د. أشرف فهمي: الثقة بنصر الله وحسن التوكل عليه.. أسلحة مواجهة الشدائد
الشيخ أسامة النواوي: معية الله جعلت الرسول وصحابته يرفضون اليأس رغم الصعاب
أدار الندوة: جمال سالم
متابعة: محمد الساعاتي
تصوير: أحمد حسن
أكد العلماء المشاركون في ندوة “من دروس الهجرة النبوية.. الفرج بعد الشدة”، التي نظمتها “عقيدتي” بالتعاون مع وزارة الأوقاف، أن الإسلام دين التفاؤل والأمل حتى في أصعب الظروف، وأوضحوا أن اليأس مرفوض لأنه يتنافى مع الثقة في الله وحسن التوكل عليه، وثمّنوا الرعاية الكريمة من د. مختار جمعة- وزير الأوقاف- لهذه الندوات التي بدأت في المساجد قبل أزمة الكورورنا وما زالت مستمرة حتى الآن من خلال ديوان الوزارة وموقعها الإلكتروني.
في البداية تحدث الزميل جمال سالم- نائب رئيس التحرير- فأكد أن دورس الهجرة النبوية ستظل باقية إلى يوم القيامة وتستفيد منها مختلف الأجيال في إصلاح واقعها الأليم إلى الأفضل، وما أحوجنا إلى تأمل هذه الدروس في واقعنا المعاصر لتغيير واقعنا لتكون لنا الريادة والعزة مثلما كان أجدادنا الذين شيدوا أعظم حضارة في تاريخ الإنسانية لأنها ربطت الدين بالعلم والعمل، وقد ضرب لنا الأنبياء- عليهم السلام- أروع الأمثلة في الصبر على الشدائد والثقة بنصر الله، لاسيما أولو العزم منهم؛ فقال الله تعالى: “فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ”، والإبتلاء يكون على قدر الإيمان وفرج الله قريب من عباده المؤمنين وعلى رأسهم الأنبياء الذين هم أكثر الناس ابتلاء، فقال تعالى: “حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ”.
دروس عظيمة
وتحدث د. أشرف فهمي- مدير عام التدريب بوزارة الأوقاف- فقال: كانت الهجرة فرجًا بعد شدة، ويسرًا بعد عسر، حيث ضيق المشركون عليه (صلى الله عليه وسلم) ورموه بالحجارة، وسلّطوا عليه صبيانهم، إلى أن جاء الفرج من عند الله فإذن له بالهجرة، لقد كانت الهجرة النبوية حدثًا تاريخيًا فاصلا بين مرحلتين الأولى وهي الدعوة والثانية وهي بناء الدولة، واختار الله المدينة وشرفها لتكون من أفضل بقاع الأرض، حيث كانت هجرته إليها، ونزل فيها القرآن المدني، ولنتأمل قوله تعالى: “إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا”، فسمّى الله الإخراج نصرًا، حين يبدو في الظاهر خروجًا وفرارًا ،كلا لم يكن هروبًا ولا جبنًا، بل كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس وأتقاهم وأقواهم ،قال أَبُو بَكْرٍ رَضِي اللَّه عَنْه (كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَارِ، فَرَأَيْتُ آثَارَ الْمُشْرِكِينَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ رَفَعَ قَدَمَهُ رَآنَا، قَالَ رسول الله: مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا (ألم تقرأ قوله تعالى: ﴿وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾. لقد دخل الرسول وصاحبه في الحماية الربانية، وما أجمل قول الشاعر:
وإذا العناية لاحظتك عيونها.. نم فالمخاوف كلهن أمان
أضاف د. فهمي: أما قول الله تعالى: “لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا” فقالها ثقة ويقينًا بالله، ويخبرنا ربنا عزَّ وجلَّ بقول النبي لصاحبه أبي بكر الصديق وهما في الغار خلال الهجرة المباركة: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} وهو في أصعب الظروف، وأشد المواقف، فلم يهتز، ولم يتزعزع، بل قالها قولة الواثق بربّه، بها تفك الكروب، وتنزاح الهموم، وتسدد الديون، تقال في عزِّ الأزمات، لو وقفت الدنيا كل الدنيا أمامك، ولو حاربك كل البشر، فكيف تقلق؟ وكيف تحزن؟ والله ربنا هو الركن الذي لا يضام، والقوة التي لا ترام، والعزة التي لا تغلب، وما دام الله معنا فمن علينا؟ ومن نخشى؟ ولفظة (الله) لها سر، وسرها في مدلولها، ومعناها ومبناها؛ يوم تذكر الله الذي بيده مقاليد الأمور، ومقسم أرزاق الكائنات، فلفظة (الله) اسمٌ فيه الجلال والجمال والكمال.
معية الله
أشار د. أشرف إلى أن من أراد تكثير القليل قال (الله)، ومن أراد الأمن قال (الله)، ومن أراد تفريج الكروب قال (الله)، ومن أراد الغنى قال (الله)، ومن أراد الشفاء قال (الله)، ومن أراد النصر قال (الله)، ومن أراد القوة قال (الله)، باسم (الله) نستمطر به الرحمات، باسم (الله) تنزل البركات، وتمحى السيئات، وتقال العثرات، ونرزق الطيبات، والمعية عند العلماء في قول الله تعالى: (إِنَّ اللّهَ مَعَنَا) المقصود بها المعية الخاصة، التي يكون معها النصر والتأييد، والحفظ والإعانة والرعاية، وهي معية الله مع إبراهيم الخليل- عليه السلام- حين ألقي في النار، ومعية الله مع يونس-عليه السلام- حين وضع في الظلمات الثلاث: ظلمة الليل، وظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، فمن الذي نجاه، وفي بطن الحوت رعاه، فالمؤمن قوي الإيمان يثق بنصرالله وتأييده؛ يستشعر أن معية الله معه؛ فهذا نبي الله موسى- عليه السلام- حينما تقابل هو وقومه مع فرعون وجنوده وقال أصحاب موسى: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)؛ رد عليهم موسى مستحضرًا معية الله: (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)، وهي معية الله مع موسى وهارون -عليهما السلام- حين خاطبهما بقوله: “لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى”.
وأكد د. أشرف أن هناك معية تشمل العامة والخاصة هي مصداق قول الله تعالى: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)، ومعية الله للعبد تكون بحسب قربه من الله، فمن كان لله أكثر تقوى وعبادة كانت معية الله أقرب منه، ورحمة الله تغمره، ولا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وبقي لنا هجرة السيئات إلى الحسنات، فَالْهِجْرَةُ الحقيقة التي نطلبها الآن هي هجرة الذنوب والمعاصي إِلَى التوبة والطاعة والخير لَم تنته وَلَنْ تنتهي إِلَى قيام الساعة؛ فعن عبدالله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «المُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ”. فعلينا أن نهجر الحقد، الحسد، الغل، الكراهية، الأنانية، الغش، الكذب، الخيانة والنفاق، الظلم، إلى حب الخير للنفس والغير، الرحمة، مساعدة الناس، التعمير والبناء، العمل بإتقان، الإنتاج، الإخلاص لله وللوطن دون حب الظهور والشهرة، مراقبة الله في السر والعلن، أما ما يسمى بالهجرة غير الشرعية ومن يقدم حياته هزلا، ويجعلها ثمنًا رخيصًا ويركب المركب ويعرض نفسه للخطر، وهو يعلم مدى الصعوبات والاضطرابات لخرق قوانين البلاد المجاورة، فهؤلاء يجب أن يحاسبوا حسابًا عسيرًا وكل من يسهل لهم الهجرة الانتحارية، وسيسألهم الله عن أنفسهم التي أضاعوها وهم يعلمون أنهم سيواجهون أخطارًا جسيمة.
النصر الحقيقي
وقال الشيخ إسلام النواوى- عضو الادراة العامة للفتوى وبحوث الدعوة بوزارة الأوقاف-: عندما يشتد الكرب فلابد أن ينتظر الإنسان الفرج من الله، وما أحوجنا الي تأمل قوله تعالى: “إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”، النبى تعرض للإيذاء لمجرد أنه كان يريد المصلحة العامة، مع أنه كان القريب والحبيب والمؤتمن، وكأن الله يوبخ الكفار من أهل مكة، وأن النصرة لا تكون إلا بالله.
أوضح أن من مظاهر الفرج بعد الشدة ما روته أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- حيث قالت لرسول الله: (يا رسول الله، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال: لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منه يوم العقبة إذ عرضت نفسي على بن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت ،فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد ظللتني فنظرت فإذا فيها جبريل- عليه السلام- فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال: فناداني ملك الجبال وسلم عليّ ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، فقال رسول الله: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا). فقد عرض عليه عذابهم واستئصالهم وسأل لهم التأخير لعل الله ان يخرج من أصلابهم من لا يشرك به شيئا فما أرفقه بقومه رغم أذيتهم له.
الغار حصن أمان
وصف الشيخ النواوى الغار بقوله: لقد أصبح الغار مع الله حصنا، بالفعل (حصن وجمال وأمان)، فرغم أنه مكان ضيق جدا، إلا أنه أصبح أفضل من أى قصر أو أى مكان، فالسكينة نزلت على سيدنا رسول الله، وهنا التساؤل: كيف تنزل هذه السكينة وهى لم تنقطع عنه صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال عبدالله بن عباس ان السكينة هنا نزلت على سيدنا أبي بكر لأن الله عندما يريدها تنفرج، تنفرج بقدرته عز وجل رغم أن صناديد قريش رصدوا مكافأة 100 جملا، لكن الله حمى نبيه وصاحبه بحمامتين وبيضتين وعنكبوت “مَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ”.
واختتم الشيخ النواوى كلمته داعيا بتأمل واقعة خروج رسول الله مهاجرا إلى المدينة هو وأبو بكر ومن معهما، وتفاصيل قصته مع أم معبد رضي الله عنها، وكيف كان يتعامل معها من أدب واحترام ورحمة، ولما لا وقد وصفه ربُّه فقال: “وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ”، وقوله: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ”.