تتجدَّد فى مثل هذا التوقيت من كل عام ملحمة الثانوية العامة! بما تحمله من رفع حالة الطوارئ، على مختلف المستويات، الأسرية والعائلية والحكومية، ليس طوارئ مادية ومالية وجسدية فحسب، بل طوارئ نفسية وعصبية، وحالة من الضغوط والتوتر والقلق تنتاب كل أفراد المجتمع المصرى، وليس البيت الذى يضم ضمن أعضائه أحد عناصر أو أبطال تلك الملحمة، وأقصد بهم الطلبة، فهم الأبطال الحقيقيون أو اللاعبون الرئيسيون، ومعهم بالطبع أولياء الأمور، الذين يعيشون طوال العام الدراسى على قَدَمٍ واحدة!
وتقريبا معظم- إن لم تكن كل- البيوت المصرية مهمومة بهذه “السنوية” خاصة إذا عرفنا أن من يدخلون الامتحانات من الطلبة يزيد عددهم عن النصف مليون، وهذا عدد بعض دول الجوار من حيث سكانها! وبالتالى فإن كل بيت مصرى لابد وأنه مشترك فى هذا الهمِّ السنوى.
وحقيقة، لا أعرف منذ متى تحديدا تحوَّلت هذه “الثانوية” لتحمل لقب “ملحمة” أو معركة أو حتى ماراثون، فقد عشنا هذه المرحلة فى ثمانينيات القرن الماضى، ولم نشعر بصعوبة هذه المعركة، بل على العكس تماما، كنا نشعر بالمسئولية تجاه هذه المرحلة المهمة فى حياتنا، باعتبارها نقطة تحوّل، أو طريق محورى أو مفصلى فى مسيرة الحياة، وإن كانت هناك بعض الرهبة والتخوّف ليس إلا، من مجرد عدم إثبات الذات أو ألا يكون الإنسان على قدر المسئولية التى وضع نفسه- أو وضعته الظروف- فيها.
والحمد لله الذى أكرمنى بثقة وثبات ويقين ساعدنى على تجاوز هذه المرحلة، بعد أن أدَّيت ما علىَّ، مُوقِنًا أن الله لن يضيع تعبى ومجهودى، فضلا عن جهود ودعاء والدتى- رحمها الله- ووقوفها بجوارى، حتى كان ما أراده الله تعالى لى من فضله وكرمه، حتى وصلت إلى ما أنا فيه الآن من فضل وكرم ربى، الذى لا أستطيع إحصاءه أو نسيانه “وإن تعُدّوا نعمة الله لا تُحصوها”.
أذكر هذا الآن لأننى أسترجعه مع ابنى ياسين، الذى يخوض غمار هذه المرحلة اليوم، بعد عامين من مرور ابنتى “حنين” بها من قبل، وأريد أن أُنَبِّه بل أُحَذِّر أولياء الأمور من إشاعة جو وحالة الطوارئ، والشدّ العصبى والتوتر والقلق الذى تعيشه الأُسر المصرية بسبب هذا “البُعْبُع” المخيف، لأن هذا لاشك ينعكس سلبا على مزاج و”مود” الطالب.
ونفس الرجاء من الإعلام بمختلف وسائله وأدواته، ألا يجعل من الثانوية وَحْشًا أو عدّوا، فيُسلِّط عليه الضوء خلاف غيرها من المراحل التعليمية، فهناك تُقام بالتوازى امتحانات الثانوية الأزهرية، ومع ذلك لا تحظى بذات الاهتمام أو حتى المتابعة!
فبأيدينا نصنع الهدوء والاستقرار، أو القلق والتوتر، وهذا درس لنا فى جميع أمور حياتنا، يجب أن نتعلَّمه ونطبِّقه عمليا.
لكن هذا لا يمنع أن أدعو لأبنائنا جميعا بالتوفيق والسداد، فى هذه المرحلة الدقيقة من حياتهم، وفى كل أمورهم مستقبلا، فهم ثروتنا وذُخرنا الذى ننتظره ونعدّه للعبور إلى المستقبل.
وفَّقكم الله، وحقّق لكم كل ما تتمنّون، ونلقاكم بعد أشهر قليلة فى أماكنكم الجامعية، ناجحين متفوقين، تتحمّلون مسئولية وطنكم.