التغيرات المناخية لها تأثيراتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فضلاً عن تأثيرها على صحة الإنسان والنبات والحيوان وعلى خصوبة التربة وعلى تلوث المياه والهواء وانبعاثات الغازات الدفيئة وتصاعد وتزايد ظاهرة الاحتباس الحراري واتساع ثقب الأوزون وارتفاع درجات الحرارة مما أدت إلى ذوبان جبال من الجليد في القطب الشمالي ترتب عليه ارتفاع منسوب المياه في المعمورة وطمس وغرق العديد من المدن على الشواطئ الساحلية فضلا عن طمس دلتا مصر لذا فقد اتجه المجتمع الدولي إلى عقد العديد من المعاهدات وإبرام العديد من الاتفاقيات بغية الحد من التغيرات المناخية وكان لزاما على المجتمع الدولي أن تكون لديها رؤية مستقبلية للحد من هذه التغيرات والتوجه إلى استخدام الطاقة البديلة الجديدة والمتجددة والتي لا تضر بالبيئة بل مصاحبة للبيئة وتحافظ على تحقيق التوازن البيئي تعرف في الأدبيات الاقتصادية بالاقتصاد بالأخضر وتتمثل الطاقة البديلة الجديدة والمتجددة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وطاقة المد والجزر وطاقة الحيوية والطاقة الهيدروجينية وأخيراً والطاقة النووية.
وكل ذلك يطرح طرق وآليات الوقاية من التدهور البيئي خاصة وأن الغالبية العظمى من استخدامات الطاقة – حتى القرن التاسع عشر – كانت في شكل طاقة متجددة مثل: السواقي، وطواحين الهواء المستخدمة في طحن الذرة والقمح، والجهد اليدوي أو الحيواني لحراثة الحقول وحمل الأثقال، وكانت الحرارة تتوافر من خلال إضرام النار في الخشب والروث والحث (النبات المتفحم)، كما كان يتم الحصول على الإنارة من الشموع المصنوعة من الشحم الحيواني، وكانت وسائل النقل تعتمد في طاقتها عموماً على الحيوانات (العربات)، أو على الرياح (السفن الشراعية).
وأن اكتشاف الفحم الحجري واستغلاله وقوداً جعل بالإمكان الاستغناء عن الخشب مصدراً للطاقة، كما سمح تطوير النظم البخارية باستعمال الفحم مصدراً لتشغيل الآلات الثابتة وفي وسائل الاتصال أيضاً إيذانا بانطلاقة الثورة الصناعية، وفي الفترة المنتهية من عام 1900 تم تطوير أول استخدامات أشكال إمدادات الطاقة الجديدة، وهو الكهرباء حيث استخدمت في الإنارة وفي وسائل الاتصالات، وكان هذا الاستخدام للكهرباء أول تطوير كامل النطاق لوسيط حامل للطاقة الثانوية تم إيجاده من خلال تحويل مصادر الطاقة الأولية كالفحم والنفط.
1- الإجراءات الوقائية:
هي تلك الطرق التي يمكن من خلالها منع حدوث التلوث بأي صورة من صوره المختلفة، وتشمل الطرق الوقائية مجموعة التدابير التي تتفق عليها الدول في شكل أحكام ولوائح وقوانين وتشريعات من خلال الهيئات والمنظمات الدولية، ومن خلال المؤتمرات الدولية والندوات المحلية، ويتبلور التعاون الدولي على شكل عدد من الهيئات والمنظمات الدولية مثل: الاتحاد الوطني للحفاظ على البيئة والمصادر الطبيعية (IUCNVR)، واللجنة العلمية لهيئة الأمم المتحدة لبحث آثار الإشعاع الذري (UN. CEAR)، والمنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية (ROPME) وغيرها. إضافة لبعض الإجراءات الردعية والتشريعات القانونية والتي تكون موجهة نحو أهداف لها نهايات معينة كالمحافظة على سلامة الهواء والماء والتربة.
2- الطرق البديلة:
وتشمل جميع الطرق التي يمكن استخدامها دون أن ينتج عنها ملوثات سواء كانت سائلة، غازية أم صلبة، فهي تشمل جميع مصادر الطاقة المتجددة النظيفة التي يمكن استخدامها بدلاً عن المصادر التقليدية المعروفة والتي تتميز بتلويثها للبيئة، وتتعدد المصادر المتجددة والنظيفة في طاقات الشمس، والمياه والرياح.
أ- ضرورة البحث عن سوق للكربون أو لتجارة انبعاثات الغازات:
بدأ الاستخدام الكثيف للفحم في توليد الطاقة في منتصف القرن التاسع عشر، وأدى التوسع في الصناعات المسببة للتلوث وثورة المواصلات الناتجة عن انتشار المركبات التي تستخدم الوقود الاحفوري، إلى تراكم كميات هائلة من المواد السامة بمعدل يصعب على الطبيعة أن تتحمله، مما أدى إلى تزايد الاهتمام بالتغيرات المناخية والتي كان من نتائجها مبادرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP مع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية WMO بتأسيس الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC عام 1988 بغرض إمداد صانعي السياسات بالمعلومات العلمية، وتضمن تقريرها الأول الصادر عام 1990 أن التراكم المتنامي للغازات الدفيئة بشرية المنشأ في الجو قد يعزز ارتفاع درجة حرارة الأرض بنسب كبيرة. وقد أسفرت هذه الجهود عن إصدار الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ والتي تم توقيعها أثناء انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية “قمة الأرض” في ريو دي جانيرو بالبرازيل في جوان 1992، والتي دخلت حيز التنفيذ في مارس 1994، وقد أرست هذه الاتفاقية هدفاً نهائياً يقضي بتثبيت التركيزات الجوية للغازات الدفيئة عند مستويات آمنة. وتقسم الاتفاقية دول العالم إلى قسمين، دول المرفق الأول وهي الدول الصناعية التي أسهمت تاريخياً في التغير المناخي، ودول غير المرفق الأول، وتضم بالدرجة الأولى الدول النامية.
ونظراً لانعقاد بروتوكول كيوتو باليابان عام 1997 تقررت مجموعة من الالتزامات الملزمة قانونياً لعدد 38 دولة صناعية وعدد 11 دولة من وسط وشرق أوروبا بخفض انبعاثاتها من الغازات الدفيئة إلى متوسط تقريبي مقداره 5.2% مما كانت عليه هذه الانبعاثات عام 1990 وذلك خلال فترة الالتزام من سنة 2008 حتى 2012. وتغطي أهداف هذه الاتفاقية ستة غازات دفيئة رئيسية هي، ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وأكسيد النيتروز، ومركبات الهيدروفلورو كربون، وسادس فلوريد الكبريت، والمركبات الكربونية الفلورية المشبعة. ويتيح البروتوكول لهذه الدول خيار إقرار أي من هذه الغازات الستة سيشكل جزءاً من إستراتيجيتها القومية لتقليص الانبعاثات. وقد أسس البروتوكول ثلاث آليات تعاونية صممت لتساعد أطراف المرفق الأول على تقليل تكاليف الوفاء بمستهدفاتها للانبعاثات عن طريق تخفيض الانبعاثات في دول أخرى بتكاليف أقل مما هو باستطاعتها محلياً، وهذه الآليات هي:
التجارة الدولية للانبعاثات، وتسمح للدول بتحويل جزء من انبعاثاتها المجازة إلى دول أخرى.
التنفيذ المشارك، ويتيح للدول أن تطالب باعتماد شهادة لخفض الانبعاث الناشئ عن استثمار يتحقق في دول صناعية أخرى ويسفر عن تحويل وحدات خفض الانبعاثات بين الدول.
آلية التنمية النظيفة، والتي تسمح بإنشاء مشروعات خفض الانبعاثات التي تساعد الدول النامية على إدراك التنمية المستدامة، كما أنها تتضمن التزام الدول الغنية بنقل التقنيات النظيفة إلى الجنوب والمساعدة في تنميته، حيث يتم إصدار شهادات موثق بمقادير ثاني أكسيد الكربون المعادلة لمقادير الانبعاثات التي يتم خفضها عند إقامة المشروع وتشتري هذه الشهادات الدول المتقدمة نظير مقابل مادي تدفعه للدولة النامية التي أقيم بها المشروع.
ب- التغيرات المناخية وإصدارات ثاني أكسيد الكربون
لقد أدى التقدم في الصناعة ووسائل المواصلات منذ الثورة الصناعية وحتى الآن إلى الاعتماد على الوقود الاحفوري (الفحم والبترول والغاز الطبيعي) كمصدر أساسي للطاقة، ومع احتراق هذا الوقود الاحفوري لإنتاج الطاقة، واستخدام غازات الكلوروفلوركاربونات في الصناعة بكثرة راحت تنتج غازات الاحتباس الحراري بكميات كبيرة تفوق ما يحتاجه الغلاف الجوي للحفاظ على درجة حرارة الأرض، وبالتالي أدى وجود تلك الكميات الإضافية من تلك الغازات إلى الاحتفاظ بكمية أكبر من الحرارة في الغلاف الجوي، وبالتالي من الطبيعي أن تبدأ درجة حرارة سطح الأرض في الارتفاع.
ج- الاحتباس الحراري:
تُعد ظاهرة الاحتباس الحراري من بين أبرز الظواهر المستحدثة التي يعاني منها عالمنا المعاصر، إلا أن الاهتمام بهذه الظاهرة لم يبدأ سوى في العقود الثلاثة الأخيرة عندما بدأت بوادر تأثيرات الاحتباس الحراري في البروز وأخذت أساليب معالجة عواقبه تأخذ بعداً سياسياً ولاسيما في قمة الأرض بريو دي جانيرو في البرازيل عام 1992 وما تلاها من مباحثات واتفاقيات دولية.
ومن الملاحظ أن الدول المتقدمة هي التي تساهم بدرجة كبيرة في رفع انبعاثات غازات الكربون وهذا راجع لمدى استخدام الفرد الواحد من الطاقة حيث ارتفعت هذه النسبة، 1.2% إلى 2% في أعقاب العشرين سنة الأخيرة. كما أن نمو استهلاك الطاقات الاحفورية المسببة للغازات يتحكم فيه نظام توليد الطاقة المستخدم في البلد كتوليد الطاقة الكهربائية مثلاً، حيث من المتوقع أن ينمو هذا القطاع بما يفوق نسبة 57% آفاق سنة 2030 بعدما كان مقدراً بنسبة 54% عام 1990، إضافة إلى طبيعة النسيج الصناعي في هذه البلدان كونه متقدم جداً ويعتمد بنسب كبيرة على المصادر الاحفورية. ويظهر جلياً أيضاً أن استهلاك الصين من الطاقات الأولية مرتفع جداً وهذا ما يفسر معدلات الانبعاثات المرتفعة مقارنة بمجموع دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، فحسب سيناريوهات وكالة الطاقة الدولية فإن الصين ستصبح المستهلك الأول للطاقة عالمياً حيث سيرتفع طلبها بحلول سنة 2030 على الفحم بـ 32%، البترول 8%، والغاز 2% كما أن مساهمتها في انبعاثات الغازات الدفيئة سترتفع بـ 18%.
د- تجارة الانبعاثات
حدد بروتوكول كيوتو الملحق باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ والذي دخل حيز التنفيذ سنة 2005 أهدافاً ملزمة قانوناً لانبعاثات الغازات الدفيئة على الصعيد الاقتصادي (باستثناء الانبعاثات التي مصدرها الطيران الدولي والنقل البحري) بالنسبة للدول المدرجة في المرفق الأول من البروتوكول. ويحظر بروتوكول كيوتو الاستخدام الحر للغلاف الجوي عن طريق تحديد حصة معينة من حقوق الانبعاثات لكل بلد مدرج في المرفق الأول استناداً إلى أهداف الانبعاثات، ولأن البروتوكول لا يبين الكيفية التي يجب بها الوفاء بهذه الالتزامات فإن هناك مرونة كبيرة في تحديد الفرص المتعلقة بتخفيضات انبعاثات الغازات الدفيئة. وقد حدد البروتوكول ثلاث آليات مرنة تستطيع خلالها الأطراف المدرجة في المرفق الأول تحقيق أهدافها فيما يتعلق بانبعاثات الغازات الدفيئة وهي:
الاتجار في الانبعاثات فيما بين بلدان المرفق الأول.
آلية التنمية النظيفة.
التنفيذ المشترك.
والمنطق الاقتصادي للاتجار في الانبعاثات هو استغلال الفروق في التكاليف الهامشية للتخفيف من الانبعاثات في شكل أرصدة انبعاثات الكربون عن طريق الاستثمار في مشاريع الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة في البلدان النامية.
3- ضرورة مراعاة التشريعات البيئية
إن المؤسسات والمنظمات المسئولة عن حماية البيئة في كل دولة تقوم بتشريع قوانين يجب الالتزام بها وتطبيقها، وأن لا يتم إنشاء أي مصنع قبل الحصول على إجازة أو رخصة بيئة بعد القيام بدراسة وافية للمصنع المراد إنشائه من حيث طريقة الإنتاج، المواد الأولية المستخدمة، ونوع الملوثات المطروحة (صلبة، سائلة، غازية، وكمياتها، فضلاً عن دراسة بعد المصنع عن المواقع السكنية.
وعلى الرغم من قِدم التشريعات البيئية والوطنية، إلا أنها كانت محدودة وتكاد تكون معدومة في بعض الدول النامية. وخلال العقود الماضية تزايدت أعداد الدول التي وضعت قوانين خاصة بالبيئة وتحقيق التنمية المستدامة. ولا شك أن المبادرات والاتفاقيات الدولية قد دعمت نشاط الدول لوضع وتحديث استراتيجيات وخطط وتشريعات البيئة الوطنية، ويتضمن هذا النشاط زيادة الالتزام الوطني بالتنمية المستدامة وتقوية المؤسسات البيئية وتفعيل تكامل القوانين البيئية ومشاركة كل وحدات المجتمع وإعداد خطط المتابعة وتقييم الآثار البيئية، وغير ذلك من الجهود لتفعيل النشاطات البيئية المحلية والعمل المستمر لمواجهة الإجراءات وتحديث المعايير والمقاييس والإرشادات الخاصة بتطوير وحماية البيئة.
إلا أن ما يجدر الإشارة إليه هنا، هو أنه قد لا يكون تشريع قوانين بيئية فقط هو الأسلوب الأفضل للحد من التلوث لضمان تنمية مستدامة، وإنما لابد وأن تكون متكاملة مع استراتيجيات هذه التنمية بما فيها من مبادرات اقتصادية وتكنولوجية. وهذا يتطلب ضرورة وجود مشروع متكامل للتدابير والتشريعات التي يمكن أن يتضمنها نظام خاص يعكس جملة من المعايير البيئية والأهداف والأولويات الإدارية للسياق البيئي والإنمائي، وعليه فإن للدولة دور في إيجاد توازن بين هذه المصالح المتضاربة من أجل ضمان مواصلة التنمية الاقتصادية والحفاظ على التوازن البيئي للأجيال الحالية والقادمة، إذ تشمل التشريعات البيئية مجموعة من المواضيع مثل تخطيط استعمالات الأرض (بما في ذلك آليات التخطيط الحضري والتجمعات السكانية) وتقييم آثار المنشآت الصناعية على الوضع البيئي المحيط وتشريعات ضريبية على منتجي الملوثات. وهذه الإجراءات نجد أنها مهمة وضرورية، ولكنها قد تعيق التنمية إذا لم ترتبط مع العناصر الاقتصادية والاجتماعية الأخرى ذات العلاقة. ولن يكون بالإمكان تحقيق ذلك إذا جرى تهميش المنظور البيئي واستبعد من مراكز صنع القرارات الإنمائية الشاملة. فليس المهم هو تحقيق الربحية المادية للمشروع وإنما هو أيضاً للمنفعة الاجتماعية، ومحاولة الموازنة بين الهدفين معاً.
إن ذلك كله يتطلب تحديد الآلية اللازمة لتنفيذ النظام والعقوبات الرادعة في حالة تجاوز بنوده مع تحديد الجهات المناط بها حماية وصيانة البيئة قانوناً، لجعل برامج حماية البيئة أكثر فاعلية. وهذا يتطلب العمل على معالجة العجز في تنفيذ التشريعات البيئية، وأهمها الجهاز البيئي الرسمي في الدول النامية، طوال السنوات الماضية، إلى المعلومات الكافية لمعرفة مدى التزام الملوثين للقواعد أو عدم التزامهم بها أصلاً.
ولا شك أن التلوث البيئي يهدد عملية التنمية الاقتصادية، ويُعد ذلك في حد ذاته حافزاً على تطبيق التشريعات البيئية التي تعالج نطاقاً واسعاً من القضايا بدءاً من التلوث الصناعي وحماية الموارد الطبيعية وصيانتها، وانتهاءاً بالقوانين التي تتناول القضايا المستقبلية مثل حماية طبقة الأوزون. وبهدف عدم استفحال هذه المشاكل، وخاصة في الدول النامية، يستوجب عليها أن تواجه الأمر ومنذ البداية بالاستفادة من تجارب الدول في التنمية وتجاوز العقبات التي تعيق تطورها ورفاهية شعوبها.
وأولى متطلبات ذلك هو الاهتمام بالجانب البيئي للتنمية، وبالذات الصناعية منها، والتعامل مع تأثيراتها البيئية قبل وقوعها.