دعا إلى وحدة المسلمين.. ودافع عن المرأة
طارق عبدالله
كان الإمام الشيخ محمد الغزالي واحدا من أبرز الدعاة الذين أيقظوا وعي الشباب المسلم خلال مرحلة الصحوة الإسلامية، ومثلما كان يتصدى لتيار التغريب والتنصير والإلحاد ويكافحه بضراوة، فقد كان مهموما وبقوة بترشيد مسيرة الصحوة الإسلامية، ولجَّم نزوات التكفير أو التطرف والتشدد.
هو مفكّر إسلامي بارز، بل إنه يعد أحد دعاة الفكر الإسلامي في العصر الحديث، فهو داعية متميز بالعطاء الفكري والعلمي، يعتبر من العلماء المجددين، كان غزير الإنتاج حيث صدرت له العديد من الكتب المرجعية في الفكر الإسلامي المعاصر، اعتقل في عهد كل من الملك فاروق والرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وتوفي في 6 مارس عام 1996.
ولد الشيخ محمد الغزالي أحمد السقا في 5 ذي الحجة سنة 1335هـ, الموافق 22 من سبتمبر 1917 م, في قرية “نكلا العنب” التابعة لمحافظة البحيرة, وسمّاه والده بـ”محمد الغزالي” تيمنًا بالعالم الكبير أبو حامد الغزالي المتوفي في جمادى الاخرة 505 هـ.
نشأ في أسرة كريمة مؤمنة, وله خمسة اخوة, فأتم حفظ القرآن بكتّاب القرية في العاشرة, ويقول الإمام محمد الغزالي عن نفسه وقتئذ: “كنت أتدرب على إجادة الحفظ بالتلاوة في غدوي ورواحي، وأختم القرآن في تتابع صلواتي، وقبل نومي، وفي وحدتي، وأذكر أنني ختمته أثناء اعتقالي، فقد كان القرآن مؤنسا في تلك الوحدة الموحشة”.
التحق بمعهد الإسكندرية الديني الإبتدائي ،فحصل على شهادة الكفاءة ثم الشهادة الثانوية الأزهرية, ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة، والتحق بكلية أصول الدين بالأزهر، وبعد تخرجه عام 1941، ثم حصوله على درجة “العالمية” بدأ رحلته في الدعوة إلى الله في مساجد القاهرة وخارجها، وبدأ في تأليف الكتب معالجا العديد من القضايا بأسلوبه السهل، ولغته الأدبية العاطفية المؤثرة، وفي الثلاثين من عمره ألَّف كتابه عن “الإسلام والأوضاع الاقتصادية”، ثم “الإسلام والمناهج الاشتراكية”.
داعية العصر
لم يكتف بواجبه داخل المسجد أو ديوان وزارة الأوقاف، لكنه كان دائم السفر والتنقل والترحال لأداء واجبه، قال عن نفسه: “كنت مسلما عن تقليد، ثم أصبحت مسلما عن اعتقاد واقتناع يقوم على البحث والموازنة والتأمل والمقارنة، وكل يوم يمر يزيدني حبا للإسلام، واحتراما لتقاليده، وثقة في صلاحيته للعالمين”.
سافر إلى الجزائر سنة 1984 م للتدريس في جامعة الأمير عبدالقادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، درس فيها رفقة العديد من الشيوخ كالشيخ محمد سعيد البوطي، حتى تسعينيات القرن العشرين، وبعدها تولى رئاسة المجلس العلمي لجامعة الأمير عبدالقادر الجزائري الإسلامية لمدة خمس سنوات وكانت آخر مناصبه.
ومع اختلافه في بعض الآراء مع بعض العلماء، فإنه كان يُنزل كل إمام منزلته، ويعطيه قدره الذي يستحقه، ويقول في ذلك: «مع أني أميل أحيانًا إلى الفقه الحنفي، فإني جانح بفؤادي وإعجابي إلى الشافعي».
كما كان- رحمه الله- صاحب إيمان حي ويقظ، مهموما بقضايا دينه والدفاع عن قيمه وثوابته، كان يقول عن مسلمي اليوم: إنهم مصابون بتديّن الشكل، لا تديّن الموضوع، ويقول: الدين عندما يتحول إلى طقوس ومراسم يفقد قيمته، لأن الدين قبل كل شئ قلب حي وضمير يقظ، وسريرة نظيفة.
إبداع وفكر
كان الشيخ الغزالي مبدعا في اختيار موضوعات كتبه وكذلك عناوينها، ولك أن تقرأ مثلا: الحق المر، قذائف الحق، كفاح دين، هموم داعية، معركة المصحف في العالم الإسلامي، دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين، الإسلام والاستبداد السياسي، من وحي السيرة، حصاد الغرور، مع الله، موكب الدعوة، الغزو الثقافي يتمدد في فراغنا، الإسلام المفترى عليه، ظلام من الغرب، جدد حياتك، الاستعمار أحقاد وأطماع، الإيمان ميلاد جديد لحياة إنسان، وهكذا.
أما إذا قرأت ما يكتب فإنك تشعر بأن كلماته قد كتبت بمداد من القلب، ما إن تقرأها حتى تنتقل إليك جذوتها فتدخل إلى عقلك وقلبك، وإذا خطب شعرت بأن كلامه لا يخرج من حنجرته، وإنما من قلب مهموم بدعوته، مليئ بالصدق الذي يصل إلى قلوب مستمعيه.
دعا إلى فتح باب الاجتهاد فقال “إن إغلاق باب الاجتهاد هو اجتهاد، وهذا الاجتهاد بإغلاق باب الاجتهاد انتهى إلى ضرر، والضرر هو أن الأمة توقفت فعلا عند التفكير القديم الذي كان سائدا في القرن الرابع تقريبا، والزمن يتجدد.
كما دعا إلى وحدة المسلمين، واعتبر الخلاف بين السنّة والشيعة شرا عانت الأمّة كلها ويلاته، ورفض أن يكون هناك إسلام سني وآخر شيعي.
ودافع عن المرأة، وفنّد دعاوى خصوم الإسلام، وكان يرى أنّه لابدّ من التوسّط والاعتدال في مسألة السفور والحجاب، فيكون حجابا شرعيا تتمكّن معه السيّدات من المساهمة في النهضة الدينيّة والخدمة.