فرض المولى -عزّ وجلّ- على عباده فريضة الصوم، وجعل غاية ذلك تحقيق التّقوى بقلوب عباده.
وجاء تشريع زكاة الفطر في آخر شهر رمضان المبارك ليكشف هذا التّشريع عن رحمة الله بعباده، وتفضّله عليهم بتسهيل الطريق لهم لقبول صومهم، وتحصيل تمام أجره وثوابه.
ذلك أنّ الصائم قد يسهو أو يغفل، فتأتي صدقة الفطر تنقيةً لصيام العبد ممّا يكون قد شابه من غفلةٍ أو تقصيرٍ أو سهوٍ أو إثمٍ، وهو كذلك تطهير للصائم ممّا أصابه من لغو الكلام أثناء صيامه.
ويُظهر تشريع زكاة الفطر رحمة الإسلام بالفقراء والمساكين والمحتاجين، خاصّة في أيام الفرح والسّرور بإتمام طاعة مفروضة، وإقبالهم على عيد الفطر، لتكون صدقة الفطر سبباً في إدخال السرور والبهجة على نفوسهم، وسدّاً لاحتياجاتهم الكثيرة.
وصدقة الفطر إعلانُ شكرٍ لله -تعالى- على ما وفّق به عباده من إتمام فريضة الصيام، وقد تناول الفقهاء قديماً وحديثاً أحكام زكاة الفطر، وذلك لتشعّب أحكامها ومسائلها، ويتساءل النّاس عادة في شهر رمضان عن أحكام زكاة الفطر، وهل يجوز إخراجها نقداً؟
وتعدّدت المذاهب الفقهية في مسألة جواز إخراج زكاة الفطر نقداً، وذلك تبعاً لاختلاف فهم الفقهاء لدلالات النّصوص الشرعية الواردة في المسألة، ويكشف استقراء أقوال أهل العلم لهذا الموضوع عن ثلاثة آراء؛ هي: الجواز والمنع والجواز بشروط، وبيان ذلك فيما يأتي: الرأي الأول: تحريم ومنع إخراج القيمة نقداً، وهذا مذهب جمهور العلماء، واستنادهم في ذلك حديث رسول الله: (كنا نخرج زكاةَ الفطرِ صاعاً من طعامٍ، أو صاعاً من شعيرٍ، أو صاعاً من تمرٍ، أو صاعاً من أَقِطٍ، أو صاعاً من زبيبٍ).
الرأي الثاني: جواز وإباحة إخراج القيمة نقداً، وهذا مذهب السادة الحنفية وغيرهم، مثل: الثوريّ، والبخاري، وعمر بن عبدالعزيز، والحسن البصريّ، الحافظ ابن أبي شيبة، واستدلوا بسكوت النبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- والمسكوت عنه مُباح، حيث إنّ معاذاً بن جبل-رضي الله عنه- أخذ من أهل اليمن اللبيس والثياب، وعلّل ذلك بأنّه أنفع وأصلح للفقراء من أصحاب رسول الله، وإلى هذا الرأي ذهب الإمام القرطبي، حيث رأى أنّ العبرة بسداد حاجة الفقراء والمحتاجين.
الرأي الثالث: جواز إخراج القيمة نقداً إذا كان المال يحقّق مصلحة الفقير أو دعتْ له الحاجة، وهو رأي الإمام ابن تيمية رحمه الله، حيث ذهب إلى مشروعيّة ذلك تحقيقاً للعدل واعتباراً للحاجة والمصلحة الرّاجحة، ويُرجّح هذا القول لجمعه بين الأدلة وتحقيق مقاصد الإسلام، حيث إنّ حال كثير من النّاس في هذا الزمن الاحتياج إلى المال أكثر من حاجتهم للطعام، وذلك لتعدّد التزامات المعيشة.
لغة واصطلاح
بيّن العلماء المقصود بالزكاة لغةً واصطلاحاً؛ وفيما يأتي بيان ذلك: تعريف الزّكاة لغةً: الزّكاة في اللغة لها عدّة معانٍ؛ وهي مصدر زَكَوَ، وجمعها زَكَوات، وبيان دلالاتها على النحو الآتي: التّطهير؛ فالزكاة تعني تطهيرالمال ممّا عَلِق به من شوائب الحرام دون قصد من المسلم، وتصريفات هذا المعنى هي: زَكَى يُزَكِّي تَزكيةً.
الصّلاح؛ فيُقال للرّجل: زَكِيٌّ؛ أي أنّه رجلٌ تقيّ صاحب صلاحٍ، وأزكِياء؛ أي: أتقياء صالحون.
النّماء؛ فيُقال: زكَا النّبتُ والزّرع يزكو زكاءً؛ أي: ازداد وكثُر ونما، وكلّ ما ازداد ونما وكثُر فهو زكيّ.
الأفضل والألْيَق؛ فيُقال: هذا الأمر لا يزكو؛ أي أنّه لا يليق.
تعريف الزكاة اصطلاحاً ونسبتها للفطر: الزّكاة اصطلاحاً: هي عبادة مفروضة يؤدّيها المسلم القادر لله -سبحانه- بإخراج جزء من مال مخصوص شرعاً، لطائفة مخصوصة، بشروطٍ وضوابطٍ مخصوصةٍ.
زكاة الفطر: تسمّى عند العلماء زكاة البدن؛ وهي صدقة الفطر من شهر رمضان المبارك، وإضافة الزّكاة إلى الفطر؛ لأنّ الفطر سببُ وجوبها، وتعريفها في الاصطلاح بأنّها صدقة فرضها رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وتجب بالفطر من شهر رمضان على جميع من يجب على مخرجها نفقتهم بشروطٍ وأحكامٍ مخصوصةٍ.
أحكام زكاة الفطر
إنّ لزكاة الفطر أحكام وشروط ينبغي التنبيه إليها، ومن أهمّها: وجوب زكاة الفطر: تجب زكاة الفطر على كلّ فرد مسلم قادر على إخراجها، سواءً كان صغيراً أو كبيراً، ذكراً كان أو أنثى، فقد صحّ في الحديث: (فرَض رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- زكاةَ الفِطرِ، صاعاً من تمرٍ أو صاعاً من شعيرٍ، على العبدِ والحرِّ، والذكرِ والأنثى، والصغيرِ والكبيرِ من المسلمينَ، وأمَر بها أن تؤدَّى قبلَ خروجِ الناسِ إلى الصلاةِ).
لذا يجب على المسلم القادر إخراجها عن نفسه، وعن كلّ من تجب عليه نفقتهم؛ مثل: الزوجة والأبناء ذكوراً وإناثاً، والأب والأم، وتجب على المولود الذي يُولد قبل صلاة العيد؛ فتُخرجُ عنه.
وقت إخراجها: من غروب شمس ليلة عيد الفطر، ويمتدّ إلى ما قبل الشروع في صلاة العيد، ففي الحديث الصحيح أخبرعبدالله بن عمر -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- قال: (أمَر بزكاةِ الفِطرِ، قبلَ خروجِ الناسِ إلى الصلاةِ)، وأفتى أهل العلم بجواز إخراجها أيام شهر رمضان من باب تحقيق مصلحة الفقراء والمحتاجين.
ومقدارها: القدر الواجب في زكاة الفطر صاعاً من غالب قوت أهل البلد سواءً كان صاع من القمح، أو الشعير، أو التمر، أو الزبيب، أو الأقط، أو الأرز، أو دقيق القمح، أو ما هو في حكمه، والصاع كما هو مقرّر عند أهل العلم أربعة أمداد، ومقدار المدّ يكون بملء كفّي الرجل معتدل اليدين، وعليه فالصاع يعادل اثنين ونصف كيلو غرام.