مشروعاته الخيرية وخواطره.. ما زالت مستمرة
صاحب أول تفسير مسموع للقرآن.. وسر حرصه على إطعام “الحرامية”!
صلاته على النبى بلا حدود.. الفقير والمريض (نمبر وان)
تحقيق- محمد الساعاتى:
رغم مرور ٢٦ عاما على رحيل إمام الدعاة محمد متولى الشعراوى [١٩١١-١٩٩٨م] إلا أن ذكراه العطرة ما زالت باقية فى قلوب معاصريه.
أكدوا لـ”عقيدتى” أن الإمام الشعراوى لم يغب عنا منذ رحيله فى السابع عشر لعام ١٩٩٨م، سواء بعلمه النافع الذى أثرى به الأمة الإسلامية، أو بأعماله ومشروعاته الخيرية التى ما زالت تؤدَّى على أكمل وجه كما لو كان الإمام ما زال موجودا على قيد الحياة.
التقينا العديد ممن عاصروه وفتحنا معهم صندوق الذكريات فماذا قالوا؟
د. محمد العربي.. رئيس قسم الشريعة بجامعة الأزهر: فاق كل المفسرين.. واستفدت منه كثيرا
يؤكد د. محمد العربي- أستاذ ورئيس قسم الشريعة بجامعة الأزهر- من تلاميذ الشيخ الشعراوي وصاحب الإعجاز العددي في القرآن الكريم، إننا حينما نتحدث عن سيدنا الشيخ الشعراوي فإنما نتحدث عن علم من أعلام الدعوة الإسلامية، وعن علامة فارقة في تفسير القرآن وفي الخواطر الإنسانية الموفقة حول القرآن الكريم، كما كان الشيخ يحب أن يصفها بأنها “خواطر” وأنها هبات صفائية يلقيها الله على قلب العبد في آية أو بعض آية، مما جعل الشيخ الشعراوي علامة ومدرسة مؤثرة في تفسير القرآن الكريم، هو إمام فرض نفسه، وهو صاحب أول تفسير مسموع للقرآن كاملا.
أضاف: أعتقد أن سيدنا نقل لنا علوم الكبار من المفسرين، بأسلوب سهل مبسط وميسور، تسابق إلى تفسيره العلماء قبل العوام، والعوام قبل العلماء ومزج تفسيره في الجلسات بينهما، وعندما كنا صغارا في بيتنا نعكف على سماع خواطر مولانا حيث كان والدي- رحمه الله- من قراء القرآن، وكان يجمعنا لنلتف حول مائدة القرآن، وحول هذا التفسير الذي وفق به وسبق به الشيخ الشعراوي، وكعادتى أحب أن أتتبع تاريخ أساتذة العلماء، والشيخ الشعراوي ليس من العلماء فحسب بل هو من أئمة العلماء وساداتهم، عاصره علماء كثر وأعقبه وسبقه علماء، ولكنه سبق وفاق معاصريه وسابقيه ولاحقيه، وإلى يومنا هذا يدور الباحثون والمفكرون والمتأملون حول كلمات الشيخ الشعراوي في بساطتها وسهولتها ويسرها وعمق دلالتها في المعنى القرآني وكيف أنها تصل إلى القلب بدون واسطة، وأعتقد أنه كان هناك من وصف يطلق عليه فإن تفسيره الرئيسي إنما يأتى لإخلاص فضيلة الشيخ الشعراوي، لأربط هذا العمل بالعمل الخيري الذي كان يقدمه مولانا الشعراوي، حيث كان يعلمنا من نصوص القرآن ويلقي إلينا ومضات من آياته وكلماته وحروفه حروف القرآن ويمزج هذا أيضا بالعمل الخيري ليبين للجميع أن العالم ليس منفصلا عن بيئته، ولابد أن يسخر جهوده لخدمة من حوله من أهل بلدته وبيئته ودولته، ومن حسن الطالع أن مولانا الشيخ الشعراوي ليس ذائع الصيت في بلدته ومحافظته ودولته فحسب، ولكن علمه في العالم العربي والإسلامي.
ويتذكر د. العربي موقفا فيقول: أذكر حينما كنت أتحدث مع أحد الطلبة الوافدين بجامعة الأزهر أن جاءت سيرة إمام العصر الشيخ الشعراوي فسألته: هل تعرف الشيخ الشعراوي؟ فقال لي مستنكرا سؤالي: ومن في العالم لا يعرف الشيخ الشعراوي؟ لقد ساقه الله تعالى إلى أذن الزمان وعين المكان، وما أرى هذا إلا لتعلق الشيخ بكتاب الله، فمن تعلق بكتاب الله نجا وعلا في الدنيا والآخرة.
واختتم د. العربى: أؤكد أن من فتح لي باب التفسير ومغاليق التفسير هو فضيلة مولانا الشعراوي، وأنا أحاول أن اقتدي به، وإن كنت أميل إلى باب ولون جديد قديم في الوقت ذاته، وهو متعلق بالإعجاز العددى والعلمى في القرآن، ولكنني أستقي من المفاتيح التي يسوقها مولانا الشعراوي في آية أو بعض آية آملا من الله أن يفتح لي بعض مفاهيم هذه الحروف والكلمات وهذه الآيات، فعطاء مولانا لا ينضب والقرآن أيضا عطَّاء.
الحاج محمد الحلواني: حبه للرسول.. سر الوصول
يقول الحاج محمد الحلواني: كان الشيخ الشعراوي يشجعني في ثمانينيات القرن الماضي لعمل بوسترات مصوَرة لروضة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعملت محراب النبي والروضة النبوية والمواجهة الشريفة والقبة الخضراء، وعملت كتاب عن السيدة نفيسة، قرأه الإمام ووقع لى عليه، شجعنى كثيرا فقمت بإعداد كتاب “جواهر المحبّين في مدح سيد المرسلين” أذكر أنه أول واحد تبنى هذا العمل، وكان معه اللواء مجدي الزاغ، مدير أمن الدولة، حتى أنه طلب مني طبع عشرة آلاف نسخة على نفقته الخاصة وتوزيعها على أحباب سيدنا النبي.
كما شجعنى الإمام على طبع قصيدة أبو حنيفة النعمان التي كتبها في العراق ووضعها في وصيته وعندما وصل المدينة المنورة، وجد المؤذن يرددها، فقال له: لمن هذه القصيدة؟ قال: لرجل يدعى أبو حنيفة النعمان، قال: أنا أبو حنيفة النعمان، ثم سأله كيف عرفت هذه القصيدة لأنني سمعتك ترددها؟ قال: لقد رأيت من يمدح بها في الرؤيا، وجاء فى مطلعها: يا سيد السادات جئتك قاصدا أرجو رضاك وأحتمي بحماك.
أضاف: كنت أذهب إلى للشيخ وأقول له مداعبا: سيدنا النبي بيسلم عليك، لأنه كان يراه في الرؤيا، ولا أبالغ حين أقول كان يراه صلى الله عليه وسلم يقظة، وذلك بفضل كثرة صلاته على الحبيب واتّباعه لسنّته وإطعام الطعام، ومما أذكره أن حاله يقول: إن الله تعالى يقول: “خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” خذ يبقى مين؟ سيدنا النبي.
ويوضح الشيخ الشعراوي: “تطهرهم” أي النبي يطهّرهم “تطهّرهم وتزكّيهم بها” وقال له: أنت أشرف الخلق، صلّ عليهم إن صلاتك سكن لهم، وإن شئت قل: إن صلواتك سكن لهم. لأن الألف موجودة، والأئمة لا يقولون الجزء الأخير، تخيل إن سيدنا النبي يصلّي عليك، يعني كل الكون يصلّي على سيدنا النبي، وسيدنا النبي يصلّى على المنفق المحب للنبي الذي يعطي صدقته، ويتوجّه بها إلى الله بواسطة سيدنا النبي.
أضاف الحلوانى: لم يكن الشيخ الشعراوي عالما فقط بل كان دائم إطعام الطعام في كل مكان يذهب إليه مثل سيدنا الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة- رضي الله عنهم أجمعين- وفي بلدته دقادوس بهدف إطعام الطعام، ولا أنس عندما عرفت الشيخ في المدينة المنورة عام 1985م أن أهم شئ عنده يكمن فى كثرة الصلاة على سيدنا النبي، وأداء السنن وإطعام الطعام، وكان يقول:” هذا يحولّك 180 درجة، النبي صلّي عليك أنت، مين أنت علشان سيدنا النبي صلّى عليك؟”.
ويروي الحلواني أنه كان يؤدي دور الوسيط بين الإمام وحسن عباس حلمي صاحب (فاركو) بالإسكندرية في الخير، وكان الإمام يزرع في جميع الناس الخير ويطالبهم بضرورة الإهتمام بإطعام الطعام، وكان فاتح بيوتا كثيرة جدا.
وأنهى الحلواني قائلا: الشيخ الشعراوي إلى اليوم ما زال موجودا، هذه هي المائدة (بالسيدة نفيسة) ويتم تقديم الطعام يوميا- توزّع في أكياس- والحضرة العلمية تقام كل يوم اثنين، ويعد الشيخ الشعراوي أول وأكثر واحد قلّده الناس في أداء سنّة إطعام الطعام بإقامة الموائد ورسولنا الكريم يقول: (من سنَّ سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة)، الإمام سنّ سنّة إطعام الطعام في هذه المنطقة، وفي سيدتنا نفيسة فكان يردد لمحبّيه:” أوصيكم خيرا بأصحاب الحاجات أطعموهم أولا، اطعموا هؤلاء أولا، أجعلوا اللصوص في المقدّمة (الحرامية) لأنه عندما يشبع حتما سيتوقف عن السرقة إذا كان اللص يسرق لحاجة، لكي يأكل، أما وإن شبع فماذا سيصنع؟ حتما سيتوقف”.
الإمام كان كريما مع الفقراء كريما مع الأغنياء وينزل الناس منازلهم، كان عندما يذهب لبلد أو منطقة يقوم بشراء منزل، يشتري ساحة، يقيم بها مائدة ثم ينادي: أطعموا الفقراء أولا وأصحاب الحاجات، لقد كان الفقير عند الشيخ الشعراوي (نمبر وان)، وكانت كل رواتبه تذهب في سبيل الله، كل هذه الأشياء تجعل الشيخ وكأنه ما زال حاضرا بيننا لا يغيب.
الحاج محمود صبحي: العبادات والطعام والعلاج مستمر في مؤسسته بدقادوس
يروي الحاج محمود صبحي، من محبّى ومعاصرى الشيخ ذكرياته معه فيقول: شرّفنى ربّى بمعاصرة الشيخ، وكنت شاهدا على أعماله ومشروعاته الخيرية التى قدّمها لأهالي بلدته دقادوس- ميت غمر، دقهلية- وجميعها تتبع مجمع الشيخ الشعراوى بدقادوس والتى منها: مجمع الشعراوى الإسلامى، وبه قاعة مؤتمرات، ومعهد الشعراوى الدينى ومستشفى تجرى فيها العمليات الجراحية وعيادة الباطنة والأسنان بأجور رمزية، هذا بخلاف مستشفى الشعراوى (٩ أدوار) ويبعد عن منزله والمجمع بحوالى مائة مترا.
أوضح أن الإمام قدّم لأهالى بلدته مشروعاته بلغت تكلفتها فى ١٩٩٧م، أكثر من ١٣ مليون جنيه، تضم مسجد الأربعين الكبير، المعهد الدينى الأزهرى وافتتحهما الإمام د. محمد سيد طنطاوى، شيخ الأزهر، ود. أحمد عمر هاشم، ود. محمود حمدى زقزوق، وزير الأوقاف، والشيخ سيد سعود، وكيل الأزهر، ولا ينس أهالى بلدته من قدمه الشيخ الشعراوى من مشروعات خدمية مثل: عمل شبكة الصرف الصحى وبناء كوبرى دقادوس الذى يخدم محافظتي الشرقية والدقهلية، وبناء مدرسة على بن أبى طالب الكبرى.
أوضح أن الشيخ الشعراوى له باع طويل في الأعمال الخيرية ليس فى بلدته فحسب بل فى كل مكان ذهب إليه، فهو عملة نادرة ليس لها مثيل، بكل أمانة أقول: كان يتمتع بعلم إلهي، كلامه عالي فيض من عند الله، أرى أنه أجاد في تفسير القرآن لدرجه أن غيره لا يصل إلى هذا الأسلوب الراقي، وفي مجال العمل الخيري كان يجر جميع من حوله لعمل الخير، فيقول” اذهبوا بهذه الأشياء إلى فلان وفلان” وكنا لا نستطيع أن نتأخر عن أوامره وما زالت جمعيته تسير في عمل خير دون انقطاع أو معرفة وكنا نلتقي به في سيدنا الحسين وفندق قاعود والعشيرة المحمدية عند سيدي محمد زكي إبراهيم، كنا نرى الأكابر هم يجلسون مع الأكابر حيث الأدب والرقي، وبفضل الله نرى العطاء ما زال مستمرا في مؤسسه الشيخ الشعراوي الخيرية ولا تتوقف المائدة والجلسات العلمية.
أسامة عبدالسلام: استراحة ومائدة السيدة نفيسة مستمرة بإشراف نجل حفيده
يشير أسامة عبدالسلام- من معاصري- إلى أن الفيوضات والتجليات الإلهية كانت تتنزل على مولانا الذي حباه الله تعالى بعيشة نورانية، وما رأيناه يبخل على أحد بأي شئ نهائيا، فكان معطاء بلا حدود، ويعطي الفقير والغني، ويعامل الناس سواسية، ولا يرد مظلوما ولا محتاجا، ويقدم الدواء للمرضى، والنقود للمحتاجين، ويرسل الطعام لمرضى الجزام بمستشفى الأمراض العقلية بالعباسية يوميا، كان في الواحدة ظهرا ينادي: يا عاشور أو يا حسن أسرع بتوصيل الغذاء الى أخوانا في العباسية، وتخرج أذنات الطعام في سيارة الجمعية الشعراوية.
أوضح أن الشيخ كان يحب مداعبة أصحاب الحاجات ويتقرب منهم وينادي على الواحد منهم ويعطيه نقودا مرة ثانية فيقول: أنا أخذت يا مولانا، فكان يقول: خذ يا بني المال مال الله، وكان يعطي الطعام واللحم للمستحقين ويبتسم هذا رزق الله ذرية بعضها من بعض.
وينهي كلامه: الرواق بالسيدة نفيسة يسير في الخير بإشراف فضيلة الشيخ سامي وبارك الله في حفيده العميد أمين سامي الشعراوي، فالشيخ ما زال يحيى بيننا بعلمه وبأعماله الخيرية المستمرة دون انقطاع.
“الأزهر للفتوى الإلكترونية” يحتفى بذكرى وفاة الشعراوي
من جهته احتفى مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، بذكرى وفاة الشيخ محمد متولى الشعراوى، التي توافق 17 من يونيو، وقام بتسليط الضوء على أهم ملامح مسيرة إمام الدعاة.
حيث ولد فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي 15 أبريل 1911م، بقرية دقادوس، مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، وأتم حفظ القرآن في الحادية عشرة من عمره، وحصل على الشهادة الابتدائية الأزهرية عام 1923م، ودخل المعهد الثانوي الأزهري، وزاد اهتمامه بالشعر والأدب، وحظي بمكانة خاصة بين زملائه، فاختاروه رئيسًا لاتحاد الطلبة، ورئيسًا لجمعية الأدباء بالزقازيق.
التحق بكلية اللغة العربية؛ لتكون اللغة العربية بابَه إلى جميع العلوم الشرعية، علاوة على ما تمتع به الشيخ من تمكُّنٍ في فنون اللغة العربية وملكاتها، كالنحو، والصرف، والبديع، ونظم الشعر، والخطابة، وطلاقة اللسان، ووضوح البيان.
وبالفعل كانت اللغة العربية وملكاتها سبيله إلى تفسير القرآن، وتدبّر آياته، وإيصال معانيه إلى جمهور المسلمين في صورة سهلة واضحة وشيقة؛ حتى صار الإمامُ إمامًا للدعاة وعلامةً فارقة في عصر الدعوة الإسلامية الحديث، وصار الناس ينتظرون أحاديثه الأسبوعية أمام شاشات التلفاز، وعبر أثير إذاعة القرآن الكريم، وارتبط وجدانهم بحديثه وخواطره حول كتاب الله عز وجل.
وللشيخ مواقف وطنية مشرفة ضد قوى الاحتلال، وجهودٌ موفقة في رد الشبهات عن الإسلام والقرآن وسيدنا رسول الله، وتقديمِ ردود عقلانية ومنطقية عليها من خلال لقاءات إعلامية وميدانية مع شرائح المجتمع المختلفة؛ سيما الشباب منهم.
وفي كل مكان مرّ عليه الشيخ أو منصب تقلده؛ كان له فيه عظيم النفع والأثر، في مصر وخارجها، وبعد عمر مديد في رحاب الدعوة الإسلامية المستنيرة والسمحة، وفي خدمة الإسلام والمسلمين، توفي الشيخ عن عمر يناهز السابعة والثمانين، في 22 صفر 1419هـ، الموافق 17 يونيو 1998م.
و”عقيدتى” من جانبها تعرض فى العدد القادم إن شاء الله صفحات خاصة عن إمام الدعاة.