رغم ما يقال إن لكل عصر رجاله وفرسانه، ورغم تحرك بحيرة الدعوة التى كانت راكدة لسنين طويلة، ووجود العديد من الدعاة الذين أحدثوا حراكًا واسعًا فى هذه البحيرة، إلا أنه وبعد مرور ربع قرن على رحيله، وظهور العديد من الدعاة الجدد خلال هذه الفترة الزمنية إلا أننى لا أعتقد أن داعية إسلاميًا فى هذا العصر الحديث اجتمع له من العلم وحب الناس وإجماع الفئات المختلفة ما اجتمع لفضيلة الداعية بل إمام الدعاة الشيخ محمد متولى الشعراوى ــ رحمه الله ــ والذى انتقلت روحه إلى بارئها. ونتمنى على الله أن يكون مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا، فدعوته مازالت باقية ننهل منها حتى الآن، ومازلنا رغم انتشار وظهور العديد من الدعاة، إلا أننا مازلنا نفتقد الداعية الفارس حتى رغم مرور هذا الوقت على رحيل إمام الدعاة.
والشيخ الشعراوى ــ رحمه الله ــ وهب حياته وعلمه وفكره لخدمة الدعوة، فكان الفارس النبيل وإمام الدعاة فى هذا العصر فقد جعل حياته نبراسًا للجهاد، فتعمق فى الدين والفقه واللغة والمعرفة، واختار بوعيه الثاقب وحسه المرهف ما يناسب روح العصر، فاجتهد وناضل وثابر من أجل قضايا دينه ووطنه وأمته الإسلامية. فكان «رحمه الله» مصلحًا كبيرًا وداعية اتسم بالعلم والأفق الواسع، وكان من كبار المفسرين للقرآن يتمتع بأسلوب شامل فهو يتحدث فى المعنى الظاهر والباطن، ويحدثنا عن فقه اللغة وحكم التشريع، وفوق كل ذلك يتمتع بأسلوب سهل ممتنع يفهمه الجميع، العِالم، والإنسان البسيط الذى لا يعرف القراءة والكتابة، لم يعتمد يومًا على مركزه ولا ماله ولا أهله وعشيرته، لكنه اعتمد على الله تعالى فأعطاه فوق ما يريد.
ونظرًا لشهرته التى بلغت الآفاق ولا تزال رغم رحيله عن الدنيا منذ ما يزيد على ربع قرن، فقد كان فضيلته وسيلة لشهرة الذين يهاجمونه حتى بعد مماته، لدرجة أن بعض مهاجميه كلما انطفأ بريق شهرتهم راحوا يهاجمونه من جديد حتى يعود إليهم بريقهم المفقود. لذلك فقد تطاول عليه الشواذ والمرضى والملحدون والسفهاء ومازالوا ليعود إليهم بريقهم المفقود.
استولى داعية العصر على قلوب وعقول الجميع بعلمه الرائق وحكمته النقية الخالية من التشدد والتطرف والغلو، بل كانت لغته سهلة جميلة ورقيقة تمرق إلى القلب فى سهولة ويسر بنفس القدر الذى ينبهر به العالِم اللغوى والمثقف الكبير. وعاش هذا الداعية الكبير على القرآن يعلمه للناس ويتعلم منه ويؤدب الناس ويتأدب معهم فتخلق بأخلاقه وتأدب بآدابه فعاش بسيطًا متواضعًا رغم سعة شهرته.
وليس غريبًا أن يقوم أنصاف الرجال بنهش أعراضه ومهاجمته وهو فى رحاب الله، وليس غريبًا أيضًا أن يسن بعض غلاة العلمانية سيوفهم للنيل من الرجل بعد مماته لكن أنى لهم ذلك فلن يزيده هجومهم إلا عشقًا بالرجل وحبًا له ورسوخًا فى قلوب المصريين والمسلمين فى كل أنحاء العالم.
يبقى أن دور المؤسسات الدينية من هذا العبث الذى نراه الآن وهذا التطاول على إمام الدعاة الذى يرمونه بالداعشى والإرهابى وهو من أنار بعلمه ووسطيته الطريق لملايين المسلمين.
رحم الله شيخنا الذى اجتمعت على حبه الأمة الإسلامية وشهد بعلمه وبلاغته كل علماء الدنيا فالسلام كان غايته وحاضر الأمة الإسلامية ومستقبلها كان همه الأول.. فماذا فعلتم أنتم أيها الأقزام المتطاولون على الرجل بعد رحيله؟!
وختاماً:
قال تعالي:
«بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ».. الأنبياء «١٨»