د.الشحات أحمد بدوي: تحريم المسكرات.. حماية من أضرارها
د. محمدي صالح عطية: تقوية الإيمان منذ الصغر.. يحمي من الإدمان في الكبر
أدار الندوة: جمال سالم
تابعها: محمد الساعاتى
تصوير: أحمد ناجح
أكد العلماء المشاركون فى ندوة” مجتمع بلا إدمان.. خطوات على الطريق”، التي نظمتها عقيدتي بالتعاون مع وزارة الأوقاف، برعاية د. مختار جمعة، وزير الأوقاف، بمسجد الشهداء بمدينة نصر، أهمية تعريف مختلف الأجيال من المسلمين بالحلال والحرام وما بينهما من المشتبهات فيما يتعلق بكل القضايا عامة وما يتعلق بالمسكرات خاصة لأنها من المدمرات للدين والدنيا.
أوضحوا أن الإيمان والادمان نقيضان لا يلتقيان كالجنة والنار، ولهذا حرم الإسلام كل ما يضر الجسد والروح مهما كان اسمه، وخاصة أن أعداء الإسلام يخططون لتدمير المسلمين بنشر كل ما يدمرهم روحيا وجسديا حتى يصبحوا عالة على الحضارة الإنسانية. حضر الندوة الشيخ محمد ندا، مدير أوقاف غرب مدينة نصر، الشيخ أحمد حمام، إمام وخطيب المسجد.
أكد الزميل جمال سالم، مدير تحرير عقيدتي، حرص الإسلام على السلامة الروحية والجسدية للمسلم حتى يكون قويا منتجا واعيا بما يدور حوله ويقوم بالرسالة التي خلقه الله من أجلها من العبادة لله وتعمير الكون الذي سخر الله له كل ما فيه لخدمة البشر..وكلمة” الإدمان” تتضمن معاني أوسع من المسكرات على اختلاف مسمياتها، فكل فعل أو قول يصر القائم به على تكراره رغم نهي الشرع عنه، ورفض العقل والفطرة السوية له فهو من قبيل الإدمان، والمتأمل في كتاب الله عز وجل يري كثيرا من الآيات التي بينت الحلال والحرام وما بينهما من مشتبهات يجب تجنبها، فقال الله تعالي:” قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ”، وفي الآية التالية لها مباشرة يقول ربنا سبحانه:” قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ”.
حماية العقل
أكد د. الشحات أحمد بدوي، الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بالقاهرة، جامعة الأزهر، تحريم المسكرات، والمخدرات، والمفترات في الشريعة الإسلامية التي من محاسنها أنها دعت إلى كلِّ خير، ونهت عن كلِّ شر، وجاءت بحلِّ الطيبات، وتحريم الخبائث والمستقذرات، ووضع الآصار والأغلال (الأمور التي لا تطاق)، فقال تعالي:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ*الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}. ومن الخبائث التي حرمها الله الخمر والمسكرات والمخدرات بأنواعها المختلفة، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وعن السيدة أم سلمة قالت: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ) أي: ما يحدث به التراخي والانكسار في الأعضاء، وعن ابن عمر أن رسول الله قال: (كُلُّ مُسْكِرٍ، حَرَامٌ، وَمَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ).
ورد د. الشحات على القائلين أن تحريم المسكرات تضييق علي البشرية،فقال: من أضرار تعاطي المخدرات والمسكرات والمفترات بأنواعها نوعٌ من أنواع الإلقاء بالنفس إلى التهلكة، فالله يقول:{وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} فهذه الآية وإن كانت في ترك الجهاد في سبيل الله، إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالخمور والمسكرات والمخدرات تؤثر بالسلب على جميع أعضاء الجسد، مما يؤدي إلى التهلكة في نهاية الأمر، وأفاض الأطباء في بيان الأضرار التي تلحق أعضاء الجسد جراء شربها، والنبي يقول: (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ). كما أن تناول الخمور جناية واعتداء على أهم نعمة أنعم الله بها على الإنسان وميزه بها عن سائر المخلوقات والكائنات، ألا وهي نعمة العقل التي هي مناط التكليف، وطريق الهداية، وبها يميز الإنسان بين الحق والباطل، والخير والشر، والحلال والحرام، والضار والنافع، فشرب الخمور يضيع العقل ويذهب تمييزه بين الحق والباطل على المدى البعيد، ويؤدي بالإنسان إلى الرذائل والفواحش والأعمال الحيوانية وبذلك يصبح الإنسان كالحيوانات لا فرق بينه وبينها في عدم التمييز والادراك، فالخمر ما سميت خمرًا إلا لكونها تخمر العقل تغطيه وتستره، ولذا سمي خمار المرأة بالخمار لأنه يغطي مفاتنها ومحاسنها.
وأوضح أن تناول الخمور يعدّ اعتداء بوجه عام على نعمة الصحة والعافية، واعتداء على العمر الذي وهبنا الله تعالى إياه، وإضاعة له بدون فائدة، هذا العمر الذي سنسأل عنه يوم القيامة، فقال النبي: (لَا تَزُولُ قَدِمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: عَنْ عُمُرُهِ فِيمَا أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ عَلِمهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟) فماذا ستقول لربك يا مدمن يوم القيامة؟. وخاصة أن من حكمة تحريم تعاطي الخمور أنها إضاعة للمال بدون فائدة، بل نشتري به أمراضنا، وهلاكنا، ودمار صحتنا، وعافيتنا، ونضيع أولادنا، وأهلنا، ومن نقوت ونعول، والله يقول: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا. إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}. ويقول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ) والمال سنسأل عنه يوم القيامة سؤالان، من أين اكتسبته؟ وفيم أنفقته؟، وسنسأل عن أولادنا وأهل بيتنا، فماذا نحن قائلون لربنا؟
وأشار د. الشحات إلى أن من حكمة تحريم تعاطي الخمور أنها” أم الخبائث” فهي مفتاح لكل شر، فقال النبي: (اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ)، وقال معاذ بن جبل: أوصاني رسول الله بعشر كلمات، قال: (لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُتِلْتَ وَحُرِّقْتَ، وَلَا تَعُقَّنَّ وَالِدَيْكَ، وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ، وَلَا تَتْرُكَنَّ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا؛ فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ، وَلَا تَشْرَبَنَّ خَمْرًا؛ فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ فَاحِشَةٍ، وَإِيَّاكَ وَالْمَعْصِيَةَ؛ فَإِنَّ بِالْمَعْصِيَةِ حَلَّ سَخَطُ اللَّهِ، وَإِيَّاكَ وَالْفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ وَإِنْ هَلَكَ النَّاسُ، وَإِذَا أَصَابَ النَّاسَ مُوتَانٌ وَأَنْتَ فِيهِمْ فَاثْبُتْ، وَأَنْفِقْ عَلَى عِيَالِكَ مِنْ طَوْلِكَ، وَلَا تَرْفَعْ عَنْهُمْ عَصَاكَ أَدَبًا وَأَخِفْهُمْ فِي اللَّهِ)، فلاشك أن شرب الخمور يؤدي بالإنسان إلى الوقوع في الفواحش والرذائل، وهذا واقعٌ ومشاهدٌ فقد رأينا ممن يتعاطونها سارقًا، أو قاتلا، أو زانيًا، أو مغتصبًا..الخ، بل وصل الأمر ببعضهم أنه تعدى على أهله ومحرماته؛ لأن تناول الخمور تغيب العقل، وتذهب به، وتضيع إدراكه وتمييزه بين الخير والشر، فضلا عن أن تناولها يؤدي إلى نقص الإيمان حتى يسلب بالكلية من قلب العبد، ولا عجب في ذلك فالعقل مناط التكليف، وبه يميز الإنسان بين الحق والباطل، وشرب الخمور يذهب بالعقل وتمييزه، وإدراكه، ويؤدي به إلى الوقوع في الفواحش والمنكرات، وكلما زاد وقوعه فيها نقص إيمانه شيئًا فشيئًا حتى يسلب، ألم يقل القرآن الكريم: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}.
وأنهى د. الشحات كلامه مؤكدا أن مواجهة الإدكان يكون بقيام الأباء والأمهات والعلماء والمدرسين بأدوراهم في نشر الوعي بمخاطرها الدنيوية والدينية فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ” وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ) وكذلك الابتعاد عن أصدقاء السوء، وما تصدره لنا وسائل الإعلام، من النماذج السيئة، في أفلام الدعارة، والبلطجة، وشرب المسكرات والمخدرات
مجتمعُ بلا إدمان
أكد د. محمدي صالح عطية، الأستاذ بكلية دار العلوم جامعة المنيا، أن الإسلام جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الجهل إلى العلم، ومن الشقاء إلى النعيم، ومن الاضطراب إلى السكينة والاطمئنان. قال تعالى:”فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشۡقَىٰ .وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا” فالسعادةُ كلُّ السعادة في اتباع الهُدى، والبعد عن كلِّ ضلالٍ وخُبث، والله تعالى أحلَّ لعباده كلَّ طيب، وحرَّم عليهم كلَّ خبيث يعود عليهم بالضرر، فقال تعالى:” وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَٰٓئِث” ، وهذا هو الأصل في التشريعات؛ إذ أجمع العلماء أن الشريعة تقوم على درءِ المفاسد وجلب المصالح، والمقاصد أو الكليات الشرعية كلها تدور حول هذا، ومما نهتْ عنه الشريعة: الإدمان، لكن للإدمان فلسفةً مهمةً يجب أن ننتبه إليها؛ فكثيرٌ من الناس يظن أنَّ مصطلح الإدمان يقتصر على إدمانِ المخدرات وما يدخل في إطارها، لكنَّ الحقيقة أن الإدمانَ أوسعُ من ذلك بكثير؛ فالإدمانُ- باختصار- هو اعتياد الإنسان على شيءٍ يصبح تأثيره عليه في كلِّ سلوكياته وأفعاله بطريقة لا يستطيع الاستغناء عنها، فيوقف حياته على هذا الشيء.
وقال د. محمدي: قسَّمَ علماء النفس الإدمان إلى نوعين رئيسين؛ أولهما: الإدمان السلوكي؛ وهو إدمان عادة سلوكية تؤثر على الإنسان سلبًا، وثانيهما: الإدمان المادي، وهو تعاطي مواد مخدرة تؤثر سلبًا على الإنسان، ويدخل فيه: المهدئات، والمنشطات، والمحفزات، والمقويات، وأشار علماء النفس إلى أنَّ الإدمان السلوكي قد يكون أكثر خطورةً على الإنسان؛ لأنه يؤثر فيه وفي مجتمعه بصورة أكثر انتشارًا؛ مثل: إدمان الإنترنت، وإدمان الألعاب الإلكترونية، وإدمان الهاتف المحمول، بل قد يدخل فيه إدمان الأكل؛ إذا أدمنَ إنسانٌ الأكل بصورة توقف إنتاجه وفاعليته في المجتمع، وكذلك إدمان النوم، وغير ذلك مما أشار إليها علماءُ النفس، فكلُّ شيءٍ يغيب عقل الإنسان ويوقف إبداعه، ويعطل حواسه فهو حرامٌ منهيٌّ عنه، وكذلك كلُّ شيء -ماديًا كان أم سلوكيًا- يصيب الإنسان بالفتور والكسل والتقاعس فهو منهيٌّ عنه، وكما أشار علماء التربية والسلوك إلى أنَّ أولَ الطريق معرفة السبب، وقديمًا قالوا:«إذا عُرفَ السبب، بطل العجب»؛ لذلك معرفة أسباب الإدمان على الحقيقة هي أول وأهمُّ الخُطوات الناجحة في علاج الإدمان بصورتيه -المادية والسلوكية.
وأوضح أنه تعددتْ أسبابُ الإدمان، منها على سبيل المثال لا الحصر: ضعف القيم الإيمانية، فالعلاقةُ بين الإيمان والإدمان علاقةٌ عكسية؛ إذا زاد الإيمان، قلَّ الإدمان، وإذا ضعف الإيمان قوي الإدمان، لذلك اهتمَّ النبي صلى الله عليه وسلم بالتربية الإيمانية اهتمامًا شديدًا؛ فعَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ، «فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا”.فيجب على الآباء كما يهتمون بتعليم أبنائهم والعناية بهم أن يهتموا بتربيتهم الإيمانية؛ لأنَّ الإيمان هو المقوَّم الأهم والقائد إلى كلِّ خير، وكذلك فإن الفراغ من أسباب الإدمان والعلاقة بينهما طردية؛ كلما زاد الفراغ، زادت فرصة الإدمان؛ لذلك حرص النبي على ألا يكون لدى المؤمن فراغٌ؛ إنما يكون فاعلاً على الدوام، فقال :«نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ”. فلا بد أن يحرص المرءُ على ملء أوقات فراغه بما ينفعه وينفع مجتمعه، لذلك نرى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينهى أشدَّ النهي عن قتل الوقت بالفراغ؛ فيقول: «إني لأكْرَه أن أَرى أحدَكم سبَهْلَلا لاَ في عَمَل دُنيا ولا في عَمل آخره» (والسبهلل: هو الفارغ الذي لا عمل له).
وحذر د. محمدي من صحبةُ السوء لأنَّ صحبة السوء من أشد أسباب الإدمان – بنوعيه. فقال صلى الله عليه وسلم: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ”. لذلك قالوا:” الصَّاحِبُ سَاحِبٌ، والزَّميلُ مُميِلٌ، والطَّبَائِعُ سَرّاقةٌ، والناسُ مَجْبُولونَ عَلَى التَشبُّه”. وإذا تأملنا قول النبي :«إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ، وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ»، وجدنا إشارةً مهمةً؛ فالنبي لم يقل: «مثل الصاحب الصالح»، إنما قال:«الجليس»؛ فالمرءُ قدْ يُعدى بجَلْسةٍ واحدة، وعدوى الروح أسرعُ من عدوى الجسد.لذلك قال أحد السلف: «الْجَلِيسُ الصَّالِحُ خَيْرٌ مِنَ الْوَحْدَةِ، وَالْوَحْدَةُ خَيْرٌ مِنْ جَلِيسِ السُّوءِ».
وصدق الشاعر حين قال:
عَنِ الْمَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ… فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارَنِ مُقْتَدِي
وأشار إلى أن من أكثر ما يفسد المجتمعات، ويزيد فرص الإدمان: الجهل؛ لأن الجهل عدوٌّ الإنسان الأول، ومعظم حالات إدمان المخدرات يكون سببها الرئيس الجهل؛ خصوصًا إدمان المنشطات؛ إذ يلهث وراءها كثيرٌ من المدمنين -جهلاً بضررها، أو جهلاً منه واعتقادًا أنها تفيده وتعطيه نشاطًا وحيوية، وهناك أسباب أخرى كثيرة للإدمان لكنَّ هذه الأسباب -في تصوري- أهمُّ الأسباب، وإذا استطعنا أن نعالجها، فإنَّ قضية الإدمان إلى زوال إذا تعاونت الأسرة والمدرسة والجامعات ووسائل الإعلام والثقافة وأدوات التشريع والمراقبة وغيرها للقيام بنشر الوعي لأن الوقاية خير من العلاج، وبيَّن النبي الصورة المثالية التي يجب أن يكون المؤمن عليها؛ فقال صلى الله عليه وسلم:”مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ النَّحْلَةِ لَا تَأْكُلُ إِلَّا طَيِّبًا وَلَا تَضَعُ إِلَّا طَيِّبًا”.
وأنهى د. محمدي قائلا: يجب على المسلم أن يكون كالنحلة؛ منظمًا، نافعًا، لا يأكل إلا الطيب، ولا يقترب إلى من الطيب، ولا يخرج منها إلا الطيب، وفي رواية: «وَوَقَعَتْ فَلَمْ تُكْسَرْ وَلَمْ تَفْسُدْ»، أي إذا واجهته مشكلةٌ من مشكلات لا تكسره، ولا يُفسده أيُّ عامل من عوامل الفساد.