الإنسان حين يشعر بالمسئولية الملقاة علي كاهله ينساق إلي العمل بدافع من إيمانه ووازع من ضميره، يحرص جاهداً علي أداء واجبه في أتم صوره وأحسن أشكاله مؤمناً حق الإيمان أن الله يعلم ما نخفي وما نعلن، وأنه يؤتي كل ذي فضل فضله، ولا يضيع أجر من أحسن عملاً.
والله سبحانه وتعالي أرشدنا إلي تربية النفس علي أساس الشعور بالمسئولية فقال تعالي: «وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ».
والنبي محمد صلي الله عليه وسلم يصف الذين يحسون بالمسئولية بأنهم في الذروة من بعد النظر وحسن الإدراك، ويصف المتهاونين بأنهم في أحط درجات الغفلة وسوء التقدير فيقول صلي الله عليه وسلم «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمني علي الله الأماني».
وقد أحسن السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين بخطر وعظم المسئولية، فاندفعوا إلي أداء واجبهم بكل ما أوتوا من قوة غير محتاجين إلي أحد يدعوهم ويراقبهم فكن بالإيمان داعيا وبالله رقيبا ولا حريصين علي ثواب عاجل فما عند الله خير وأبقي غير منتظرين إلي الأضواء تسلط عليهم، فهي وباء يحبط أعمالهم ولا خائفين من ظلم يقع عليهم.
فما أعظمك يا سيدي يا رسول الله وما أشد شعورك بالمسئولية وأنت تبكي عندما سمعت قول الله تعالي: «فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا» وما أروعك يا ابن الخطاب وأنت تشعر بالمسئولية وتقول: «والله لو عثرت دابة بشط العراق لوجدتني مسئولا عنها، ولم لم تمهد لها الطريق يا عمر».
فما أحوجنا اليوم إلي الاقتداء بهذه المثل العليا وهذه القيم العظيمة في الإحساس بالواجب وتقدير المسئولية كل في موقعه، وحسب قدرته وما أحوجنا إلي الإيمان الذي يملأ قلوبنا فنندفع به إلي مواصلة السعي ومضاعفة الجهد وإتقان العمل وما أحوجنا جميعاً إلي ذلك كله لنعيد أمجادنا القديمة ونستكمل أسباب نهضة جمهوريتنا الجديدة ونكون يداً واحدة خلف قيادتنا الرشيدة للنهوض بأمتنا ودولتنا والوصول بها إلي بر الأمان.
ختاما
قال تعالي: «وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ».
صدق الله العظيم «سورة الاحقاف» ــ آية (١٩).