د. إسلام القزاز:
ديننا لم يجعل التعدد عشوائيا بل وضع له شروطا
د.أسماء نبيل :
رغم اباحته شرعا إلا أنه ما زال مرفوض اجتماعيا
تحقيق – سمر هشام:
أثارت قضية تعّدد الزوجات جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الإجتماعى ، و دائما ما تكون تلك القضية محلا للجدل والخلاف المتجدد داخل المجتمع المصري، بين مدافع يعتبر التعدّد شرع الله ولابد من تنفيذه، ومعارض لفكرة التعدّد باعتبارها تؤثّر على الزوجة والأسرة والأطفال . ومن هنا تأتي أهمية هذا التحقيق الذي يحاول وضع النقاط على الحروف وخاصة في ظل تقارير الجهاز المركزي للإحصاء في إلى إن 4 بالمئة تقريبا من الرجال على ذمتهم أكثر من زوجة ،وأن عدد عقود الزواج لمن يجمع بين زوجتين بلغت 41.2 ألف عقد، بالإضافة إلى 2363 عقدًا لزوج يجمع بين 3 زوجات، و390 عقد زواج لمن لديهم 4 زوجات في آن واحد
فى البداية يقول دكتور إسلام القزاز الاستاذ بكلية بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر أن التعدد هو أن ينكح الرجل أكثر من زوجة إلى أربع زوجات بشروط مخصوصة،وتعدد الزوجات في الشريعة الإسلامية الأصل فيه الإباحة, حيث دل على ذلك قول الله تعالى: ” فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ “.وقد حرم الله سبحانه وتعالى الجمع بين الأختين في قوله: ” وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ”.وهذا يدل على جواز الجمع إذا لم يكن بين الأختين ولا بين ذي رحم محرمة، حيث نهى النبي صلى الله عليه وسلم ” أن تنكح امرأة على عمتها أو خالتها ” رواه البخاري. وقد خلق الله سبحانه وتعالى الرجل بفطرته أنه يستطيع القيام بأكثر من زوجة.
وأشار إلى أن الشريعة الإسلامية عندما أباحت للرجل تعدد الزوجات، لم تتركه مباحا بلا قيود، بل ضبطته بضوابط وشروط لا يستقيم التعدد إلا بها، وهي تقيد التعدد في الزواج بأربع: ويعنى ذلك أن الشرع الإسلامي الحنيف قد منع أن يجمع الرجل أكثر من أربع زوجات ، وكذلك أيضا تحريم الجمع بين المحارم: والمراد من المحارم: أي: المحرمين وهما كل امرأتين تكون بينهما قرابة محرمية بحيث لو فرض أن إحداهما ذكر حرمت الأخرى عليه ، ولابدمن وجوب العدل بين الزوجات: والمراد بالعدل شرعًا: التسوية بين الزوجات في المبيت والطعام والشراب والسكن والكسوة وسائر كل ما هو مادي.
وأوضح الدكتور القزاز أن العدل نوعان: عدل مستطاع: وهو الواجب توافره عند التعدد في القسمة والنفقة، ومراعاة ما يجب لكل منهن من حقوق من غير ميل إلى إحداهن ، ومضرة ما سواها ، وغير مستطاع: العدل في الميول القلبية، والمحبة الباطنة، وهو أمر ليس بمقدور الإنسان, لذلك قال تعالى: ” وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً “.والميل المراد به في هذه الآية هو ميل الطبع بالمحبة والجماع والحظ من القلب. ، والقدرة على الإنفاق: والمراد قدرة الزوج على الإنفاق على زوجاته، حتى يباح له تعدد الزوجات ، وهذا الشرط قد أشار إليه الله سبحانه وتعالى ” ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا “.لأن المقصود بقوله ” تَعُولُوا ” أي: ألا تكثر عيالكم، وذلك لأن التعدد منوط بالقدرة، وعلى هذا من لم يقدر على الإنفاق على كثرة الأولاد الناتجة من تعدد الزوجات اقتصر على زوجة واحدة، استنادا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ”
ويرد الدكتور القزاز على التساؤلات التى تثور عن لماذا شرع الله هذا التعدد وما الحكمة منه؟.قائلا : إن تشريع الإسلام لتعدد الزوجات له من الأسرار والحكم التي يتضمنها و أهمية أيضا تتضح فيما يلى أنه قد تقع الحروب الكثيرة وتكثر الحوادث فيؤثر ذلك على قلة عدد الرجال، وينتج عن ذلك أيضا وجود الأرامل والثكالى والأيتام وهذا يؤدي إلى وجود خللا في المجتمع بارتفاع وزيادة عدد النساء الغير المتزوجات بشكل ظاهر وواضح، وحول ذلك نجد ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن من أشراط الساعة أن يقل العلم ويظهر الجهل ويظهر الزنا و تكثر النساء ويقل الرجال”(رواه البخاري).
وأوضح الدكتور القزاز أن تعدد الزوجات يعالج بعض المشكلات، بل ويسهم أيضا في حلها إسهامًا حقيقيًا ومن بين هذه المشكلات التعدد يساعد في إيجاد فرصة الزواج لمن بقيت بدون زواج لظروف معينة وقد وصلت سن اليأس وهي ما زالت راغبة في الزواج ، وقد تكون هناك امرأة توفي زوجها وعندها عدد من الأطفال، ففي هذه الحالة نجد أن الإسلام يحث الرجال على الزواج منها لسببين هما:الأول: وهو كفالة أطفالها الأيتام ورعايتهم أيضا، ولذلك نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئًا “(رواه البخاري) ،
ويرى الدكتور القزاز أن التعدد هو إعفاف للمرأة، وصون كرامتها في بيت تجد فيه الراحة والاطمئنان، وكل ما تحتاج إليه من متطلبات الحياة ، وكذلك قد تكون هناك امرأة بها عاهة، فيسبب ذلك في تقليل فرص الزواج بالنسبة لها، ويسهم التعدد في إيجاد فرصة لها حيث تجد متسعًا في أن تكون زوجة ثانية وهذا يضمن لها العيش في قوامة رجل وإنجاب الأطفال وممارسة الحياة الزوجية ، و قد يتوفى أحد إخوان الرجل أو أحد أقاربه، ويترك زوجته ومعها أولاده فيخشى عليها وعلى أولادها من الضياع والتشرد، وبالتالي فيتزوجها أحدهم عند ذلك، ويكون هذا بدافع الإحسان لتوفير الرعاية لها ولأولادها ، وقد يكون للرجل المتزوج قريبة يتيمة، أو يكون هو ولي لها ولا يأويها أحد غيره، وبالتالي نجد أن الإسلام قد أعطاها متسعًا لتكون هذه اليتمية زوجة أخرى له.
النظرة المجتمعية
أوضحت دكتورة أسماء نبيل احسان مدرس الأنثروبولوجيا بقسم الفلسفه والاجتماع بكلية التربية جامعة عين شمس إلى أن هناك جوانب سلبية في نظر البعض بسبب عدم تقبل النظرة المجتمعية للزوجة الثانية أو من تعرف ب(الضرة) فهناك من ينظر لها بأنها انسانة اقتحمت حياة امرأة أخرى لتشاركها زوجها والقليل من يرون أنها إنسانة دفعتها الظروف لقبول بهذا الوضع ،بين مؤيد مطلق معتبر أن الأصل في الزواج التعدد وبين مؤيد بشروط معتبرا أن الأصل هو زوجة واحدة، فالمؤيدون يرون أن تعدد الزوجات يسهم في حل مشكلة العنوسة التي باتت تؤرق المجتمع، والمؤيدون بشروط قد تكون قاسية لكن الحجة التي يمتلكها الرجل أن هذه المشروعية جائزة في الإسلام ، ولكن هناك الكثير من الشباب لا يصلح له زوجة واحدة ،فكيف له بتعدد الزوجات؟.
وأشارت إلى أن تعدد الزوجات له آثار سلبية على مستوى الأسرة فينجم عنه مجموع من المشاكل الأسرية كالتفكك الأسرى وانهيار العلاقات الأسرية ويعانى الأطفال من المشكلات النفسية واجتماعية وتأخر مستوياتهم التعليمية وهذه المشاكل التي تعانى منها الأسرة تنعكس مباشرة على المجتمع ككل لأن الأسرة هي نظام اجتماعى يؤثر ويتأثر بالأنظمة الاجتماعية الأخرى الموجودة بالمجتمع فتكثر الجرائم والعنف والسرقة ، بالإضافة إلى النظر نظرة عطف وشفقة واستحسان على المرأة التي يتزوج عليها زوجها فضلاً عن ما تعانيه المرأة من شعور بالنقص بسبب تفضيل امرأة أخرى عليها، فضلاً عن عدم وجود العدل في التعامل مع الزوجات من قبل الرجل .
وأضافت الدكتورة أسماء أن الإسلام لا یوجب على الرجل أن یتزوج بأكثر من واحدة ،ولكنه یبیح له ذلك إذا رأى أن حیاته تحتاج إلى ذلك فھو یحقق التوازن النفسي و العاطفي للرجل، و تجسید رغبة الأمومة وفق ضوابط مادیة و أخلاقیة ، أما إذا أساء المسلم استخدام ھذه الرخصة أو تعسف فیھا، فالذنب علیه و العیب فيه فمثله حینئذ كمثل مریض وصف لهالطبیب دواء یتعاطاه بقدر، فأسرف فیه فھلك فتلك سنن الأشیاء التي أكدتھا خبرات الحیاة.