خلال احتفال وزارة الأوقاف بذكرى ليلة الإسراء والمعراج اليوم الخميس ٢٥ من شهر رجب ١٤٤٤هـ، الموافق ١٦ فبراير ٢٠٢٣م عقب صلاة العشاء بمسجد الإمام الحسين (رضي الله عنه) بمحافظة القاهرة، بحضور معالي اللواء/ خالد عبد العال محافظ القاهرة، ومعالي أ.د/ محمد عبد الرحمن الضويني وكيل الأزهر الشريف نائبًا عن فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر، وسماحة الشيخ الدكتور/ عبد الهادي القصبي شيخ مشايخ الطرق الصوفية، والسيد/ محمود الشريف نقيب السادة الأشراف، وأ.د/ علي عمر الفاروق نائبًا عن فضيلة أ.د/ شوقي علام مفتي الجمهورية، والأستاذ الدكتور/ سلامة داود رئيس جامعة الأزهر، والأستاذ الدكتور/ نظير عياد أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، والأستاذ الدكتور/ محمد أبو هاشم أمين سر اللجنة الدينية بمجلس النواب، والدكتور/ هشام عبد العزيز علي رئيس القطاع الديني، ولفيف من القيادات الدينية والقيادات التنفيذية والشعبية وجمع غفير من رواد المسجد.
وفي كلمته قدم أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف التهنئة لسيادة الرئيس/ عبد الفتاح السيسي (حفظه الله) والشعب المصري، سائلًا الله (عز وجل) أن يجعل هذه الأيام أيام يمن وبركة على مصرنا العزيزة وسائر بلاد العالمين، وأن يبلغنا رمضان بكل خير، مؤكدًا أنه لا يمكن قراءة أي حادثة مفردة من حوادث السيرة النبوية المشرفة قراءة دقيقة بمعزل عن السياق العام لسيرته (صلى الله عليه وسلم)، ومجملُ سيرته (صلى الله عليه وسلم) يدور بين أمرين يتكاملان ولا يتناقضان، هما: الأخذ بأقصى الأسباب، والإيمان بطلاقة القدرة الإلهية وعزو الأمر كله لله تعالى، وهما يشكلان معًا عصب مفهوم حسن التوكل على الله (عز وجل).
فإذا ما تحدثنا عن الأخذ بالأسباب فإننا لا يمكن أن نتحدث عنه بمعزل عن طلاقة القدرة الإلهية في إعمال الأسباب أو عدم إعمالها.
وإذا تحدثنا عن أهمية الأخذ بالأسباب فإننا يجب أن نسلم بعظمة وطلاقة القدرة الإلهية، فما هو عجيب وغريب في دنيا الناس ليس على الله ببعيد.
وفي مطلع سورة الإسراء يقول تعالى: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ”، فأسند الفعل لله سبحانه وتعالى، وإذا أُسند الفعل لله (عز وجل) فلا تقل: كيف كان؟ ولا لم كان؟ ولا بأى وسيلة كان؟ “إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ”، فالإسراء والمعراج آية من آيات الله (عز وجل).
كما أشار إلى بعض المعاني التي وردت في سورة الإسراء، في الآيات من ٤٤ حتى ٥١ يقول الحق سبحانه وتعالى: “تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا * وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا * وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآَنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا * انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا * وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا * قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا”.
وكأن هذه الآيات قد جاءت ردًا صريحًا وواضحًا على من يحاولون التشكيك في بعض جوانب هذه الحادثة، يقول سبحانه: ” تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ”، فنقول لمن لا يؤمنون إلا بالمحسوس الذي تراه أعينهم أو يسمعونه بآذانهم، هل تؤمنون بهذه الآية؟ وبتسبيح السموات والأرض؟ أم أنتم منكرون لذلك؟ إن كنتم تؤمنون بهذه الآية وبهذا التسبيح مع عدم سماعكم له، فليس عدم سماعنا لتسبيح السموات والأرض انتفاء لهذا التسبيح، كذلك إن كنتم ترون أن عقولكم قد لا تستوعب بعض ما جاء في حادثة الإسراء والمعراج، فليس في عدم استيعاب عقولكم أنتم له انتفاء له، لأن الأمر يتعلق بقدرة الله (عز وجل).
ثم يأتي التذييل في الآية: “إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا” حليمًا على الجاحدين والمنكرين، غفورًا للتائبين، ثم تأتي الآيات التي بعدها، حيث يقول سبحانه: “وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا” الحجاب يكون ساترًا، وعبر هنا باسم المفعول وأراد اسم الفاعل مبالغة، وكأن هناك أغشية على أغشية وأكنة وأكنة على قلوبهم، ولذلك جاءت الآية: “وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا”، من شدة الطمس على قلوبهم، ومن شدة تمسكهم بالباطل لا يريدون أن يسمعوا، وإن سمعوا فإنهم لا يفقهون.
ثم تأتي الآيات: “نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ” قال بعض أهل العلم نحن نعلم أن بعضهم يسمع لا ليطمئن قلبه ولكن ليبحث عما يمكن أن يجد فيه مجالا للقدح في هذا الكتاب العزيز ، ولكن هيهات ، نحن أعلم بطريقة استماعهم “إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا” نحن أعلم بقلوبهم وبما يتناجون به، “انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا”.
مؤكدًا أن بعض الناس ممن يشككون قد يقولون: تقولون إن الله أحيا الأنبياء فصلوا خلف النبي (صلى الله عليه وسلم) وكأنهم يستغربون ذلك، نقول هل أنتم مؤمنون أصلًا بعقيدة البعث بعد الموت؟ من كان يؤمن بالبعث بعد الموت فلن يستغرب ابدًا أن يحيي الله الأنبياء ليصلوا خلف النبي (صلى الله عليه وسلم)، القضية هي في من يؤمن بالله واليوم الآخر أو من لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر.
مضيفًا أن كل آية في القرآن الكريم وكل كلمة وقعت موقعها في مكانها المناسب فليس صدفة ولا بمستغرب أن تأتي هذه الآيات في عمق سورة الإسراء وكأنها جاءت لترد على المشككين إلى يوم الدين: “وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا” الرفات ما تكسر وبلي من الشيء، فجاء الرد: “قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا”، سواء كنتم رفاتا و عظاما، أو حتى لو كنتم حديدا أو حجارة “أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ” أي شىء آخر ترونه أو تتوقعونه عصيا ، فسنعيدكم كيفما كنتم وأينما كنتم ، ” فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ” والإنغاض هو التمايل بالرأس إلى أسفل أو إلى أعلى نظرة استهزاء واستنكار “فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ” مستكبرين جاحدين معاندين متكبرين مشككين، “وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا” وكل ما هو آت قريب، يقول الشاعر:
يا نائم الليل مسرورا بأوله
إن الحوادث قد يطرقن أسحارا
ويقول الحق سبحانه: “أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ”.
فجاءت سورة الإسراء متضمنة هذه الآيات لسابق علم الله سبحانه أن هناك من سيجادل، وهناك من سيشكك، وهناك من يقول كيف كان؟ فجاءت هذه الآيات التي تقول: لا تنكروا ما لا تستوعبه عقولكم، فالسماوات تسبح، والأرض تسبح، والكون يسبح، وليس في عدم سماعكم انتفاء التسبيح ، ونؤكد أن القضية لا تتعلق بإحياء الأنبياء لسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) للصلاة خلفه فحسب ، وإنما تتعلق بالقضية الكبرى وهي قضية الإيمان بالبعث ، فمن آمن بالله وبقدرته في الكون وقدرته على الإحياء والبعث سيجد أن كل ما ذكر من صحيح الأحاديث في الإسراء والمعراج أمر سهل متقبل إكراما لسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، أما الآخرون فأمرنا وأمرهم إلى الله.