د. محمود عبدالرحمن: كل ضار حرام رغم أنف المتنطعين
د. عبدالرحمن رضوان: محاربته بإجماع الأدلة الشرعية والطبية
أدار الندوة: جمال سالم
أكد العلماء المشاركون فى الندوة التى أقيمت بمسجد الشامخية ببنها، محافظة القليوبية، بالتعاون بين عقيدتي ووزارة الأوقاف، برعاية الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، تحت عنوان:” التدخين والإدمان.. هدم القدوة في المجتمع”، أن الإسلام حرص على دين وصحة ومال الإنسان بتحريم كل ما يعرضها للخطر.
أشاروا إلى أهمية توعية الأجيال بخطورة كل المحرمات شرعا لأن الله لم يحرمها إلا لأنها ضارة على الفرد والمجتمع.. حضر الندوة الشيخ نجاح العجمي، مدير إدارة بنها أول، والشيخ محمد الدغيدي، خطيب المسجد، وبدأت الندوة بتلاة قرآنية مباركة للشيخ محمد رمضان، واختتمت بابتهالات دينية للشيخ حجازي السعيد.
أكد الزميل جمال سالم، مدير تحرير عقيدتى، أنه إذا كان يطلق على الخمر “أم الخبائث” فإن التدخين “أبو الخبائث” لأنه البوابة الشيطانية لكل أنواع الإدمان، فالتدخين من الذنوب المركَّبة حيث يرتكب المدخّن أربعة ذنوب مع كل سيجارة لأنه يضر بالصحة وإضاعة للمال وتلوث للهواء الذي خلقه نظيفا، إلحاق الضرر بالآخرين المتضرِّرين من التدخين السلبي، والغريب أن المدخّن يتوقف لا يطيع أمر الله بتحريم التدخين، ويستمع للطبيب إذا أمره بذلك بعد أن يكون قد أضاع صحّته وماله، ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية هي: كل مادة خام أو مستحضَرَة أو مصنَّعة، يُؤدِّي تناولها إلى اختلال في وظائف الجهاز العصبي المركزي سواء بالتهبيط أو التنشيط أو الهلوسة، مما يُؤثِّر على العقل والحواس، ويسبب الإدمان.
حرام بالإجماع
أكد د. محمود عبدالرحمن، عميد كلية أصول الدين بطنطا – جامعة الأزهر، أن مشكلة التدخين والإدمان من المشكلات المستفحَلَة في العالم رغم أنه تبيّن بعد التحليل الكيمياوي للدخان أنه يحوي مائتي مادة كيماوية، وأن اثنتي عشرة مادة من مركبات الدخان تسبب مرض السرطان بمختلف أنواعه، وقد كرم الإسلام الإنسان، وحرَّم تحريمًا قاطعًا كل ما يضُرُّ بالنفس والعقل، ومن هذه الأشياء التي حرمها: المخدرات بجميع أنواعها على اختلاف مسمياتها من مخدرات طبيعية وكيمائية، وأيًّا كانت طرق تعاطيها، عن طريق الشرب، أو الشم، أو الحقن؛ لأنها تؤدي إلى مضار جسيمة ومفاسد كثيرة، فهي تفسد العقل، وتفتك بالبدن، إلى غير ذلك من المضار والمفاسد؛ ونفس الحكم ينطبق على التدخين، وتدخل جميعا في إطار الأمر الإلهي:” وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”، ويقول:” وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا”، ونصت الآيتان على النهي عن الإضرار بالنفس، والإلقاء بها في المهالك، والأمر بالمحافظة عليها من المخاطر، ومعلوم أن في التدخين وتعاطي المخدرات هلاكًا ظاهرًا، وإلقاءً بالنفس في المخاطر، وعن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت:” نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفْتِرٍ”. فهذا الحديث نص في تحريم المخدرات؛ ولا يُقَلِّل من حرمة المخدرات كونها ليست خمرًا؛ لأنها أي: المخدرات من جملة المُفَتِّرات، والقاعدة عند الأصوليين:” أنَّه إذا ورد النهي عن شيئين مقترنين ثم نصَّ على حكم النهي عن أحدهما من حرمة أو غيرها أُعطِيَ الآخرُ ذلك الحكم بدليل اقترانهما في الذكر والنهي، وفي الحديث المذكور ذكر المُفْتِر مقرونًا بالمسكر، وتقرَّر تحريم المسكر بالكتاب والسنة والإجماع فيجب أن يُعطَى المفتر حكمه بقرينة النهي عنهما مقترنين.
أوضح أن القواعد الشرعية تقتضي القول بحرمة المخدرات والتدخين لما فيها من ضرر حسي ومعنوي، وما كان ضارا فهو حرام؛ لقول الرسول:” لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ”، ولهذا فإن التدخين والإدمان يتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية في المحافظة على العقل والنفس والمال، كما أنها ليست من الطيبات التي أحلها الله، ولاشك أن التدخين بأنواعه والحشيش والمخدرات وكل ما يتصل بذلك مما هو خبيث ومضر للعقل والبدن حرام، فقال تعالى:” يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ”، ومن المعلوم المسلم له عند الأطباء اليوم وعقلاء الناس عموماً ضرر هذه الأشياء وخبثها، ولهذا أفتى علماء المسلمين في كل مكان وزمان بحرمتها، ولا قيمة لمن يستندون إلى الأقوال الضعيفة أو المختلف فيها حول حرمة التدخين أو التبغ بحجة أنه لم يذكر صراحة في القرآن الكريم أو في الحديث النبوي، فقد اعتبره العلماء المعاصرون حرامًا، نتيجة للأضرار الصحية الجسيمة التي يسببها، ومن الأسباب التي دفعت العلماء لاعتبار التدخين محرمًا هو أن الشريعة الإسلامية حرمت كل ما يضر بصحة الإنسان، فعلاوة على ذلك يعتمد الفقهاء في تحريم التدخين على حث القرآن بعدم إضاعة الأموال، كما دفعت المخاطر المتعلقة بالتدخين السلبي الفقهاء المعاصرين أن تستشهد بوجوب الابتعاد عن التسبب بالضيق والإزعاج والأذى المتعمد للآخرين، كما أن إضاعة المال في التدخين والإدمان نوع من الاسراف المحرم، لقوله تعالى:” وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا..”
واستطرد د. عبدالرحمن أن صحة الإنسان نعمة تستوجب شكر الله، ومن شكر هذه النعمة المحافظة عليها، وتسخيرها في نفع النفس والناس، فكما أن الشكر يكون بالقول فهو أيضاً بالعمل، فقال تعالى:” اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ”، ولهذا فالتدخين حرام شرعاً، ومعصية يعرض الإنسان نفسه من خلالها إلى الهلكة، وهذه الحرمة تنسحب على البائع والمشتري والمُصّنع وكل من ساهم في عملية إيصال الدخان إلى المدخن،ولهذا فإن التجارة بالخمر والمخدرات محرمة شرعًا؛ لقول النبي: «لَعَنَ اللهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ»، وقوله: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ». ولهذا يجب التعاون على محارصرة التدخين والإدامن سزاء بالوعي أو بالقانون، لقوله تعالى:” وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”. لاشك أن هناك عددا كبيرا ابتلى بنقمة التدخين يحاول التشكيك في حرمتها بالقول أنها مكروهة.
وحذر من أن مجموع الدخل الذي تحققه الدول الكبرى من جراء الضرائب الباهظة على إنتاج التدخين هو أقل بكثير من الأموال التي تُنفَق لمعالجة الأمراض الناتجة عنه، وإنه من المهم معرفة أن الآثار المدمرة للتدخين لا تظهر بشكل واضح، إلا بعد ربع قرن، يدخِّن الشاب، ولا يدري ماذا يفعل بنفسه، لكن بعد مُضي عشرين عامًا أو أكثر تبدأ الآثار الضخمة للتدخين في الظهور، وللتدخين تأثيره على قدرات ووظائف أعضاء الجسم، فآثاره الضارة كثيرة وخطيرة، فالتدخين يصيب الإنسان بالكثير من الأمراض المزمنة والسرطانات.
وأنهى د. عبدالرحمن كلامه مؤكدا أن الله حرم علينا كل ما يضرنا ويضر عقولنا وأبداننا، وحرم علينا كل شيء يسكر، لأنه يغطي العقول ويضرها ويفضي بها إلى أنواع الفساد، فقد يقتل المخمور ويزني ويسرق إلى غير هذا من الفساد العظيم المترتب على الخمر، ولهذا قال سبحانه:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” وهذه الكلمة فاجتنبوه تدل على شدة التحريم، يعني: ابتعدوا عنه غاية الابتعاد، مثلما قال “فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ”، فهي أبلغ من قول: فاتركوه ثم قال سبحانه:” إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ” ثبت عن الفاروق عمر أنه لما سمع هذه الآية قال:” انتهينا انتهينا”.
أدلة شرعية
أكد د. عبدالرحمن رضوان، مدير الدعوة بأوقاف القليوبية، أن الإسلام جعل المحافظة على النفس والعقل مِن الضروريات الخمس التي دعا إلى المحافظة عليها، وهي: الدين، النفس، النسل، العقل، المال؛ حتى يمكن للإنسان أن يكون خليفة لله في الأرض ويقوم بعِمارتها، ولقد أنعم الله على الإنسان بالعقل والجسم وسائر الأعضاء، وأمره بالمحافظة عليها، وعدَّ التعدي عليها جريمة يعاقب الشرع عليها، وخاصة أن المدخّن يعلم أن الدخان مركب من مواد سامة ويستمر في تدخينه فكأنه يقتل نفسه، وبخاصة أن المدخن يسمع ويشاهد عدداً من المدخنين قد أصيبوا بأمراض سرطانية وبأمراض أخرى ناجمة عن التدخين وماتوا على إثرها، فكأن المدخّن يصرّ على قتل نفسه بشيء ضار وفيه أنواع من السموم، وفي كثير من الأحيان يضيّق المدخّن على عائلته في الإنفاق نتيجة شرائه للدخان، فالتدخين أوقع المدخن في محظور آخر من الناحية المالية وضرت بالعقل أو بالجسم أو بالمال. وكما هو ملاحظ فإن الدخان مضرره بالجسد والبيئة والآخرين، فضلا عن أنه تبذير محرم لقوله تعالى:” وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا.إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا “.
أوضح أن قلَّة من العلماء قرن التدخين والإدمان بحكم المنتحر وما ينتظره من عقاب إلهي في الآخرة، قال صلى الله عليه وسلم:” من قتَلَ نفسَهُ بحديدةٍ جاءَ يومَ القيامَةِ وحديدتُهُ في يدِه يتوجَّأُ بِها في بطنِهِ في نارِ جَهنَّمَ خَالدًا مخلَّدًا أبدًا، ومن قَتلَ نفسَه بسُمٍّ فَسمُّهُ في يدِه يتحسَّاهُ في نارِ جَهنَّمَ خالدًا مخلَّدًا”. واستندوا إلى أن معنى هذا الحديث النبوي أن من يشرب أو يتجرع مادة سامة قاتلة وأدى ذلك إلى هلاكه فإنه يعد منتحراً، وأن مصيره في الآخرة بالكيفية التي مات بها، ومن المعلوم أن الدخان يشمل مواد سامة، وأن الذي يدخن فإنه يقوم بعملية انتحارية بطيئة لاستنشاقه أو بلعه هذه المواد، وكذلك قول رسول الله:” إن اللهَ يرضَى لكم ثلاثًا ويسخطُ لكم ثلاثًا يرضَى لكم أن تعبدوه ولا تُشرِكوا به شيئًا وأن تعتصموا بحبلِ اللهِ جميعًا ولا تفرَّقوا وأن تناصحوا مَن ولَّاه اللهُ أمرَكم”. وإضاعة المال تشمل الإنفاق في الأمور المحرمة، كالتدخين والقمار وشرب الخمر مهما بلغ مقدار الإنفاق، وكذلك فإن شراء السم ليقتل الإنسان نفسه أو يقتل غيره فيه إضاعة للمال، وكراهة الله للشيء يعني تحريمه.
وأشار د. رضوان إلى أن الخلاف الفقهي بين علماء المسلمين في حكم التدخين، منذ ظهوره وانتشاره، لا يرجع إلى اختلاف الأدلة الشرعية، بل إلى اختلاف السبب الذي بني عليه الحكم، واتفقوا جميعًا على تحريم ما ثبت مضرته للبدن والعقل، عن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث عن أبيه قال: سمعت عثمان رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ:” اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإنّهَا أُمّ الْخَبَائِث!ِ إنّهُ كَانَ رَجُلٌ مِمّنْ خَلاَ قَبْلَكُمْ تَعْبّدَ فَعَلِقَتْهُ امْرَأَةٌ غَوِيّةٌ، فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِ جَارِيَتَهَا فَقَالَتْ لَه: إنّا نَدْعُوكَ لِلشّهَادَةِ، فَانْطَلَقَ مَعَ جَارِيَتِهَا فَطَفِقَتْ كُلّمَا دَخَلَ بَابا أَغْلَقَتْهُ دُونَهُ، حَتّى أَفْضَى إلَى امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ عِنْدَهَا غُلاَمٌ وَبَاطِيَةُ خَمْرٍ، فَقَالَتْ: إنّي وَاللّهِ مَا دَعَوْتُكَ لِلشّهَادَةِ وَلَكِنْ دَعَوْتُكَ لِتَقَعَ عَلَيّ أَوْ تَشْرَبِ مِنْ هَذِهِ الْخَمْرَةَ كَأْسا أَوْ تَقْتُلَ هَذَا الْغُلاَمَ. قَالَ: فَاسْقِينِي مِنْ هَذَا الْخَمْرِ كَأْسا فَسَقَتْهُ كَأْسا. قَالَ: زِيدُونِي فَلَمْ يَرِمْ حَتّى وَقَعَ عَلَيْهَا وَقَتَل النّفْسَ. فَاجْتَنِبُوا الْخَمْرَ، فَإنّهَا وَاللّهِ لاَ يَجْتَمِعُ الإِيمَانُ وَإدْمَانُ الْخَمْرِ إلاّ لَيُوشِكُ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ”.
وحذر من أن التدخين ليس محرما شرعاً على المدخن فقط وإنما يمتد الحكم بالتحريم على كل من يساهم فيه توفير التدخين ووسائل الادمان كمن يزرعه أو يبيعه أو يتكسب منه باي وسيلة لأنه يساعد على نشر الخبائث التي حرمها الله بقوله:” وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ”، وقد ثبت طبياً ضرر الدخان البالغ على النفس وأنه سبب لكثير من الأمراض الفتاكة. والتدخين مهلك للمال الذي جعله الله قياماً للحياة فقال تعالى:” وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا..”، وقول رسول الله:” لا تَزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ، حتَّى يُسأَلَ عن عُمُرِه؛ فيمَ أفناه؟ وعن عِلْمِه؛ فيم فعَلَ فيه؟ وعن مالِه؛ من أين اكتسَبَه؟ وفيم أنفَقَه؟ وعن جِسمِه؛ فيمَ أبلاه؟”. ولا شك أن إنفاق المال في هذا الأمر يعد أمراً محرماً لأنه في الحقيقة حرق له، وإذا كان التدخين بكل أنواعه وأشكاله حراماً فيكون بيعه حراماً أيضاً لأن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، فالله بين لنا أن الخمر والميسر وهو القمار رجس من عمل الشيطان، وهذا يدل على شدة التحريم وقال:” فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”، فعلَّق الفلاح باجتناب هذه الأمور، وبين أنها من أسباب العداوة والبغضاء فوجب على أهل الإسلام أن يحذروها وأن يبتعدوا عنها، وأن يتناصحوا بتركها، وأن ينكروه على من فعلها.
ورفض د. رضوان ما يقوله بعض الناس من أن المخدرات لم يُحرمها القرآن، ولم تُحرمها سُنة الرسول، ولم يرِد عن الأئمة الأوائل شيء في تحريمها، فليس التحريم خاصًّا بكل نوع من التدخين أو المخدرات باسمه، لأن لشريعة تبنى أحكامها على حفظ المصالح ودفْع المضار، وأن تُحرم كل مادة من شأنها أن تُحدث مثل تلك الأضرار أو أشد، وبذلك أجمع على حرمة “المخدرات” فقهاءُ الإسلام، الذين ظهرت في عهدهم، وكان تحريم الخمر لمَا فيها من الضرر، لذا كانت تلك المواد مُحرمة مِن نوع تحريم الخمر إنْ لم يكن أشد، وهذه الأضرار التي ظهرت للخمر والتدخين والمخدرات وعَرفها الناس، وأدركت الأمم التي وصلت إليها تلك المواد وما لها من آثار سيئة تُقوِّض المجتمع، وقامت الحكومات العربية والإسلامية القائمة على مصلحة شعوبها بمُكافحتها، فرصدت الأموال الطائلة، وبذلتِ الجهود المُضنية في سبيل القضاء عليها وعلى المُتجرين بها، بما جعلها في مصافِّ الجرائم الكبرى التي تفتك بالمجتمع، وتقضي على معاني الإنسانية في، وعلى المسلمين الاستجابة لتحريم التدخين والإدمان وكل ما هو ضارلقوله تعالى:” يا أيُّها الذينَ آمنوا اسْتَجِيبُوا للهِ وللرَّسُولِ إذَا دَعَاكمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ”.