ولازالت ثمة فصولا جديدة تكتب للتاريخ في عمق ومستقبل تاريخ العلاقات بين البلدين.