مصر- السيسى.. تربط الماضى بالحاضر والمستقبل برؤية جديدة
التوترات الدينية “فخ” الأعداء لإسقاط الشعوب.. و”الوعى” حائط الصد ضد الانهيار
التعاون بين المؤسسات الدينية الإسلامية- المسيحية يؤكد قيم العيش المشترك
حوار: مصطفى ياسين
تصوير: أحمد السعداوى
أكد د. القس أندريه زكى- رئيس الطائفة الإنجيلية، رئيس الهيئة القبطية للخدمات الاجتماعية- أن الوحدة الوطنية المصرية “سبيكة” عصيَّة على الكسر بفضل وعى وتماسك النسيج المصرى، الذى زاد توهّجًا وترسُّخًا فى الفترة الأخيرة لما يمارسه ويُطبّقه الرئيس عبدالفتاح السيسى من مواطنة حقيقية وليست مجرد شعارات أو كلمات تُقال، وأثمرت “اللُّحمة الوطنية”.
أشار إلى أن إنجازات دولة 30 يونيه كانت حُلمًا فصارت حقيقة واقعة، وأن مستقبل مصر مرهون بتماسك كل أبنائها ووعيهم، مُحذِّرا من “فخ” التوترات الدينية الذى يصنعه الأعداء لإسقاط الشعوب والدول، مردِّدًا أن “المتغطى بالأجنبى عُريان”.
وفيما يلى نص الحوار الذى أُجرى معه.
*ما هو الدور الذى قامت به الطائفة والهيئة الإنجيلية، باعتبارك رئيسا للجهتين، فى إطار تجفيف منابع التوترات الدينية وخلق نوع من التسامح والعيش المشترك؟
** نحن نهتم بشكل كبير جدا بالسلام المجتمعى، فعلى مستوى الطائفة نساعد عددا كبيرا جدا من كنائسنا على أن تهتم بخدمة المجتمع ككل، لأن أى جماعة تقدِّم خدمة للمجتمع هى تبنى جسورا معه، فمثلا فى أحداث كورونا الأخيرة، كان هناك عدد كبير من الكنائس يقدِّم خدماته للمجتمع ككل، يقدِّمون كراتين أطعمة، مُطهِّرات، توعية ونصح وإرشاد للناس فى التعامل مع الوباء، ولم تكن محصورة على شعب الكنيسة بل كانت للمجتمع المحيط كله، وهذا فى حدِّ ذاته خطوة مهمة للغاية.
وكثير من الكنائس تقوم بعمل أنشطة اجتماعية لخدمة المجتمع ككل، وكثير من الندوات التى تنظّمها الكنائس تكون بالتعاون مع الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف فهى للمجتمع المحيط، وتجد علاقات وثيقة بين الشيوخ والقساوسة. والكنيسة الإنجيلية تهتم كثيرا بموضوع العيش المشترك.
أما الهيئة الإنجيلية، فهى سواء على مستوى التنمية أو الحوار تشارك بفاعلية فى دعم “العيش المشترك”، وفى المؤتمرات التى تُطرح فيها القضايا التى يجب مناقشتها والتعامل معها بعمق وغنى فكرى، والمنتدى يجمع الشيوخ والأئمة والقساوسة وشباب الأكاديميين والدعاة، بهدف خلق مناخ حقيقى للحوار.
وكثيرا ما نسمع عن قصص ومبادرات قام بها الشيوخ والقساوسة، من المشاركين فى المنتدى، فى مجتمعاتهم المحلية، ويتبادلون العلاقات والزيارات، والتفاهم فى كثير من قضايا المجتمع.
فنحن نهتم ببناء اللُّحمة الوطنية، والإسهام بدورنا فى إقامة مجتمع السلامة، العيش المشترك، قبول الآخر، حيث أن التنوّع قوّة إيجابية وليست سلبية.
كلام مغرض
* لكن هناك البعض الذى يُشكِّك فى هذه الجهود ويروّج بوجود أهداف أخرى مستترة، كـ”التبشير” وغيره؟
** هذا كلام مغرض، فالهيئة عمرها أكثر من 70 عاما، وجزء من قوَّتها فى مصداقيتها، وجزء من تأثيرها فى المجتمع الشفافية التى تتمتع بها، ونحن ضد توظيف الأمور فى غير معناها، أو استخدام التنمية أو الحوار أو غيره من الأنشطة لأهداف أو أجندات فرعية أو خاصة، فهذا عمل لا يليق، وكل من يقوم به لا يحترم الناس، فاحترام المصداقية والناس عمل جوهرى وأساسى، واستخدام المعونات لخداع الناس هذا أمر غير لائق ومرفوض شكلا وموضوعا، ونحن ضده، فإذا كنَّا ضدّه فنؤكد أنه مرفوض تماما، فالتنمية هى للإنسان دون النظر إلى دينه أو لونه أو جنسه، وحينما نقيم البرامج فهى لخدمة الجميع، و70 عاما من التنمية، و30 عاما من الحوار، كافية أن تثبت أن هذه ادّعاءات وأكاذيب، وأننا نخدم الناس لأنهم يستحقّون الخدمة بعيدا عن دينهم أو لونهم أو جنسهم.
ثمار 70 عاما
*وما هى ثمرة الـ70 عاما من عمر الهيئة؟
** أزعم أننا وصلنا إلى عشرات الملايين من المصريين، مسلمين ومسيحيين، وقدَّمنا خدمات تنموية على مستويات عديدة، بدءًا من المشروعات الصغيرة إلى مشروعات الإسكان، الإرشاد الزراعى، الزراعة النظيفة، العمل مع ذوى الاحتياجات الخاصة، قضايا التعليم والصحة بتنوّعاتها، وعِمالة الأطفال وغيرها من القضايا التى وصلت إلى عشرات الملايين، فمتوسِّط ما نخدمهم سنويا يصل لـ 3 ملايين مواطن، وأنا شخصيا أشعر بسعادة بالغة حينما أزور مجتمعات نعمل فيها وأرى تأثير التنمية المستدامة على جموع المواطنين، مسلمين ومسيحيين معا، فى بناء مجتمع جيّد، العيش فيه متطور ومقبول.
وبالتالى أشكر الله أولا، والدولة المصرية بجميع أجهزتها، وشركاءنا الداعمين والمتبرّعين والمساندين والمساعدين، حتى استطعنا الوصول لملايين الناس عبر هذه السنوات.
تعاون عميق
*أشرت إلى تعاونكم مع الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء، فما هى مجالات ذلك التعاون وثماره؟
** تعاوننا هو تعاون عميق للغاية، فنحن نعمل على عدة مستويات مع المؤسسات الدينية، سواء الإسلامية أو الكنائس بجميع طوائفها فى مصر، فهناك برنامج شباب الأئمة والقسوس، لأن الشباب متحمِّس ولديه رغبة فى التغيير والبناء، وينظر عامة للمستقبل بشئ من التفاؤل، وإن كان بعضه ينظر بشئ من عدم التفاؤل، وقد لعب هذا البرنامج دورا مهما جدا فى بناء نماذج وطنية تؤكد قيم العيش المشترك وتدعو إلى التفاؤل فى المجتمع المصرى.
السياق الآخر من التعاون يتمثل فى برنامج الراهبات والواعظات والداعيات، بالتنسيق مع الأوقاف والمجلس القومى للمرأة، فالمرأة لها تأثير كبير جدا، وخصوصا الداعيات والواعظات والراهبات، لأنهن يلعبن دورا كبيرا جدا فى مجال توعية المجتمع، وهذا من برامجنا الناجحة جدا.
أيضا فى حواراتنا الدولية دائما تكون القيادات الدينية، المسلمة والمسيحية، ممثَّلة لأنها تعطى معنى عميقا للوحدة الوطنية وتأثيرا كبيرا فى الداخل والخارج.
فالتعاون على مجالات عديدة فى الحوار، وأيضا فى برامج التنمية على المستوى المحلى، يشارك فيها الشيوخ والعُمَد والقسوس، نظرا لاهتمامنا ببناء اللُّحمة الوطنية.
حلم كبير يتحقق
*وكيف ترى الواقع الحالى مما تشهده مصر من إنجازات ومشاريع بسواعد وعقول مصرية؟
** هو حلم كبير يتحقق، ومصر تتغير بطريقة غير مسبوقة، ففى الوقت الذى تُخلَق فيه بنيَّة تحتية جبَّارة، أيضا تتحوَّل الصحراء إلى ذهب، إقامة مدن جديدة تزيد قيمة الرأسمال والقيمة السوقية للمتلكات المصرية، فى ذات الوقت هناك آلاف الأفدنة الزراعية والصناعات والمصانع الجديدة، فترى البنيَّة التحتيّة والزراعة والصناعة والتطوّر الاقتصادى، لكن أيضا ترى على الجانب الآخر القوة العسكرية التى تتكوّن من خلال بناء القوَّات المسلَّحة كقوّة حامية رادعة، تلعب دورا كبيرا فى تحقيق أمن وسلام وحقوق مصر، وترى الشرطة المصرية تستعيد عافيتها وتصبح قادرة على حفظ الأمن والأمان فى البلاد، ترى لُحمة وطنية وقبولا للآخر، ورغبة شديدة فى العيش المشترك، صحيح هناك بعض المشاكل والتحديات، فأنا لا أرسم صورة وردية، لكنى أرى الصورة كما أشاهدها أمامى، وهذا لا يمنع من وجود بعض التحديات التى تدفع لمزيد من العمل.
فأرى بلادى تتقدّم على المستوى المادى والمعنوى، ورأيت فى احتفال نقل المومياوات لمسة حضارية جميلة، فمصر التى تزرع المليون ونصف مليون فدان، وتبنى آلاف الطرق والكبارى، وتقيم المدن الجديدة، وتنشئ قناة السويس الجديدة، وثورة صناعية واقتصادية تعود إلى التاريخ وعبقه وتربط الماضى بالحاضر بالمستقبل برؤية جديدة، فهذه هى مصر التى أراها.
الإنسان فى الأديان
*هذه مصر التى نراها جميعا الآن، نفسها التى كانت تعانى منذ عقود حالة تهميش اجتماعى وتفاوت طبقى، باعتبارك رجل دين، كيف عالجت الأديان ذلك؟
** الأديان دائما تدعو إلى ان البشر متساوون فى القيمة، ولكنها تؤكد أيضا وجود فروق بين البشر ليست طَبَقِيِّة وإنما نتيجة الاجتهاد من عدمه، فلا تستطيع المساواة بين شخص يعمل 15 ساعة وآخر يعمل ساعتين، شخص يذهب للقراءة والفكر والبحث وآخر لا يقرأ صفحة كل عام، بالتأكيد أن البشر متساوون أمام الله هذا أمر لا نقاش فيه، ولكن الفرق بين شخص وآخر، بل أمَّة وأخرى، هو العمل والجدِّيَّة والكفاح والعَرَق من أجل بناء المستقبل.
فالأديان تعطينا الأرضية الأساسية أننا جميعا “واحد” وأبناء آدم وحواء، متساوون أمام الله، وقيمتنا وكرامتنا يجب ألا تُمَسّ، ولكن أيضا تشجِّعنا على العمل والاجتهاد.
وبالتالى اتصوَّر للتعامل مع الفوارق، أن أحد أهم مصادرها هو العمل الذى يُقَلِّل الفوارق، فأنت قد تعطى مِنَحًا وقد يكون من شأنها أن تؤثِّر سلبا وليس إيجابا، والمثل الصينى الشهير (لا تعطنى سمكة ولكن علِّمنى كيف أصطاد)، فالأديان تدعو إلى العمل، الكفاح، الجدِّيَّة، الانضباط، الأمانة، الخير، فكل هذه القيم هى التى تصنع مجتمعا متقدِّمًا، وهى التى تُقلِّص الفوارق بين الناس وبعضها.
المواطنة
*هذا يحيلنا إلى دراستك عن “الإسلام السياسى والمواطنة والأقليات”، فكيف تكون المواطنة الحقَّة؟ وما هو دورها فى تنمية المجتمع ورُقِيَّه؟
** المواطنة فى اعتقادى ليست قرارا سياديا وإنما هى تتحقّق حينما يُكافح الناس معا من أجل أن يصير العيش المشترك ممكنًا.
ويجب ألا تُحصر المواطنة فى المفهوم السياسى فقط، فبعض الناس يتكلّمون عنها بهذا المنظور الضيّق وهو انتقاص منها، فالمواطنة هى مفهوم شامل، وأن يكون لدى الناس فُرَصٌ متساوية فى التعامل مع الثروة ومصادر الدخل، فرص متكافئة فى الحياة الاجتماعية، فالمواطنة بجانب كونها سياسية، هى أيضا اجتماعية واقتصادية وترتبط بالعدالة والجماعة ككل، فهى ليست فكرة بل ممارسة، لذا حينما نقول بأن الرئيس السيسى يحقق المواطنة على أرض الواقع، هو يحقّقها بمجموعة من الأفعال وليس الكلمات، وبالتالى فهى تتحقق بالفعل والعبور إلى الآخر واحترامه واحترام الاختلاف معه وتأكي القيم المشتركة.
وبالتالى، أنا دراستى للمواطنة أن أى جماعة إذا أرادت أن تعيش حياة المواطنة عليها أن تكافح مع شركائها، تعمل معا، فالمواطنة تتحقق بالفعل وليس بالكلام.
تطبيق عملى
*وهذا ما نؤكده بأن المصريين استطاعوا تحقيق المواطنة بمواجهتهم لحملات الفتنة، فمتى ننتهى من الحديث عن الفتنة الطائفية للأبد؟
** بداية لا أُحَبِّذ تعبير فتنة طائفية وإنما أقول “التوتّرات الدينية”، وهى لن تنتهى للأبد، فهل سينتهى المتطرفون؟ أو الذين يدبِّرون المؤامرات والرغبة فى شقِّ النسيج الوطنى؟ لكن الأهم هو أن نكون “واعيين” بها، ونعرف أسبابها، ونتعامل معها ونُقلِّلها على قدر الاستطاعة، ولا نستمع لأصحاب المزايدات والأجندات الخاصة.
قضية الوعى
*قضية الوعى هذه هى التى يركز عليها الرئيس السيسى فى كل لقاءاته، فكيف نُرَسِّخ الوعى؟ ومن المسئول عن ذلك؟
** هناك مؤسسات كثيرة عليها هذا الدور فى نشر الوعى، منها المؤسسات التعليمية، وكيف تكون الرؤية منذ الطفولة إلى الجامعة، فيجب أن تنشغل ببناء وعى إيجابى.
والثقافة أيضا تلعب دورا كبيرا جدا، ممثَّلة فى الفن والدراما، والكتب.
وكذا المؤسسة الدينية تلعب دورا كبيرا جدا فى الوعظ والإرشاد.
فالمؤسسات الدينية، الإعلامية، الثقافية، والتعليمية، هى من المؤسسات الرئيسية فى بناء وعى جديد متماسك قادر على إدراك تحديات اللحظة الراهنة والعبور إلى المستقبل.
قانون دُوْر العبادة
* على ذكر المؤسسات الدينية، فإلى أين وصل قانون دُوْر العبادة، خاصة وأن هناك العديد من الكنائس تم ترميمها وتطويرها؟
** قانون بناء الكنائس هو من القوانين الجيدة، والتى لعبت دورا مهمًّا فى خلق راحة ودعم السلام المجتمعى، القانون صدر فى 2016، وفى الأربع والخمس سنوات السابقة تم تقنين على ما يزيد عن 30% من الكنائس المتقدِّمة بها كل الكنائس، وأتصور أنه فى الخمس سنوات المقبلة ستكون العملية أسرع، فإذا تم تقنين الكنائس كلها سيكون هذا نقطة إيجابية مهمة جدا، وأتصور أنه واحد من القرارات التاريخية التى ستميِّز عصر الرئيس السيسى.
* وماذا عن قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين، وهم المسيحيين تحديدا؟
** نحن الآن فى المراحل النهائية بالنقاش مع وزارة العدل، وقريبا إن شاء الله ستتقدَّم وزارة العدل بمقترح قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين.
وتقريبا كل الطوائف المسيحية اتفقت على بنود مقترح القانون، أما الاختلافات فكل كنيسة لها بيان ومادة خاصة بها.
الطوائف المسيحية
* وما هى الفوارق بين الطوائف المسيحية؟ هل كبيرة أم ماذا؟
** الكنائس المسيحية الرئيسة فى مصر تتفق فى المواد الرئيسية للإيمان المسيحى، مثل شخص المسيح، الكتاب المقدَّس، معجزات السيد المسيح، الميلاد العذراوى، قضية القيامة، الصليب، وكلها من القضايا الرئيسية التى تتفق عليها الكنائس فى مصر.
أما الاختلافات فترتبط بشكل كبير جدا ببعض مظاهر العبادة والنظام الإدارى، فمثلا الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية لديها نظام بباوى، وهذا غير موجود فى الكنائس الإنجيلية، وهكذا، فالاختلافات ليست جوهرية فى العقيدة ولكنها ترتبط بالعبادة والنظام الإدارى ورؤية الكنيسة ومبناها وغير ذلك.
الإصلاحيون الإنجيليون
*ولماذا يُطلَق على الإنجيلية بأنها حركة إصلاحية؟
** لأن الكنائس الإنجيلية نشأت فى أوروبا فى القرن الـ 16 فى محاولة لإصلاح الكنيسة الكاثوليكية- فى ذلك الوقت- حيث اختلافات بعض وجهات النظر، ولم يكن “مارتن لوثر” يهدف لإنشاء مذهب جديد وإنما إصلاح داخل الكنيسة الكاثوليكية ولكنه لم ينجح فأنشأ مذهبا جديدا سُمِّى بالإصلاح أو الإنجيلية.
الإنجيلية المصرية
* ومتى دخلت إلى مصر؟ وكم عدد كنائسها وأتباعها؟
** فى مصر يعود تاريخها لأكثر من 200 سنة، ولدينا 18 مذهبا تحت رئاسة الطائفة الإنجيلية، 1500 كنيسة محلّيّة، حوالى 2 مليون إنجيلى.
تجديد الخطاب الدينى
*الحديث عن تجديد الخطاب الدينى دائما ما يُوجَّه للدين الإسلامى، فأين الحديث عن تجديد الخطاب الدينى المسيحى؟
** بالتأكيد الخطاب الدينى هو لكل الأديان، سواء كان الإسلامى، المسيحى، اليهودى أو غيرها، فهو خطاب يقرأ النصوص ويفسِّرها ويعيد دفعها إلى اللحظة الراهنة فى المجتمع، هذه العلمية من قراءة النصوص وفهمها من سياقها وإعادة بثِّها للحظة الراهنة هى عملية الخطاب الدينى، وهذه دائما تحتاج إلى تجديد فى: فهم أسباب التنزيل، اللحظة الراهنة.
فإذا لم يكن هناك فهم للسياقات التى جاءت فيها النصوص، والسياقات التى تُطبَّق فيها تلك النصوص يحدث الجمود، وهذا ما نُسمّيه بتجديد الخطاب الدينى.
فكل المسلمين والمسيحيين واليهود وغيرهم يجتازون تجربة تجديد الخطاب الدينى.
خطاب الكراهية
*ورغم ذلك نجد نوعا من خطابات الكراهية، فكيف نواجه ذلك ونُرسِّخ لخطاب الحب والتعايش والمواطنة؟
** خطاب الكراهية يرتبط بخطاب رفض الآخر، ويتحوَّل من فكرة فى مرَّات كثيرة إلى عمل عنيف، فكل أعمال العنف هى ناتجة عن خطاب من خطابات الكراهية التى يتبنّاها بعض الناس.
وبالتالى فالمواجهة قضية جوهرية وضرورية لأنه يحضّ فى النهاية على رفض الآخر، وهذا قد يتطوّر إلى عنف مع الآخر، وبالتالى المواجهة ضرورية لمواجهة العنف.
تهنئة السيسى
*كيف تفسِّر وترى حرص الرئيس السيسى على تقديم التهنئة بنفسه للأشقاء المسيحيين فى الأعياد المختلفة؟
** الرئيس السيسى هو الذى جعل من المواطنة- كما قلت- فعلا يمارسه بقناعة شديدة جدا، وليس مجرد قول، فهو يخلق وعيًا مجتمعيا بأهمية قبول الآخر، ويخلق لُحْمَة وطنية مهمّة مبنيّة على أنه رئيس لكل المصريين، وهذا فى حدّ ذاته يؤكد النسيج الوطنى، ويؤكد هذه السبيكة العصيَّة على الكسر.
الوصاية المرفوضة
*فى كل لقاءاتك تذكر أن مسيحيى مصر يرفضون الوصاية أو التدخل الأجنبى، لماذا؟
** لأن مستقبلنا مرتبط ارتباطا وثيقا بإخوتنا المسلمين، ولا مستقبل لنا بعيدا عن شركائنا فى الوطن.
الأحداث العالمية
* فيما يتعلق بأحدث التطورات العالمية، تبرز على الساحة الأحداث فى أفغانستان، فكيف تقرأ المشهد الأفغانى وتأثيراته على المنطقة والعالم؟
** عندنا مثل قديم متجدِّد، وأنا طوَّرته وهو “المتغطّى بالأجنبى عُريان” وهذه حقيقة مهمّة جدا، لا يمكن أبدا أن يأتمن الشخصُ نفسَه أو دولته أو المنطقة التى يعيش فيها للتدخلات الأجنبية التى تضع فى المهام الأولى مصالحها الشخصية، وإذا تعارضت مع مصالح أى شخص تأتى مصالحهم هم فى الأول، وبالتالى أتصوّر أن ما حدث فى أفغانستان هو درس مهم للعالم كله وليس لمنطقتنا فقط.
بالتأكيد رأينا مشهدا صعبا للغاية، ناس تهرب وتتألم، وشعب بأكمله يتساءل عن مصيره ومستقبله، وهذا يجعلنا ننتقل بوضوح شديد إلى دولة ما بعد 30 يونيو 2013 التى لم تكن فقط دولة استردَّت مصر، وإنما دولة بَنَت مصر بشكل غير مسبوق، نحن نرى تطوّرا مذهلا سواء على مستوى البنيّة التحتيّة أو الاقتصاد أو الزراعة، اللُّحمة الوطنية، الأمن.
فاليوم أقول: كل من راهنوا على دولة 30 يونيه وما بعدها كان رهانهم سليما تماما، فما نتمتّع به من لُحمة وطنية ومجتمع آمن يؤكد مرة أخرى أن مستقبلنا “مع بعض” وأن سلامنا بين شعبنا، وأن “المتغطى بالأجنبى عُريان عُريان عُريان”.
طبعا أنا أنظر للنموذج الأفغانى على أنه لم يكن نتيجة للحراك الشعبى أو انتصارا عسكريا، وإنما هو نتيجة تراجع القوات الأجنبية الموجودة، فزحفت طالبان على هذا المكان، وبالتالى لا نستطيع النظر إلى الوضع فى أفغانستان وكأنه نموذج جديد أو شئ نتوقّع منه الكثير، بل هو حادث عارض- فى اعتقادى الشخصى- وستؤكد الأيام مهما تجمّلت أن الحركات الدينية- أى حركة دينية، سواء إسلامية أو مسيحية أو يهودية أو أى دين فى العالم- فهى تخلط الدين بالسياسة، المُطْلَق بالنسبى، تقدِّس الأنظمة السياسية، مما يُحْدِث مشكلة ضخمة جدا.
وبالتالى أنا أشكر الله من أجل بلادنا ورئيسنا عبدالفتاح السيسى، الذى استخدمه الله واستخدم جيشنا المصرية ورجال شرطتنا البواسل من أجل سلامة بلادنا.
والنموذج الذى يحدث حولنا سواء فى المنطقة العربية أو فى أفغانستان يؤكد للمرة الألف أننا كنا صح.
وعى المصريين
*فى ذات الإطار واجهت مصر فى كثير من العصور- خاصة فى ظل الاحتلال- سياسة “فرِّق تَسُدْ” فيما بين نسيج الأمَّة من مسلمين ومسيحيين، ولكنها فشلت فى إحداث الفتنة بحمد الله، إلام يرجع هذا النجاح المصرى؟
** التوترات الدينية دائما تلعب دورا يؤثِّر بشكل أو آخر على اللُّحمة الوطنية للشعوب، والتوتّرات الدينية حول العالم كله تمثِّل حلقة ضعيفة فى بنيّة أى مجتمع، ويجب أن نكون مدركين ذلك، لذا كنا “واعيين” بلعبة التوتّرات الدينية، والمحاولات المستميتة من قِبل بعض القوى لاستخدام تلك التوتّرات الدينية كأداة لخلق نوع من التذمّر، الانشقاق، الإحساس بالتمييز، وهذه قصة معروفة بل “فخ” من الفخاخ التى يجب أن تنتبه لها الشعوب.
فالتعدّدية بركة من الله، والتنوّع شئ رائع أن الناس تُكمِّل بعضها، والإيمان بالأمور المشتركة مهم، وكذا الإيمان بحق الاختلاف مهم أيضا، وبالتالى أتصور أننا كمصريين- وبالذات فيما بعد 30 يونيه- أصبحنا “واعيين” تماما لمشكلة التوتّرات الدينية، ونحن لا ننفى وجود التوتّرات تماما- حتى لا نُزيّف الحقيقة، فهى موجودة فى أى مجتمع- ولكن علينا ضرورة فهم وإدراك كيفية التعامل معها، ومواجهتها، ووضعها فى مكانها الطبيعى، لا التصعيد ولا التقليل ولا التعامل السطحى معها.
ومن هنا أرى أن دولة ما بعد 30 يونيه أحد المهام الرئيسية لها هى قضية التعامل الإيجابى مع التوترات الدينية بهدف تقليلها والقضاء عليها.