أيام قليلة ويبدأ شهر رمضان الذي يحمل لقب “كريم” من بين بقية شهور العام، لأن الله كريم مع خلقه من الصائمين الركع السجود والسابقون إلى الخيرات ما ظهر منها وبطن.
يأتي رمضان هذا العام في ظل ظروف استثنائية بسبب حالة الغلاء وانفلات الأسعار لأسباب عديدة داخلية وخارجية، إلا أننا لسنا متفردين بهذه المشكلة حتى وإن كانت لدينا زيادة عن غيرنا في ظل ارتفاع أسعار الدولار وما يعانيه الجنيه المصري باسم “التعويم”.
غلاء الأسعار حدث في عهد النبي حتى أن الصحابة رضوان الله عليهم طلبوا منه أن يسعر لهم، أن يفرض تسعيرة جبرية، ومع هذا رفض النبي وقال لهم: “الله هو المُسعِّر” ولكن هذا يتطلب وعيا شعبيا وقوانين صارمة لأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. لاشك أن شعار الرحمة والتكافل أحد الحلول مع ضرورة زيادة الانتاج وتقليل الاستيراد والاعتماد على الصناعة المحلية، ولهذا يجب على المسلمين قبل بداية الشهر الكريم وخلاله أن يكونوا “كرماء” مع خلق الله لأن “الراحمون يرحمهم الرحمن.. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء”.
يقوم التكافل الاجتماعي في الإسلام على منظومة أخلاقية تتجاوز مجرد التعاون التقليدي بين الناس، أو تقديم أوجه المساعدة وقت الضعف والحاجة، وإنما هو عبادة يثاب فاعلها قبل أن يكون مصلحة دنيوية، فهو ينطلق بمبدأ الولاية المتبادلة بين المؤمنين في المجتمع، التي قال عنها الله تعالى: “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”. الإنسان في التصور الإسلامي لا يعيش مستقلا بنفسه لأنه اجتماعي يتطلع أن يكون من المؤمنين الصالحين الذين وصفهم الله بقوله “..وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”.
ما أحوجنا إلى التطبيق العملي لقول رسول الله في الحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري: “…مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْل مِن زَاد فَليَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَادَ لَهُ، قَالَ: فَذَكَرَ مِن أَصْنَافِ اَلْمَالِ مَا ذَكَر، حَتُّى رَأَيْنَا أَنَهُ لاحق لأَحَدٍ منا فِي فَضْل”. فما بالنا ونحن نجهل اسم وصفة جارنا إن لم نكن في شجار معه مع أن النبي قال: “ليس المؤمن بالذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه” فلابد من تفعيل فريضة الزكاة للتخفيف من الأزمة الحالية.
كلمات باقية:
يقول الله تعالى: “يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ”.