تأثَّرتُ- مِثْلَ ملايين المشاهدين- باحتفالية «قادرون باختلاف» والتى أُقيمت الأُسبوع الماضى، فى نُسخَتِها الرابعة بعنوان «لينا مكان»، بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى، وعددٍ كبيرٍ من المسئولين والوزراء والشخصيات العامة، وعلى رأسهم فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب- شيخ الأزهر- والبابا تواضروس الثانى- بابا الإسكندرية وبطريرك الكرَّازة المُرقسية- وتأكّدتُ تمامًا أن الله سبحانه وتعالى إنما يحفظ مصرَ وأهلَها، بما تُقدّمه لأمثال هؤلاء «القادرين باختلاف» وإدخال الفرحة والسرور على قلوبِهم وذويهم، ألم يَقُلْ رسولُنا الكريم: « إنما تُنصَرونَ وتُرزَقونَ بضعفائِكم»؟ فيما رواه الإمام أحمد، عن سيّدنا أبى الدرداء، رضى الله عنه.
ثم إن هذه الاحتفالية وما أحدثته من إدخال الفرحة على أهل «القادرين باختلاف» وهى من أفضل وأحب الأعمال إلى الله، وإلينا جميعا، كما جاء فى الحديث الشريف: « أحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يُدْخِلُهُ على مسلمٍ».
لقد اكتشفنا فى هذه الاحتفالية، وغيرها كثيرٌ من الاحتفاليات واللقاءات، قَدْرَ ما تحمله قلوبُ هؤلاء من حبٍّ وصفاءٍ ونقاءٍ، لم تلوِّثه أطماعٌ أو أحقادٌ، فضلا عمّا يحملونه من مواهب وإمكانات إبداعية تصل لحدِّ العبقرية بل الإعجاز الإلهى، مثل الشاب الكفيف، الذى يُحدِّد رقمَ الآية والسورة وصفحتها، بمجرّد نُطْقِها أمامه.
ولعلَّها فُرصة لمشاركة ذوى «القادرين باختلاف»، والسعى للتخفيف عنهم، فيما يُلاقونه من مآسى إنسانية، وما بذلوه من جهود عظيمة للوقوف بجانب أبنائهم وعدم التخلِّى عنهم، حتى وصلوا بهم إلى درجة كبيرة من الاندماج المجتمعى، وعدم انسلاخهم عن التفاعل مع باقى أفراد المجتمع.
ولكل هذه الأعمال الإنسانية، والمعاملات الأخلاقية والسلوكية، التى تميَّز بها الشعب المصرى الأصيل، من ترابط وتكافل وتراحم، استحقّ وصيَّة سيَّدنا النبى ووصْفِه بأنهم «فى رباط إلى يوم القيامة»، كما جاء فى الحديث «إذا فتحَ الله عليكم مصر بعدي فاتّخذوا فيها جُندًا كثيفًا؛ فذلك الجُند خير أجناد الأرض»، فقال أبو بكر: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال: «لأنهم في رباط إلى يوم القيامة».
ولا يَغُرَّنَّ أحدا ما يقع من تصرّفات أو سلوكيات شاذّة وغريبة، من بعضنا فى الآونة الأخيرة، أو فى أى عصر، إنما هى تصرّفات وسلوكيات «عابرة» وطارئة، ليست من طبيعة وأخلاق شعبنا العظيم، تسبّبت فيها بعض العوامل والمؤثِّرات الغريبة، والتى للأسف الشديد «طَفَت» على سطح المجتمع، وعلا صوتُها وضوؤها، لتسليط الأضواء والإعلام عليها، خاصة وسائل التواصل الحديثة، واهتمامها بكل ما هو شاذ وغريب، لجذب الجمهور! وإن كنّا درسنا هذا فى السابق- فى كليات وأقسام الإعلام والصحافة- باعتباره أحد أهم وسائل جذب انتباه واهتمام القارئ والمُشاهِد، أو كما ضربوا لنا المَثَل: الخبر ليس هو أن الكلبَ «عضَّ» إنسانًا، وإنما الخبر هو: إنسانٌ «عضَّ» كلبًا! حتى صِرْنا للأسف «كلّنا يعضّ فى بعض!».
فما أحوجنا الآن إلى العودة لتسليط الضوء، وتركيز وسائل إعلامنا وتواصلنا، على النماذج الطيّبة والمُضيئة، ونُظهِر الجانب الحسن من حياتنا، كى يكون قدوة ومَثَلا يُحتذى لغيرنا.
فحياتنا ومصرنا- بفضل الله- فيها حاجات كثيرة حلوة، وتستحق أن نفرح ونبتهج بها، المهم، نعرف كيف نفرح ونسعد، بأبسط النعم- وما أكثرها- فالحمد لله على نعمة الصحة والعافية وراحة البال.