ماهو التجديد الذى نريده.. وما هى آلياته؟!
الإرهاب والتطرف.. ضد الفطرة الإنسانية
إنكار السنة المطهرة.. إنكار للقرآن الكريم
منهج الهلالى فاسد.. فلا يجوز الإفتاء إلا بالراجح من الأقوال
أحسنت وزارة الأوقاف.. حين جعلت الخطبة موحدة
من لم يدرس الثانوية الأزهرية.. لقيط على العلم الشرعى
حوار: إبراهيم نصر
تصوير: عادل عبد الرحمن
الدكتور محمد سالم أبو عاصى عميد كلية الدراسات العليا الأسبق بجامعة الأزهر عالم له وزنه، وحين تستمع إليه تعود بك الذاكرة إلى زمن العلماء الأكابر الذين لا تمل حديثهم، وله إسهامات فى مجال التأليف والنشر تثرى الفكر وتمتع العقل، وله مجهودات لا تنكر مع وزارة الأوقاف فى نشر الدعوة الوسطية المستنيرة وتدريب الدعاة، فضلا عن مشاركته فى المؤتمرات الدولية، والندوات التى تعقدها وزارة الأوقاف بالتعاون مع “عقيدتى”.
التقيناه وكان لنا معه هذا الحوار المثمر الذى تناول العديد من القضايا المطروحة على الساحة الإسلامية، وكان من أهمها: الإلحاد.. تجديد الخطاب الدينى.. التطرف والإرهاب، واتهام الأزهر بتخريج الإرهابيين، وتطاول العلمانيين على علماء الأزهر ومناهجه التعليمية، وكذلك الرد على القرآنيين، ومنهج: “استفت قلبك” الذى يتبناه الدكتور سعد الدين الهلالى، الذى وصفه الدكتور أبو عاصى بالفساد والبطلان، فإلى تفاصيل الحوار:
* نعلم أن لكم جهودا لا تعلن عنها فى الرد على شبهات الملحدين ولك لقاءات مع بعضهم، فما هى أهم الشبهات التى تدفع البعض للإلحاد؟
** هناك شيء في غاية الأهمية وهو أن شبهات الإلحاد لم تعد كما هي، وإجابات العلماء لم تتغير، وبعض الشباب يدخل من منظور العلم.. صحيح هو مخطئ، لكنه يدخل من منظور العلم، والأجوبة الخاصة بالعلماء هي هي، لدرجة أننى من فترة قريبة سمعت داعية في مكان كبير يتكلم في الرد على الملحدين بالدودة حينما تأكل كذا فتنتج كذا، يعني الكلام القديم الدارج، وشبهات الملحدين أكثرها ناتج عن مرض نفسي أو عن تفكك أسرى، وهناك قلة منهم تدرس وتفهم، وهناك البعض يأخذ الموضوع على سبيل الموضة ويفتخر إنه ملحد، حتى يكون حاله فريده متفردا في الأسرة وفي العائلة، فهو يريد أن يحقق ذاته لأنه فاشل في مجالات كثيرة جدا أو لم يستطع أن يحقق ذاته في مجالات كثيرة فادعي الإلحاد، ليكون حديث العائلة والمجتمع ويقال إنه صاحب فكر،وهكذ.. والبعض منهم بيكون عاوز يدعي انه مفكر وهو لا يدري إن هذا الكلام عفا عليه الدهر ومردود عليه، لكن هذا يستوجب أيضا من الدعاة تغيير النظر في الرد على هؤلاء، فلا بد أن تكون الردود علميه قوية، لكن الردود الوعظيه لا تجدي.
* كيف نحصن شبابنا ضد الانزلاق إلى هاوية الإلحاد، وهل تقوم المؤسسة الدينية بدورها المطلوب تجاه هذه القضية الخطيرة؟
** المفترض ترسيخ العقيدة أولا في الأولاد منذ الصغر، وهذا كان يحدث في القديم.. وانا دائما أقول: لابد من تقديم الثقافة الإسلامية لشبابنا ولأولادنا، فهذا يمنعه من التطرف و من الإرهاب ومن الإلحاد، وتمنع أيضا من الانحلال الخلقي، وللاسف كثير من الناس يريد أن يحصن ابنه فيذهب به إلى المسجد وفقط، ولكن ينبغي ان يكون هناك برنامج في الصيف مثلا في الفقه لتعليم الأحكام التشريعية يعني حين حدث الإرهاب والطرف، ناديت كثيرا بأن تكون هناك برامج متسلسلة تعالج هذه الأفكار، فنعمله برنامج مثلا في قناه من القنوات أو في القنوات كلها عن مفهوم الجهاد مثلا ونعمل حلقات عن مفهوم الخلاقة الإسلامية، وحلقات عن مفهوم الحاكمية والأصولية الإسلامية، وبالتالي يتم تصحيح المفاهيم ولكن حينما يحدث الحادث الإرهابي نأتى بالعلماء لنقول إن هذا خطأ، والناس تعرف أن هذا خطأ، لأن هذا الإرهاب والتطرف ضد الفطرة الإنسانية، لكن ينبغي علينا كعلماء أن نكون ممنهجين يعني عندنا برامج علميه ثقافيه دينيه ترشد الشباب وتوضح لهم المفاهيم المغلوطة.
* إنكار السنة والطعن فيها “موضة العصر” إن صح التعبير، علما بأن هذه الدعاوى الباطلة لم يخل منها عصر، فكيف يمكن الرد على ذلك؟
** أول شيء نريد أن نؤكد عليه هو أن إنكار السنة.. إنكار للقران، معادله رياضية هكذا.. لماذا؟.. لأن الله عز وجل يقول: :وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس مانزل إليهم” إذا معادلة رياضية: السنه بيان والقرآن مبين فحين تنكر البيان فأنت تنكر المبين، فإذا أنكرت السنه فإنك تنكر القرآن، لذلك الشاطبي قال في الموافقات: إنكار السنة إنكار للقرآن لأن إنكار البيان إنكار للموبين ثم إن السنة هي التي توضح المجمل والمشكل وتخصص العام وتقييد المطلق، ولولا السنة ما استطعنا أن نفهم القرآن في كثير من الأحيان، فالسنة مذكرة تفسيرية شارحة للقرآن الكريم.
* القرآنيون يستندون إلى قوله تعالى: “ما فرطنا في الكتاب من شيء” ويقولون ظلما وزورا بأنه يمكن الاكتفاء بالقران فقط؟
** ما فرطنا في الكتاب من شيء من الأصول والقواعد الكليه .. القرآن ميزته الأولى والخصيصة الأولى فيه أنه كتاب معجز من حيث اللفظ، فلو أن الله ذكر كل شيء في القران لضيق واسعا في المستقبل، لأن المستقبل يفرز الأحداث الجديدة والقضايا الجديدة، فنعود إلى أصولها في القران الكريم، فالآن مثلا حين نأتي لمسألة نكاح المرأة على عمتها فالإجماع معقود والمسلمون متفقون على أن الرجل لا يجمع بين المرأة وعمتها، وهذا ليس مذكورا في القرآن، إنما أصله في القرآن، لذلك الشاطبي يقول: كل ما نطق به النبي – صلى الله عليه وسلم – له أصل في القرآن، وكذلك قال الإمام الشافعي، فالقران حين حرم الجمع بين الاختين لأن فيه تقطيع للأرحام، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وقال: “لا تنكح المرأة على عمتها ولا تنكح المرأة على خالتها” ماذا نفعل في هذا؟.. وكذلك كيف نصلي وكيف نصوم وكيف نخرج مقادير الزكاة؟.. إنها السنة هي التي توضح كل هذا، إذا الدعوة من أساسها باطلة والكلام فيها معاد، وأستطيع أن أقول لك ليس هناك شبهة تذكر الآن إلا ولها أصل في القديم، وكأنهم كما قال الله فيهم: ” أتواصوا به بل هم قوم طاغون”.
منظومة الأخلاق
* كيف يمكن استخدام الدراما والأعمال الفنية بمختلف أنواعها جنبا إلى جنب المؤسسة الدينة فى إعادة صياغة منظومة الأخلاق فى المجتمع؟
** منظومة الأخلاق تعاد بداية من الأسرة، الشاعر حافظ إبراهيم يقول: وينشأ ناشئ الفتيان منا .. على ماكان عوده أبوه، فأول شيء حتى نعيد منظومة الأخلاق لابد أن نبدأ من الصغر في الأسرة ثم المدرسة ودورها التعليمي، لأنني أريد أن أعود ابني على أخلاق حميدة، فحين يذهب إلى المدرسة يجد ثمرة هذه الأخلاق والتربة الخصبة لهذه الأخلاق ثم يأتي دور المؤسسة الإعلامية، ودور وزارة الثقافة، والدولة كلها بمؤسساتها لا تعلم الأخلاق وفقط ولكن تساعد على ثمرة الأخلاق وعلى ظهورها فى المجتمع.
صيانة الفتوى
* إذا افترضنا أنكم توليتم منصب الإفتاء، فما هى الإجراءات التى ستتخذها لصيانة الفتوى الشرعية من العدوان عليها، ومنع غير المؤهلين من الاجتراء على إصدار الأحكام الشرعية؟.
** فى الفتوى لابد من النظر إلى ثلاث جهات: المفتي طبعا المفتى بإطلاق أيا كان، وإلى جهه المستفتي وإلى جهة الدولة كل واحد عليه وظيفة: المستفتي وظيفته أن يراقب الله ويسال أهل العلم، لأن كثيرا من الناس يريد أن يتخلص من السؤال وقد يسأل السؤال ويفتى بالحرمة من عالم واثنين وثلاثة ويظل يبحث حتى يجد عالما آخر يقول له حلال!! فلابد للمستفتي أن يراقب الله وأن يكون مخلصا في السؤال عن حكم الله، والمفتى أيا كان لابد أن تتوفر فيه شروط الإفتاء، ولذلك الأزهر حين يقول: لا أحد يفتى غير الأزهري، لأنه يريد أن يحمي الغير من الوقوع في الإثم.. يعني نحن نخاف على غير المتخصص من الوقوع في إثم الإفتاء بغير علم، فلا بد للمفتي أن تتوفر فيه علوم كثيرة جدا حتى يفتي، للأسف الناس تظن أن العالم حين يسأل يقول قال الله وقال الرسول فقط، إنما الفتوى ليست كذلك.. الفتوى لها عدة أمور: عندك نص شرعي وعندك الواقع وهو السؤال، وأنت تريد أن تسقط أو تنزل الحكم على واقعة السؤال، فقد يكون النص يقول بالتحريم، ولكنك أمام حالة ضرورة فتستثني هذه الحالة، ثم عندك أدوات أخرى تستخدم في الفتوى غير الكتاب والسنة، فلدينا نظرية المصلحة، ولدينا نظرية العرف والقياس ومراعاة الواقع ومراعاة حال الناس، ولذلك من ضمن شروط المفتي كما يقول الإمام أحمد: إن المفتي لابد أن يكون عالما بأحوال الناس.. يعني واحد في قضيه الطلاق قال لامرأته باستهتار: “أنت طالق” فالنص يقول: إن الطلاق وقع، ولكن حين النظر إلى واقعة السؤال ويكون قال هذا الكلام تحت ضغط عصبي أو مرض نفسي أو حاله الضرورة أو في حالة يكاد يفقد فيها عقله، فلا تستطيع أن تقول في هذه الحالة: إن امرأته قد طلقت، فلابد أن تدرس النص الشرعي وتدرس الواقع وكيف تنزل هذا النص الشرعي على واقعة السؤال.
تعدد الآراء
* هل تعدد الآراء الفقهية من الرحمة التى يعبر عنها البعض بقوله: “اختلافهم رحمة” أم أن ذلك قد يؤدى إلى البلبلة والتشكيك فى صحة الفتوى؟.
** تعدد الآراء رحمة، وقد يؤدي إلى بلبلة، ولكن كل باعتبار، فأولا لابد أن نغرس في الناس ثقافة الفقه.. يعني لابد أن يعلم الناس أن الفقه أقوال ظنية اجتهادية وليست قطعية، ولذلك قالوا: “الفقه من باب الظنون” وبالتالي هذا النص الشرعي المحتمل لعدة أوجه، فكل فقيه ينظر بآلة الاجتهاد إلى نظرة معينة فيستخرج حكما، فالناس لابد أن تفهم أولا ثقافة الفقه.. يعني أن هناك آراء متعددة ولابد أن ننظر أن هناك تيار في مصر وفي العالم العربي وقد وصل إلى أوروبا تيار النظرة الواحدة: “التيار السلفي” فعندهم هذا حرام حرام حرام .. ما اقتنع به هو الذى يريد أن يفتى به، ولكن المفتي يعرض على الناس الأقوال المتعددة في الفقه، ولكن عند الفتوى تتخير للمستفتي ما يناسب المصلحة وما يتفق والحاجة وما يتفق والواقع، وليس ما يتفق مع رأيى أنا، بل الفتوى بما يناسب مصلحة المستفتي بشرط ألا تخرج عن النص، فليس معنى أن تأتي له بالمصلحة أن تبطل النص.. أو تأتى برأى شاذ لأن الاتفاق بين العلماء معقود على أنه لا يفتى إلا بالراجح من الأقوال ولا تلجأ للرأى المرجوح إلا فى الحالة التى تنزل منزلة الضرورة.
منهج فاسد
* أنت بذلك تضرب منهج الدكتور سعد الدين الهلالى فى مقتل.. فهل يجب على العالم أو المفتى أن يوضح للمستفتى كل الآراء الفقهية المذكورة فى المسألة الواحدة، أو عليه أن يذكر ما يختاره هو من الآراء، وهل يكون فى هذه الحالة قد كتم علما أو ارتكب منهيا عنه؟.
** بالضبط.. منهج الهلالى فاسد، والنووى وابن عابدين وغيرهما على أنه لا يفتى فى المذاهب إلا بالراجح فى المذهب، ولا يفتى بغير الراجح إلا لضرورة أو لحاجة تنزل منزلة الضرورة، والمسائل التى يفتى فيها بالمرجوح حصروها فى 20 مسالة والبعض قال 25 .. أما أن أسرد له كل الأقوال وأترك له حرية الاختيار فأنا أريد أن أحول المستفتى إلى فقيه، فمثلا واحد قال لامرأته: “عليا الطلاق” وفيها عشرين قولا .. وهذا الرجل بسيط لم يحظ بقدر من التعليم ولعله كناس فى الشارع أو سائق توك توك مع احترامنا لكل أصحاب المهن، فأسرد له كل الأقوال بأدلتها لمدة ساعة أشرح وأوضح ثم أقول له اختار أنت الحكم الذى يناسبك!! فحولته بذلك من رجل بسيط يؤدى مهنة معينة إلى رجل مجتهد يرجح بين الأقوال، فما الفرق بين هذا الرجل البسيط وبين الطالب الذى يدرس فى كلية الشريعة والقانون الذى يجلس فى المدرج وندرس له الآراء؟.. ولذلك الشاطبى فى الموافقات وهو يتكلم فى أدلة التقليد إنك لازم تسأل عالم لتقلده، جاء بالدليل النقلى: ” فاسألو أهل الذكر إن كنتم لا الله تعلمون” وجاء بالدليل العقلي إنه بذلك تتعطل مسالك الحياة فكل صاحب مهنة يتركها ويدرس الأقوال الفقيه المختلفة وحين يسأل أحدهم عن سؤال نسرد له كل الأقوال ونتركه ليدرس ويفاضل ويختار فإذا كان الأمر كذلك إذا لماذا قال الله تعالي:” فاسألو أهل الذكر..” وكذلك قال العلماء: المفتي ينبغي أن لا يترك المستفتي في حيرة، فالعالم يعرض ما يتفق وحاجة الناس بشرط ألا يخرج هذا الذي يعرضه عن النص، وقد نص العلماء علي أنه ليس مطلويا منه أن يسرد كل الأقوال بما فيها من آراء شاذة ثم يقول له عليك أن تختار، فهذا منهج باطل.
ثم إن النبى عليه الصلاة والسلام أمر بالاجتهاد، والقرآن أمر بالاجتهاد قال: “ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولو الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم” فكيف يأمر الشرع بالاجتهاد والذى ينبثق من الاجتهاد ليس بحكم شرعى؟.. ربنا هذا عبث، وقد أمر الله بالتخصص فى قوله تعالى “فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهواةفى الدين..” مرحبا الآية. وبالتالي فأنا أقول إن الاجتهاد الذى أمر به الله وأمر به الرسول هو أقوال بشرية، ولكن المنطق يقول والقاعدة الفقهية تقول: إذا كان الاجتهاد من الدين فما ينبثق عن هذا الاجتهاد فهو من الدين، بدليل أن المجتهد إذا أصاب فله أجران، وإذا أخطأ فله أجر واحد، وبالله عليك حين تأتيني امرأة بسيطة تسأل عن زكاة الفطر، فأقول لها عند الشافعى كذا وعند أبى حنيفة وعند مالك وعند أحمد، فهذه السيدة التى لا تستطيع أن تفك الخط أطلب منها أن ترجح بين أقوال العلماء وتختار ما تشاء؟.. هذا كلام لا يتفق مع الشرع ولا يتفق مع المنطق.
فضية نظرية
* بماذا ترد فضيلتكم على من يقول: إن الدعوة أو الفتوى ليست حكرا على علماء الأزهر، وليس بالضرورة أن أكون أزهريا حتى أدعو الناس أو أفتيهم؟.
** سأتفق معهم فى أنه ليس بالضرورة تكون أزهريا، ولكن ادرس كما يدرس الأزهرى وتعلم كما يتعلم ثم تعالى وتكلم بعلم فى العزة أو فى الفقه، هذه فرضية نظرية ولكن فى الواقع حين تطبق الشروط على هؤلاء الأدعية لا تجد هذه الشروط متوفرة فيهم، ولابد أن نفهم أن الدعوة ليست حفظ خطب تقولها على المنبر، إنما الدعوة علم له أصوله.
* بماذا تفسر فضيلتك حديث: “استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك”؟.
** استفتى قلبى فى المتشابهات، وقد ذكرتنى بشئ، فلو كل عالم عليه أن يعرض الآراء، النبى صلى الله عليه وسلم يقول: الحلال بين والحرام بين وبينها أمور مشتبهات” هذا المشتبه الذى فيه ما يشبه الثابت وليس بثابت، لأن الشبهة هكذا عند العلماء، هذا المشتبه الذى فيه وجه من الحل، وفيه وجه من الحرمة وأنا لا أستطيع أن أفرق بينهما فى هذه الحالة أستفتى قلبى، ولكن حين يقول الله تعالى:” وأحل الله البيع وحرم الربا” فهل أشتقتى قلبى فى ذلك؟! ولما يقول القرآن: “ولا تقربوا الزنا” أستفتى قلبى؟! فاستفتاء القلب فى الأمور المشتبهات وليس فى الأمور المقطعية العامة.
الشريعة والقانون
* ما رأى فضيلتكم فيمن يتبنى آراء فقهية من شأنها أن تصطدم مع القوانين المعمول بها فى البلاد، والزعم بأن الشريعة والقانون ضدان لا يلتقيان فى كثير من الأحكام؟.
** الشريعة والقانون يلتقيان فى أكثر من تسعين فى المائة، كل الذى فيه خلاف هى الحدود، وحين تضع شروط الإسلام وشروط الفقهاء فى الحدود قلما تتوفر فى أحدها. الحديث فى السنة “أن امرأة من خثعم زنت وهى متزوجة وجاءت النبى عليه الصلاة والسلام فأمر برحمها، هى تريد أن تتطهر بالحد، وفى بعض الروايات يقول فأراد أن يردها، فقالت له أتريد أن تردنى كما رددت ماعز، الذى قال له الرسول لعلك لعلك حتى قال لأصحابه عليه الصلاة والسلام: أبه سكر؟ أبه جنون؟ وحين أرادوا أن يقيموا عليه الحد هرب، فقال لهم هلا تركتموه، فلما قالت السيدة ذلك وجدها حبلى، فقال لها اذهبى حتى تضعى حملك، لأنه من قواعد الفقه لا يجوز التعدى فى الحدود، فأنت ستقيم عليها الحد فما ذنب الجنين؟ ولما وضعت وجاءت، قال لها افطميه.. كل ذلك يؤكد أن نبى الإسلام ليس تواقا لإقامة الحدود، ولو أنها ذهبت ولم تعد فلن يبحث عنها، والخلفاء كانوا إذا جاءهم من ارتكب ما يستوجب الحد يلقونه الإنكار، يعنى يقول له سرقت قل لا! وبوب الفقهاء بابا بأنه يستحب أن تلقن الذى ارتكب حدا الإنكار. فتقول له لعلك لم تسرق، لعلك لم تزنى.. يعنى القضية فى الحدود ليست كما يظن البعض أن الإسلام يريد أن يقطع الأيدى ويزهق الأنفس كما يروح الآن.
حكم الحاكم يرفع الخلاف
* ما زال البعض يفتى بحرمة فوائد البنوك رغم استقرار الفتوى الرسمية على حلها، فما قول فضيلتكم فى هؤلاء؟.
لا يجرؤ فقيه فى أى عصر أن ينكر حرمة الربا، ولكن ما هو الربا؟.. فالذين يقولون إن فوائد البنوك ليست حراما لأنهم لا يرونها من الربا، فيدخلون هذه التعاملات فى باب المضاربة أو يسمونها عقدا جديدا مستحدثا، والذين يقولون بأنها حرام يقولون إنها ربا، لكن حكم الحاكم يرفع الخلاف، فما دامت الدولة تبنت الرأى القائل بأن فوائد البنوك حلال، فلا يجوز أن نخرج عن هذا ونقول إنها حرام.
تجديد الخطاب
* ما هو المفهوم الحقيقى لتجديد الخطاب الدينى، وهل الأزهر وحده هو المسؤول عن ذلك؟.
** أولا تجديد الخطاب الدينى مسؤولية مؤسسات عديدة على رأسها الأزهر الشريف، ووزارات الأوقاف والثقافة والتربية والتعليم وكذلك الإعلام.. الدولة كلها مسؤولة عن تجديد الخطاب الدينى، لكن السؤال: ما المراد من تجديد الخطاب الدينى، فلو حضرتك عملت الآن استفتاء بين المؤسسات وقلت لهم ما هو تجديد الخطاب الدينى، لوجدت كل ينضح من حصيلة عقله، فالمفترض أولا ان تكون هناك مجموعة ونخبة من رجال الفكر وعلماء الشريعة ورجال الثقافة ورجال التعليم تجتمع فى ورشة عمل لتعريف المراد من تجديد الخطاب الدينى، وآلية التجديد، وهذا للأسف لم يحدث إلى الآن. ولذلك كل إنسان يتكلم الآن عن تجديد الخطاب الدينى من وجهة نظره، والبعض يتصور أن التجديد فى خطبة الجمعة والآخر يرى أن نأتى على كتاب طويل فى الشريعة فنختصره، وثالث يرى أن التجديد هو التحلل من الدين، ورابع يرى أن التجديد هو الإطاحة بالتراث كله، فلابد أن نجلس أولا ونحدد أمرين: ماهو التجديد الذى نريده، وثانيا آليات هذا التجديد. والبعض يعتقد أن التجديد يتم بين عشية وضحاها، لكن هذا الأمر يحتاج إلى وقت طويل، لأن هناك أفكارها ترسخت فى عقول الناس لسنوات عديدة، وكما يقول الإمام أبو حامد الغزالى: الخروج على المألوف صعب.
جذب الشباب
* ما هى أهم المعوقات من وجهة نظركم لجذب الشباب نحو عالم الدين المتخصص؟.
** أولا لابد أن نعترف ان كثيرين من العلماء المتخصصين لا يجارون الواقع، ولذلك أنت حين تنظر ببعض الدعاة الذين هم غير متخصصين وليسوا علماء اجتذبوا الشباب، نحن نريد زادا من الثقافة الإسلامية للناس، حتى لا ينجذبوا لغير المتخصصين الذين يروحون لهم القصص والحواديت التى لا تثمر، فالذى يثمر عند الناس أن ترسخ عندهم الأحكام الشرعية القيمة، وأن تتحرك هذه الأحكام في المجتمع، إنما أن يتحول الدين إلى قصص، فذلك لا يجدى، لذلك بالأمانة قد أأحسنت وزارة الأوقاف صنعا حين جعلت الخطبة موحدة، لأنها أحكمت إلى قدر كبير إن كل خطيب يشطح هنا أو هناك.. فلم نعد نسمع القصص مرحبا الحواديت على المنابر، ولك أن تتخيل أن الدكتور مصطفى محمود ألحد بسبب خطبة سمعها فى مسجد، وقد سجل هذا فى مذكراته. والآن مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، الشباب يريد أن يسمع ما يقنعه، وما يلبى مشاعره، فإذا كان الخطاب ليس مقنعا للعقل، فإن الشباب ينصرف إلى النت. والنت فيه ما هب ودب، فالواعظ الدينى لا بد أن يتمتع بقدر كبير من الخطاب العقلة وبقدر كبير من الخطاب الوجدان.
* متى يستطيع طالب العلم أن يقرأ ويفهم وحده دون الرجوع إلى أستاذه؟.
** إذا صلحت المناهج التعليمية، فإن الطالب الأزهرى بعد أن يتخرج من الكلية المفترض أنه حصل على الأدوات العلمية التى تؤهله أن يقرأ وحده، وانا اذكر كلمة لأحد المشايخ أظنه الشيخ أبو موسى قال لنا: كل من لم يدرس الثانوية الأزهرية فهو لقيط على العلم الدينى” لأنك فى الثانوية الأزهرية أنت تدرس أكثر من الجامعة، فيكون عندك زاد كبير جدا من الثقافة اللغوية فتدرس النحو والصرف والبلاغة والأدب والشعر فى المرحلة الثانوية، فإذا عادت المناهج الأزهرية إلى طبيعتها اللغوية الأصيلة وإلى طبيعتها العقلية الراسخة، فإنها تخرج عالما أو تخرج طالبا يستطيع في المستقبل أن يكون مفكرا.
* مظاهر التفسخ الاجتماعى والأخلاقى فى بلاد المسلمين، هل يتحملها الخطاب الدينى وحده؟.
** لا.. نحن لا نستطيع أن نظلم الخطاب الدينى وحده، ولكن الخطاب الدينى جزء من هذا، لكن هناك تيارات والدة، وهناك انتشار مواقع ساعدت على هذا التفسخ الأخلاقى.
لكن نعود للنقطة الأساسية وهى أن الأسرة تحصن، فإن أردت أن ابنك لا ينظر لمواقع جنسية إباحية وخلافه، فأنت تحصنه من النواحى الدينية والتربوية والأخلاقية، فتلقن ابنك كل هذه المبادئ ثم تتركه، وأنت ترى بنفسك ذلك فى الشارع، فمثلا تجد خمسة أولاد.. أربعة منهم يريدون معاكسة البنات فى الشارع وواحد بتركهم ويذهب بعيدا عنهم، فتشعر أنه من بيت تربى فيه على أن هذا عيب، فنواة المجتمع هى الأسرة. فكل البيوت حتى على اختلاف الدين إذا نشأت أولادها على القيم والمبادئ، فلن تجد تفسخا اجتماعيا.
* هل ترى فضيلتكم أن المؤسسة الدينية يمكن أن تقوم بدور أفضل كثيرا مما تقوم به الآن لتحصين الشباب ضد مخاطر عديدة أهمها التطرف والإرهاب وإدمان المخدرات، والأمية الدينية لدى كثير من أدعياء العلم والثقافة؟.
** نعم بالفعل.. ربنا يمكن أن تقوم المؤسسة الدينية بأضعاف أضعاف ما تق م به الآن بتحصين الشباب، من إصلاح المناهج العلمية ومن تجديد الخطاب الدينى ومن إخراج العقلية العلمية، لذلك ينبغى حين نعين معيدين فى الجامعة خصوصا فى الكليات الشرعية لابد أن يخضع لكشف هيئة، ولابد أن يخضع لاختبارات ذكاء، وليس الفيصل فقط انه حاصل على أعلى مجموع أو هو الأول على الدفعة، لكن لابد من اختبار الشخصية واختبار الفكر ولازم أشوف إن هذا المعيد حين يقف أمام الطلبة سيكون لديه كاريزما تقنعهم، فهناك متفوقون ولكنهم لا يجيدون الكلام وليس لديهم القدرة على توصيل المعلومة، وليس لديهم وسائل الإقناع.
أباطيل العلمانيبن
* ما ردكم على أباطيل العلمانيين التى يصمون بها علماء الأزهر الشريف زورا وبهتانا وقولهم بأن مناهج الأزهر تخرج الإرهابيين مستندين إلى تورط قلة من المنتسبين للأزهر الشريف فى بعض الأحداث الإرهابية؟.
** أولا القاعدة العقلية: “إن النادر لا حكم له”ة، ثم إن محمد عبده الذى يفتخر به العلمانيون والتنويريون أليس أزهريا؟! والشيخ المراغى أليس أزهريا، والشيخ محمود شلتوت من القمم العالية التى جاءت فى تاريخ الأزهر، الشيخ عبد الحليم محمود.. ربنا الشيخ الشعراوي.. الشيخ أحمد الطيب.. كل هؤلاء من قمم الأزهر، حتى سعد زغلول كان أزهريا.. حتى النخبة من القادة السوريين كانوا من علماء الأزهر، فالقمم من المفكرين والكتاب تخرجوا فى الأزهر وكلهم كانوا مصلحين، أما هؤلاء النفر القليل من الإرهابيين ستجدهم فى تكوينهم الفكرى خرجوا عن منهج الأزهر، يعنى عمر عبد الرحمن مثلا.. تزاور النقل عنه أنه كان يحفظ ظلال القرآن لسيد قطب، فهل الظلال فى منهج الأزهر؟! فبالتالى هو نتاج فكر خاص به وخرج به عن منهج الأزهر، فما ذنب الأزهر فى ذلك؟ وقد خرج بما اعتنقه من أفكار عن مفهوم المنهج او النخبة الأزهرية عبر القرون؟.. فلو ان عندى طالب الآن أدرس له المناهج الأزهرية، ثم هو لحاجة أو لأخرى ارتبط بجماعة خارج الأزهر، وقرأ معهم الظلال أو معالم فى الطريق لسيد قطب، فإذا أنا عرفت، فيجب على أن أعيده إلى المنهج الأزهرى، أما إذا شذ وخرج، فإن العلماء يقولون إن النادر لا حكم له، والشاذ لا يقاس عليه، وعلى مدى تاريخ الأزهر خرج مئات الملايين، فمين نجد الأن هؤلاء الشواذ، فمن الظلم أن نهدم بهم تا يخ الأزهر، ولك أن تعلم أن منهج الأزهر يعلم أمرين: يعلمك الثروة اللغوية التى تجعلك تنتمى إلى عروبتك وإلى وطنك، ويعلمك الفكر العقلى المستنير الذى تستطيع من خلاله أن تواجه الأفكار المنحرفة.
* الحديث مع فضيلتكم شيق وممتع ولا نريد أن ننهيه، ويبقى أن نترك لك حرية أن تختم هذا الحوار بما تريد أن تقول؟.
** كل ما آمله فى الحياة أن نجدد المناهج التعليمية فى الأزهر، وفى غير الأزهر، وأن نخرج نماذج من الأزهر تعود به إلى سيرته الأولى، وهذا ممكن وليس صعبا، فيمكن أن نعيد إنتاج الشيخ الغزالى والشيخ دراز وعبد الحليم محمود وشلتوت والمراغى ومحمد عبده وعبد المجيد سليم وبخيت المطيعى.. فى تقديرى هذا ممكن، ولكن بإصلاح المناهج أولا.