تُعدّ فريضة الحجّ من أعظم العبادات في الإسلام، وأعلاها منزلة، يتجلي فيها كمال الإيمان بكمال التسليم لله عز وجل.
والمتدبّر لحديث القرآن عن الحج يجد عددًا من المقاصد والأسرار التي ينبغي أن يتوقف معها المسلم وفهم مقاصد العبادة وأسرارها وحِكمها يساعد بشكلٍ كبيرٍ في تعظيمها وحضور القلب عند القيام بها.
بعض المقاصد والأسرار للحج وردت في مواضع مختلفة في القران الكريم توضح القيم الانسانية والاخلاق للمسلم عند أداء فريضة الحج، حيث وردَ ذِكر الحج في: (سورة البقرة، وسورة آل عمران، وسورة المائدة، وسورة التوبة، وسورة الحج)، وهي السورة الوحيد التي سميت باسم ركن من أركان الإسلام، فصّل سبحانه في القرآن الحديث عن أعمال الحج ما لم يفصل في غيره من العبادات، وهذا يدل على عناية الله بهذا الركن ومكانته الكبيرة عنده سبحانه وتعالي.
ويتمنى كلُّ مسلم أن ينال شرف هذه الزيارة، فتحنُّ القلوبُ وتهفو النفوسُ في كلّ عامٍ في مثل هذه الأوقات إلى حجّ بيت الله العتيق، تلبيةً لنداء إبراهيم عليه السلام الذي أمره الله -سبحانه- بتبليغه للناس كافّة، فقال تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ).
التوحيد والإخلاص لله، فلم يأمر إبراهيم عليه السلام ببناء البيت إلّا لتحقيق توحيده سبحانه، ويظهر ذلك جليًّا من اقتران الأمر ببناء البيت بالنهي عن الشرك والتخلّص من مظاهره، حيث قال تعالى: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ).
وتحقيق الإخلاص من أعظم ثمرات التوحيد، وقد نبّه الله عباده لضرورة تحقيقه في الحج فقال تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ).
تحقيق معنى العبودية والانقياد لله ،وهذا يظهر بوضوح عند استجابة الحاج للقيام بهذه الفريضة وارتداء لباس الإحرام والطواف بالكعبة والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفة، فهو يقوم بهذا الأعمال منقادًا لأمر الله ومتأسيًا برسول الله تنقية النفس من الأخلاق المذمومة.
ونهى اللهُ تعالي الحاج عن الفحش والسباب واللغو والجدال، فقال تعالى: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ). فيه تعظيم لفريضة الحج من جهة، وليعتد المسلم على الابتعاد عن مثل هذه الأخلاق المذمومة بعد الحج من جهة أخرى.
ربط قلب المسلم بذكر الله الذكر مِن أحبّ العبادات إلي الله سبحانه وأعظمها أجرًا وقد ربط الله به كثيرًا من العبادات ومن أبرزها عبادة الحج، حيث قال تعالى: (فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ).
فالإسلام دين المساواة وهذا يظهر واضحًا في اجتماع الناس للصلاة واجتماعهم للحج حيث يقف الغني بجوار الفقير والعربي بجوار العجمي في صعيد واحد بثياب واحدة بخلاف ما كان عليه أهل الجاهلية، فقد قال تعالى: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، ومن ذلك أيضًا أنه سبحانه أمرهم بالانشغال بذكر الله عن التفاخر بالآباء والأجداد، فقال تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}.
تربية المسلم على الانضباط ويظهر ذلك بتحديد المواقيت الزمانية والمكانية للحج، فالمواقيت الزمانية هي الأشهُر التي حدّدها الله للذهاب للحج، كما وَقَّت سبحانه وقتًا محددًا للوقوف بعرفة، إذا تجاوزه الحاج بطل حجه، ووقتًا لرمي الجمار، فقال الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ).
فمن مقاصد الحج التأكيد على وحدة الأمة وتماسكها وإحياء معنى الأخوة الإيمانية ، حيث إن اجتماع الأمة بهذه الأعداد الكبيرة مع اختلاف أشكالهم ولغاتهم على توحيد الله وعبادته يترك مردودًا نفسيًّا واجتماعيًّا كبيرًا في قلوب أهل الإيمان ولذلك أمر الله الأمة بالاجتماع على دينه فقال سبحانه: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا).
الموازنة بين المصالح الدنيوية والمصالح الأخروية من محاسن الإسلام فقد أباح الله للحاجّ أن يجمع بين أداء المناسك وبين التجارة والتكسّب، بشرط أن لا تؤثِّر على المقصد الأصلي ألَا وهو العبادة، فقال -عز وجل-: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ)، وقال أيضًا: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ).
فقد نبّه الله سبحانه وتعالى الحاج الذي يتزود عند سفره بما يكفيه من زاد الدنيا ليصل إلى وجهته سالمًا ألّا ينسى التزوّد للدار الآخرة، وخير ما يتزود به في سفره للدار الآخرة تقواه سبحانه، وذلك بفعل الطاعات واجتناب المعاصي والسيئات، حيث قال الله تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ).
نهى اللهُ سبحانه وتعالي الحاج عن الفحش والسباب واللغو والجدال والمماراة، وعمل الطاعات واجتناب المعاصي فقال تعالى: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ).
وذلك تعظيم لفريضة الحج من جهة، وليعتد المسلم على الابتعاد عن مثل هذه الأخلاق المذمومة بعد الحج.