الاهتمام بجودة إنتاج المحاصيل من أهم أسباب نهضة الأمة
د. رمضان حسان:
الأسلام يحث على الاستزراع والاستصلاح ولو كانت الدنيا على مشارف القيامة
د. محمد الشافعي:
الشريعة تدعونا إلى التخطيط والأخذ بالأسباب ولا تعرف الارتجال والعشوائية
أدار الندوة:
إبراهيم نصر
تابعها: محمد الساعاتى
تصوير: عادل حسام
أكد العلماء المشاركون فى ندوة وزارة الأوقاف وجريدة عقيدتي أن الشريعة الإسلامية شجعت على إعمار الأرض وزراعتها، كما رغبت المسلم فى أن يكون إيجابيا في كل أحواله، وأن يكون نافعا لنفسه ولغيره، وقد حث النبي صلّى الله عليه وسلم على كل فعل من أفعال البر والإحسان والصدقة والنفعِ للغير حتى ولو لم ير الفاعل ثمرته، وقد جاء في الحديث: “إنْ قامَتِ السَّاعَةُ “، أي: إذا ظن أحدكم ظنا أكيدا أن القيامة بأشراطِها ومواصفاتها قد قامت “وفي يَدِ أحَدِكُم فَسِيلَةٌ”، أي: نبتة صغيرة من النخل، “فإنِ اسْتَطاعَ أنْ لا تَقومَ حتى يَغْرِسَها فلْيَغْرِسْها”، أي: يزرعها في التربة، ولا يترك عمل الخير والنفعِ، وهذه مبالغة وحث على فعل الخير حتى في أحلك الظروف، ولو ظن صاحبه انعدام الانتفاع به.
قالوا: ومن أنواعِ الخير غرس الأشجار وحفر الآبار لتبقى الدنيا عامرة إلى آخر لحظة فيها، فكما غرس غيرك ما شبعت به؛ فاغرس لمن يجيء بعدك، وقد ذكر النبي صلَّى اللهُ عليه وسلم في أحاديث أخرى فضل الغرس والزرعِ، لما فيه من إطعام الناس والطير والدواب، ولما فيه من توفير الأقوات، وذلك يدل على أن عمل الإنسان الخير بيده أمر محمود، وكذلك يحض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على استمرارية العمل في الخير إلى آخر لحظة في العمرِ.
أقيمت الندوة برعاية كريمة من الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، بمسجد نوري خطاب بمدينة نصر بالقاهرة تحت عنوان: “الزارع المجد”، وأدارها الكاتب الصحفى الزميل إبراهيم نصر مدير تحرير “عقيدتي”، وحاضر فيها كل من: الدكتور رمضان محمد حسان الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف، والدكتور محمد الشافعي عضو الإدارة العامة للإرشاد الديني بديوان عام وزارة الأوقاف، وحضرها فضيلة الشيخ عبد الباسط عمارة مدير إدارة شرق مدينة نصر، وفضيلة الدكتور ربيع غازى مفتش الإدارة، وفضيلة الشيخ حسن سعيد إمام مسجد نورى خطاب، وفضيلة الشيخ نصر محمود نصر إمام مسجد الهَدى بشرق مدينة نصر.
شرف الزرع وبركته
فى بداية كلمته بالندوة أكد د. رمضان محمد حسان أن الشريعة الإسلامية قد حثت على الاستزراع والاستصلاح، حتى ولو كان الإنسان في آخر لحظات عمره، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفى يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ تقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ)، ويقول صلى الله عليه وسلم أيضا: (مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا، فَإِنْ لَمْ يَزْرَعْهَا، فَلْيُزْرِعْهَا أَخَاهُ).
أضاف الدكتور رمضان حسان: ولشرف الزرع وبركته جعل الله من نعيم الجنة زروعا تسر الناظرين وتريح نفوسهم، قال تعالى: “وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ”، وقال: “وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ”، كما وردت الكلمات التي تدل على الحرث والزراعة في أكثر من عشرين آية من القرآن الكريم؛ مما يدل على شرفها وعظيم فضلها، وكفى مهنة الزراعة شرفا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مارسها بنفسه، فعَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: (كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى أَنْ أَغْرِسَ لَهُمْ خَمْسَمِائَةِ فَسِيلَةٍ، فَإِذَا عَلَقَتْ فَأَنَا حُرٌّ، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَغْرِسَ فَآذِنِّي)، فَآذَنْتُهُ، فَغَرَسَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَّا وَاحِدَةً، غَرَسْتُهَا بِيَدِي، فَعَلَقْنَ جَمِيعًا إِلَّا الْوَاحِدَةُ الَّتِي غَرَسْتُهَا).
ويشير الدكتور رمضان حسان إلى قول الشيخ زكريا الأنصاري ـ رحمه الله -: “أفضلُ ما أكلتَ منه كسبُك من زراعة؛ لأنها أقرب إلى التوكل، ولأنها أعمّ نفعًا؛ ولأن الحاجة إليها أعم” وقديما قالوا: “الناس في تصرفهم ومعايشهم بين ثلاثة أمور، من لم يكن منها كان عيالا عليها وكَلاًّ: التجارة، والزراعة، والصناعة”.
الاهتمام بالتوسع الزراعي
وأوضح الدكتور رمضان أن الشريعة الإسلامية قد اهتمت بالتوسع الزراعي، ولهذا وضع الفقهاء في كل كتب الفقه باب (إحياء الموات) بناء على حديث النبي صلى الله عليه وسلم (من أحيا أرضا مواتا فهي له) وذلك ليتسابق الناس في عمارة الأرض بالزراعة، وذلك من خلال التنظيم الذي تحدده السلطة المختصة كما يرى الإمام أبو حنيفة رحمه الله، حيث يرى أن تملك المحيي للأرض التي أحياها يكون بإذن الإمام الذي تمثله الآن الأجهزة المسئولة عن استصلاح الأراضي.
أضاف: كما اهتم الفقهاء أيضا بالمرافق التي تخدم الأراضي الزراعية ولا تتحقق الإنتاجية الجيدة بدونها، مثل تنظيم عملية الري التي تسمى (حق الشرب)، وكذلك (حق الصرف) وهو صرف المياه الزائدة عن حاجة الأرض، ثم جاء القانون المدني المعاصر تبعا للفقهاء ليؤكد على هذه الحقوق التي لا تتحقق الإنتاجية الجيدة بغيرها. كما شجعت الشريعة على الزراعة من خلال ترتيب الثواب عليها، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ نَخْلًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَائِرٌ، أَوْ دَابَّةٌ، أَوْ إِنْسَانٌ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةً”. وكذلك الثواب الذي يحصله الزارع من خلال زكاة الزروع والثمار والتصدق منها، قال تعالى: “وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ”.
الاقتصاد الزراعي
وفى كلمته بالندوة يحدد الدكتور محمد الشافعي صفات الزارع المجد بقوله: إن الزارع المجد لكي يكون نافعا لمجتمعه ووطنه ينبغي أن تتوافر فيه صفات مهمة، منها: “التخطيط الواعي”: فالإسلام يدعو دائما إلى التخطيط والأخذ بالأسباب، ولا يعرف الارتجال والعشوائية، وترك الأمور تجري في أعنَّتِها بغير ضابط، ولا رابط ولا نظام، وإن القرآن الكريم يذكر لنا مشروع تخطيط الاقتصاد الزراعي، فعندما علم يوسف عليه السلام من خلال الرؤيا وما علّمه الله من تأويل الأحاديث وقوع أزمة غذائية عامة ستصيب المنطقة بأكملها، اقترح مشروع الخطة، ووكل إليه تنفيذها، وكان فيها الخير والبركة على مصر وما حولها، قال تعالى: “قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)”.
همة عالية وإخلاص
وقال الدكتور محمد الشافعي: ومما يجب أن يتحلى به الزارع المجد أيضا (النشاط)، فالزارع الذي يرجو الفلاح، يقوم بعمله على أكمل وجه، ويمارس مهنته في همة عالية، وإخلاص منقطع النظير قال تعالى: “وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون”. كذلك الزارع المجد يستشير أهل الخبرة والعلم والاختصاص، الذين يقدمون إليه النصيحة من أجل تقديم منتج عالي الجودة، وفي الوقت ذاته لا يضر بصحة الناس، قال تعالى: “فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ”، وقال سبحانه: “فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا”، وفي حديث تأبير النخل قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِمَا يَصْلُحُكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ فَأَمَّا أَمْرُ أخرتكم فإليّ”. والزارع المجد يهتم بزراعته، ويعتني بها، ويساهم بما استطاع من جهد وطاقة في العمل على توسيع الرقعة الزراعية، وتحسين الإنتاج مستخدما الوسائل الحديثة، طالبا بذلك الأجر من الله وخدمة الوطن، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ نَخْلًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَائِرٌ، أَوْ دَابَّةٌ، أَوْ إِنْسَانٌ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةً”.
لا للتجريف والتبوير
كما يجب علي الزارع انطلاقا من حسه الديني والوطني مقاومة كل محاولات التجريف والتبوير غير المشروعة للأراضي الزراعية والبناء عليها؛ لأن الزراعة هي التي تؤمن الغذاء، وتقضي على الجوع، وتساهم في خلق فرص عمل، وتعد أساسا للثروة الحيوانية، بل تقوم عليها الصناعة والتجارة.
واختتم د. محمد الشافعي بقوله: إن الاهتمام بالزراعة يعد أحد أهم أسباب نهضة الأمة والوصول بها إلى المستوى اللائق بين الأمم، يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي (إمام الدعاة) رحمه الله: “لن يكون القرار من الرأس حتى يكون الطعام من الفأس”، ولن يحترم الناس ديننا ما لم نتفوق في أمور دنيانا -. كما أن من صفات الزارع الوطني المجد المسارعة في تسويق محصوله فور الحصاد، فلا يحبسه منتظرا وقت الغلاء كي يحصل على ربح أكبر، فهذا احتكار حرمه الإسلام، قال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ”، وقال أيضا: “المحتكر ملعون”.