ليلة القدر عظيمة القدر وسميت بذلك لشرفها وعظيم قدرها عند الله. ولأنها يقدر فيها ما يكون في تلك السنة، لقوله تعالى: “فيها يفرق كل أمر حكيم” ولأن فيها ينزل ملائكة ذوات قدر، وفيها نزل كتاب ذو قدر، بواسطة ملك ذي قدر، على رسول ذي قدر، وأمة ذات قدر، كما أن للطاعات فيها قدر، ومن أقامها وأحياها صار ذا قدر.
ومن فضائلها :
1- أنها ليلة أنزل الله فيها القرآن ،
2- أنها ليلة مباركة،
3- يكتب الله تعالى فيها الآجال والأرزاق خلال العام،
4- تنزل الملائكة فيها إلى الأرض بالخير والبركة والرحمة والمغفرة،
5- ليلة خالية من الشر والأذى وتكثر فيها الطاعة وأعمال الخير والبر، وتكثر فيها السلامة من العذاب ولا يخلص الشيطان فيها إلى ما كان يخلص في غيرها فهي سلام كلها، حتى مطلع الفجر .
6- فيها غفران للذنوب لمن قامها واحتسب في ذلك الأجر عند الله، قال سيدنا النبى: “من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه”.
متى موعد ليلة القدر؟ علينا بتحريها في العشر الأواخر، ولذا كان النبى يحرص على اغتنامها وعدم التفريط فى أى لحظة من لحظاتها، فالأعمال فيها تتضاعف والدعاء فيها يستجاب والتوبة فيها مقبولة وفرصة العتق من النيران موفورة فإن صادفتها كتب لك عمل ألف شهر بل خير من ألف شهر، فلنقم بإحياء العشر الأواخر علنا نصادف ليلة القدر وحتما سنلقاها فيها. وهذا الإحياء شامل لجميع أنواع العبادات: من صلاة، قرآنٍ، ذكرٍ، دعاء، صدقة، وغيرها، وإيقاظ الأهل للصلاة والذكر، فلا تحرم نفسك الخير لأن من الحرمان العظيم أن ترى الكثير من الناس يُضيِّعون الأوقات في الأسواق، والخيم الرمضانية وغيرها، ويسهرون فإذا جاء وقت القيام ناموا، وهذه خسارة عظيمة، فعلى المسلم الصادق أن يجتهد في هذه العشر المباركة، فلعله لا يدركها مرة أخرى باختطاف هاذم اللذات، ولعله يجتهد فتصيبه نفحة من نفحات الله تعالى فيكون سعيداً في الدنيا والآخرة.
ولكن هنا سؤال يتردد كثيرًا: لماذا أخفى الله عنا ليلة القدر؟ يجيب عن ذلك الإمام الرازي في تفسيره لسورة القدر فيقول: أخْفى هَذِهِ اللَّيْلَةَ لِوُجُوهٍ: أحَدُها: أنَّهُ تَعالى أخْفاها، كَما أخْفى سائِرَ الأشْياءِ، فَإنَّهُ أخْفى رِضاهُ في الطّاعاتِ، حَتّى يَرْغَبُوا في الكُلِّ، وأخْفى غَضَبَهُ في المَعاصِي لِيَحْتَرِزُوا عَنِ الكُلِّ، وأخْفى ولِيَّهُ فِيما بَيْنَ النّاسِ حَتّى يُعَظِّمُوا الكُلَّ، وأخْفى الإجابَةَ في الدُّعاءِ لِيُبالِغُوا في كُلِّ الدَّعَواتِ، وأخْفى الِاسْمَ الأعْظَمَ لِيُعَظِّمُوا كُلَّ الأسْماءِ، وأخْفى الصَّلاةَ الوُسْطى لِيُحافِظُوا عَلى الكُلِّ، وأخْفى قَبُولَ التَّوْبَةِ لِيُواظِبَ المُكَلَّفُ عَلى جَمِيعِ أقْسامِ التَّوْبَةِ، وأخْفى وقْتَ المَوْتِ لِيَخافَ المُكَلَّفُ، فَكَذا أخْفى هَذِهِ اللَّيْلَةَ لِيُعَظِّمُوا جَمِيعَ لَيالِي رَمَضانَ.
وثانِيها: كَأنَّهُ تَعالى يَقُولُ: لَوْ عَيَّنْتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، وأنا عالِمٌ بِتَجاسُرِكم عَلى المَعْصِيَةِ، فَرُبَّما دَعَتْكَ الشَّهْوَةُ في تِلْكَ اللَّيْلَةِ إلى المَعْصِيَةِ، فَوَقَعْتَ في الذَّنْبِ، فَكانَتْ مَعْصِيَتُكَ مَعَ عِلْمِكَ أشَدَّ مِن مَعْصِيَتِكَ لا مَعَ عِلْمِكَ، فَلِهَذا السَّبَبِ أخْفَيْتُها عَلَيْكَ، رُوِيَ «أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ دَخَلَ المَسْجِدَ فَرَأى نائِمًا، فَقالَ: يا عَلِيُّ نَبِّهْهُ لِيَتَوَضَّأ، فَأيْقَظَهُ عَلِيٌّ، ثُمَّ قالَ عَلِيٌّ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّكَ سَبّاقٌ إلى الخَيْراتِ، فَلِمَ لَمْ تُنَبِّهْهُ؟ قالَ: لِأنَّ رَدَّهُ عَلَيْكَ لَيْسَ بِكُفْرٍ، فَفَعَلْتُ ذَلِكَ لِتَخِفَّ جِنايَتُهُ لَوْ أبى»، فَإذا كانَ هَذا رَحْمَةَ الرَّسُولِ، فَقِسْ عَلَيْهِ رَحْمَةَ الرَّبِّ تَعالى، فَكَأنَّهُ تَعالى يَقُولُ: إذا عَلِمْتَ لَيْلَةَ القَدْرِ فَإنْ أطَعْتَ فِيها اكْتَسَبْتَ ثَوابَ ألْفِ شَهْرٍ، وإنْ عَصَيْتَ فِيها اكْتَسَبْتَ عِقابَ ألْفِ شَهْرٍ، ودَفْعُ العِقابِ أوْلى مِن جَلْبِ الثَّوابِ.
وثالِثُها: أنِّي أخْفَيْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ حَتّى يَجْتَهِدَ المُكَلَّفُ في طَلَبِها، فَيَكْتَسِبَ ثَوابَ الِاجْتِهادِ.
ورابِعُها: أنَّ العَبْدَ إذا لَمْ يَتَيَقَّنْ لَيْلَةَ القَدْرِ، فَإنَّهُ يَجْتَهِدُ في الطّاعَةِ في جَمِيعِ لَيالِي رَمَضانَ، عَلى رَجاءِ أنَّهُ رُبَّما كانَتْ هَذِهِ اللَّيْلَةُ هي لَيْلَةَ القَدْرِ، فَيُباهِي اللَّهُ تَعالى بِهِمْ مَلائِكَتَهُ، ويَقُولُ: كُنْتُمْ تَقُولُونَ فِيهِمْ يُفْسِدُونَ ويَسْفِكُونَ الدِّماءَ. فَهَذا جِدُّهُ واجْتِهادُهُ في اللَّيْلَةِ المَظْنُونَةِ، فَكَيْفَ لَوْ جَعَلْتُها مَعْلُومَةً لَهُ فَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ سِرُّ قَوْلِهِ: ﴿إنِّي أعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ [البَقَرَةِ: ٣٠].