لم أعتد إشغال القارئ الكريم بالكتابة عن القضايا الخارجية، خاصة إذا كانت سياسية، فالصحافة والمحلِّلون السياسيون ما أكثرهم وأجدرهم على تناول تلك القضايا ثم أيضا ما أسرعهم فى تناول الأحداث؟! فقد عهدت على نفسى أن أُخصِّص هذه المساحة القصيرة للقضايا الداخلية وخصوصا الاجتماعية من منظور “القول الطيب” امتثالا لقوله تعالى: “وقولوا للناس حُسنا”، لكن ما يحدث على حدود مصرنا المحروسة- بإذن الله تعالى- لاشك أنه يؤثِّر- سواء سلبا أو إيجابا- على حياتنا الداخلية، وأخص بالذكر هنا، دولتى الجوار السودان وليبيا، فضلا عن الجزائر واليمن كذلك، فما يحدث فيها ينعكس علينا شِئنا أم أَبَينا.
من هنا فإننى أتمنى أن تنتهى عملية “طوفان الكرامة” التى يقودها الجيش الوطنى الليبى بقيادة المشير “خليفة حفتر” على خير، دون وقوع أية خسائر فى جانب البلاد أو المواطنين، خصوصا فى الأرواح، فيكفيهم ما عانوه طوال سنوات عجاف، سيطرت فيها جماعات الإرهاب والتطرّف على مجريات الأمور، حيث فتحت المجال أمام إيواء رؤوس الإرهاب من داعش والنُصرة والقاعدة، برعاية من الوالى العثمانى ودعم الطفل القطرى المُدلَّل!
فكل ما يدور ويقع فى الجوار الليبى له تأثيره المباشر على الداخل المصرى، ونفس الشئ بالنسبة لما يحدث فى الشأن السودانى، وأيضا الجزائرى واليمنى، وإن بعُدَت المسافة شئيا ما.
فالأمن القومى والعُمق الاستراتيجى والأمنى لمصرنا الغالية لا يقف عند الحدود التى اصطنعها الاستعمار الحديث، وإنما يمتد فى كافة الاتجاهات، وإن كان هذا معروفا منذ قِدَم التاريخ فإنه فى العصر الحالى أكثر أهمية وضرورة، لما تتعرَّض له بلادنا- بل العالم كله- لطوفان من العمليات الإرهابية والأفكار المتطرِّفة التى تتنافى مع الفِطرة السليمة والمبادئ الدينية والإنسانية القويمة، وجميعنا عانى بل أُصيب بصدمات دينية وإنسانية نتيجة ما وقع مؤخرا من جرائم يندى لها جبين البشرية وتتبرَّأ منه جميع الأديان السماوية.
فما أحوجنا فى مختلف دولنا العربية والإسلامية إلى “طوفان الكرامة” الذى انطلق لتطهير الجوار الليبى وتوحيد الصف دون تمييز أو تفرقة بين أبناء الشعب الواحد؟! ولا نلتفت للصيحات الغربية المُندِّدَة أو المُحذِّرة من التدخّلات العسكرية أو الحِرْمان والمنع من “فُتات” المساعدات التى يُلقونها، غطاء لأعمالهم وأغراضهم الدنيئة فى التدخّل والتحكّم فى شئوننا الداخلية؟! فقد انتهى زمن الوصاية والاستعمار إلى الأبد، ولن يعود مهما حاولوا إحياءه.
ولتمضى قافلة “الطوفان” مُستعيدة “كرامة” كل مواطن ودولة عربية فى مواجهة الأفكار المتطرِّفة والإرهابيّة التى فرضت نفسها على مجتمعاتنا بدوافع سياسيَّة مُتَّخِذَة الدِّينَ ستارا و”تَكِأة” لتبرير جرائمها.
طوفان الكرامة هذا يجب أن يشمل كل مناحى حياتنا الشخصية- وليست الوطنية أو الجغرافية الملموسة فقط- وأعنى بهذا الطوفان المطلوب كل ما يلزمنا لتغيير سلوكياتنا وتصرّفاتنا إلى الأفضل والأحسن، حتى نستحق أن ننتمى لهذه البلاد الكريمة، عِرْقًا وعَقَديًّا وحضاريًّا.