الرضا بما قسم الله.. نعمة من أعظم النعم التى يمن الله بها على عباده، أما السخط، فنقمة نعوذ بالله من فتنة الابتلاء بها.
ومن رضي بما قسم الله له فلن يجد رغبة في مزاحمة الناس على شئ من دنياهم، وعافاه الله من التطلع لما في أيدي الناس، وهو مع رضاه بحاله يطرق أبواب الرزق الشرعية، ويأخذ بالأسباب، ولا يفرح بما جاءه من عرض الدنيا الزائل، ولا يحزن على ما فاته.
والقناعة برزق الله، وإن كان قليلا، من علامات الفلاح فى الدنيا والآخرة، وقد جاء في صحيح مسلم عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله قال: “قد أفلحَ من أسلمَ وكان رِزقُه كفافًا، وقنَّعَه الله بما آتاه”.
وسلامة الصدر، والرضا وتسليم الأمر لله وعدم النظر لما فى أيدى الناس من أعظم الأبواب لدخول الجنة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا جلوساً مع الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: “يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة”، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد تعلق نعليه في يده الشمال، فلما كان الغد قال النبي مثل ذلك فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي مثل مقالته أيضاً، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النبي تبعه عبدالله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت، فقال: نعم، قال أنس: وكان عبدالله يحدِّث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاَ غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبَّر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبدالله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً، فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله قلت: يا عبدالله، إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر، ولكن سمعت رسول الله يقول ثلاث مرار: “يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة”، فطلعت أنت الثلاث مرار فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله؟ فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه. فقال عبدالله: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق. رواه أحمد والنسائي.
إن الرضا يزيل كل الهموم والغموم، ويبلغ بالإنسان أعلى درجات اليقين وأرفعها، فقد ورد عن سيدنا علي كرم الله وجهه: “أن الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين”.
وكان شريح القاضى يحمد الله على المصيبة أربع مرات، قال شريح: إني لأصاب بالمصيبة، فأحمد الله عز وجل عليها أربع مرات، أحمده إذ لم تكن أعظم مما هي، وأحمده إذ رزقني الصبر عليها، وأحمده إذ وفقني للاسترجاع، لما أرجو فيه من الثواب، وأحمده إذ لم يجعلها في ديني.
اللهم اجعلنا من أهل الرضا، ولا تجعل مصيبتنا فى ديننا.