من غرائب التاريخ الإسلامي (معظم الخلفاء لم يؤدوا فريضة الحج)
ما من أحد من المسلمين إلا ويتوق شوقًا إلى الطواف حول الكعبة ليتم الركن الخامس وهو حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا، ويظل المسلم يتحين تلك الاستطاعة لتلبية نداء الحق، سواء كانت بدنية لتحمل مشقة السفر أو مادية بتوفير المال للإنفاق على تلك الرحلة ومتطلباتها، وتوجد في تاريخ رحلات الحج عبر عصور التاريخ الإسلامي مفارقات مثيرة للانتباه، وهي الخاصة بحج خلفاء المسلمين.
حرص الخلفاء الراشدون على أداء الحج، فمنهم من كان يحج كل عام مثل عمر بن الخطاب، أما خلفاء بني أمية فلم يحج منهم أثناء خلافته إلا خمسة: معاوية بن أبي سفيان، وعبد الملك بن مروان وأولاده الثلاثة الوليد وسليمان وهشام، ولم يحج من خلفاء العصر العباسي الأول إلا ثلاثة: أبو جعفر المنصور، وأبو عبد الله المهدي، وهارون الرشيد.
أما خلفاء العصر العباسي الثاني فلم يفكروا في أداء الحج لعدة أسباب منها: انشغالهم بحياة الترف والانقسامات الداخلية، وضعف الدولة، وثورات القرامطة ومهاجمتهم للكعبة المشرفة وسرقة الحجر الأسود، وقيام الدولة الفاطمية في مصر وسيطرتها على الحجاز.
وفيما يخص الخلفاء العباسيين في القاهرة في ظل عصر سلاطين المماليك نجد أنه لم يحج من خلفاء هذا العصر إلا الخليفة الحاكم بأمر الله العباسي الذي حج سنة 697هـ/1297م في عهد المنصور لاجين.
وقد لفتت مسألة عدم قيام كثير من خلفاء المسلمين بأداء الحج انتباه بعض المؤرخين القدماء والمحدثين، يأتي في صدارتهم المقريزي في كتابه “الذهب المسبوك في ذكر من حج من الخلفاء والملوك” وأيضًا الدكتور جمال الدين الشيال في تحقيقه لكتاب المقريزي سالف الذكر.
واتضحت هذه المسألة في ثلاث خلافات كبرى في التاريخ الإسلامي وهي: الخلافة الأموية في الأندلس، والخلافة الفاطمية، والخلافة العثمانية. إذ لم يقم أحد من خلفائها بأداء فريضة الحج، وهو ما يمكن توضيحه على النحو الآتي:
خلفاء الدولة الأموية في الأندلس:
لم يكن الأمويون في الأندلس على علاقات طيبة مع الخلافة العباسية أو الخلافة الفاطمية اللتين تناوبتا الإشراف على الأراضي المقدسة بالحجاز، لهذا كان من العسير أن يمر خلفاء الأندلس الأمويون بأراضي الخلافتين الشرقيتين في طريقهم إلى الحج.
إلا أن ذلك لم يمنع قيام الكثير من الأندلسيين برحلة الحج وتُعد إفريقية [تونس الحالية] ومصر من أهم المحطات في الطريق إلى بلاد الحجاز. وحققت الرحلات أهدافًا منها الحج، وتلقي العلم وربما التجارة.
خلفاء الدولة الفاطمية:
لم يحج الخلفاء الفاطميين أصحاب المذهب الشيعي الإسماعيلي رغم تصديق مذهبهم بالحج كركن مهم، ورغم فرض سيطرتهم على بلاد الحجاز واليمن. إلا أنهم لم يقوموا بهذه العبادة ولكنهم اعتنوا بقافلة الحجاج المصريين وكانوا ينفقون عليها بسخاء كما ذكر المقريزي في كتابه الخطط أن حجم الإنفاق بلغ مائة وعشرين ألف دينار وزادت إلى مائتين بعد ذلك.
خلفاء الدولة العثمانية:
لم يتمكن السلاطين العثمانيين من الذهاب إلى الحج، وذلك خوفًا من حدوث اضطرابات في الأمن وإدارة شئون البلاد حال تركهم عاصمة الخلافة، إذ كانت تستغرق رحلة الحج شهور، ورغم ذلك فقد خصصوا ميزانية لرحلة الحج توفيرًا لحماية الحجاج وخدماتهم، كما حرص أغلبهم على إرسال رسالة مكتوبة مع قائد قافلة الحج فحواها السلام على النبي والدعاء للخليفة ولأمته، كما حرص السلاطين على قص جزء من شعرهم وتبخيره بأطيب البخور لدفنه إلى جانب قبر النبي ؛ ليحققوا إشباعًا روحيًا، ولاعتقادهم بأنه سيكون ذخرًا لهم في الدار الآخرة.
وبعد العرض التاريخي لخلفاء المسلمين خلال الفترة الزمنية (11-1342ه/633-1924م) بدءًا من أبي بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين وانتهاءً بعبد المجيد الثاني آخر الخلفاء العثمانيين، وإحصاء أعداد من قام بالحج منهم ومن لم يقم، يمكن القول أن أغلب الخلفاء لم يحجوا ويمكن إرجاع ذلك إلى ثقل الأعباء الإدارية أو الظروف السياسية، رغم تلهف بعضهم على آداء الحج، وقيامهم بتيسير رحلة الحج وتوفير كافة وسائل الراحة والأمان للقوافل إلى بلاد الحجاز، في أزمان كانت هذه الرحلة تستغرق أسابيع أو شهور تبعًا لبعد أو قرب الدولة من بلاد الحجاز.