بعد التقدم المذهل فى وسائل الاتصال الحديثة، أصبح العالم اليوم أشبه بقرية صغيرة متجاورة المساكن، كل جار يعرف تفاصيل حياة جاره، يعرف كل شاردة وواردة عن حياته الخاصة والعامة، ولكن الفرق الوحيد أن عالم القرية متحاب، مترابط، ومتجانس، أما عالم التكنولوجيا والاتصالات والذى نسميه بـ »التواصل الاجتماعى« فقد جعل حياتنا أشبه بقرية صامته، كل فرد فيها يتابع أخبار الآخرين، ولكن دون حوار فأخبار العالم تنتقل إلينا على الهواء مباشرة، ونحن جالسون فى أماكننا متكئون، وما نراه من تقدم علمى مذهل يؤكد الكثير من الحقائق التى كان ينكرها المنكرون، وهى أن مقاييس الزمن اصبحت مختلفة على ما كانت عليه، فما كان يصلنا فى أيام طويلة بل فى شهور اصبح يصلنا على الهواء مباشرة، ولكن المخيف من هذا الغزو الفكرى الرهيب أنه جعل الإنسان يلهث وراء كل جديد، ولا يشعر بالشبع، ولا الإرتواء العقلى أو الروحى، فهو لا يستطيع أن يتابع موضوعاً أكثر من دقائق معدودة ويلهث بعدها وراء غيره لعله يجد المزيد من الاثارة والمتعة وهو بذلك يقضى وقتاً طويلاً من يومه فى متابعة مبتورة لا طائل من وراءها سوى المزيد من التوتر العصبى الذى أصبح سمة من سمات العصر.
واذا كان ما سبق هو الجانب الإيجابى فى صراعات ثورة الاتصالات، فالجانب المدمر هو ما يثبت لمخاطبة الشهوة والغريزة، وما أكثره وأرخصه، ولكن مع الأسف فإن هذا الجانب يقدم بأساليب مشوقة أعلن الشيطان عجزة الشديد عن محاكاتها لأن تلك الأساليب قادرة على جذب كل الفئات والتأثير فى ضفاف العقيدة والإيمان ومن أهم نتائج هذا الغزو السلبية، أن الفرد يألف المعصية فقد تعود على مشاهدة ذلك، واعتادت الأذن سماع ذلك، فأصبحت المعاصى مألوفة ولا مجال لرفضها أو إنكارها لأنها اصبحت جزء من الحياة اليومية.
وايضا من هذه الكوارث تدمير وقت الانسان الذى يعد المادة الخام للحياة، وسوف يسأل عنه يوم القيامة، فلا سبيل أمام مواجهة هذا الطوفان الجارف فى وسائل الاتصال الحديثة والتى لابد منها إلا بتقوى الله سبحانه وتعالى والتفكير فى اليوم الآخر، يوم نقف بين يدى الله تشهد علينا حواسنا التى سخرها الله لنا والتى سخرناها نحن لحصد المعاصى والآثام.
>>>
وختاماً:
قال تعالى
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعيُهُم فِى ٱلحَيَوٰةِ ٱلدُّنيَا وَهُم يَحسَبُونَ أَنَّهُم يُحسِنُونَ صُنعًا.أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِم وَلِقَآئِهِ فَحَبِطَت أَعمَٰلُهُم فَلَا نُقِيمُ لَهُم يَومَ ٱلقِيَٰمَةِ وَزنًا.﴾
(سورة الْكَهْفِ: «١٠٣-١٠٥»