المقاصد العليا للأديان .. القاسم المشترك بين جميع الشرائع السماوية
ضوابط الأسواق وآدابها .. الترجمة العملية لأثر العبادات في الإسلام
عجبا من تاجر يصلى ويصوم ويقيم الليل .. ثم يتربح من مال حرام !!
أدارة الندوة : إبراهيم نصر
تابعها: محمد الساعاتى
تصوير: عمر الدسوقى
أعلن الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أن الوزارة ستنظم 12 ألف ملتقى خلال شهر رمضان القادم في ختام مبادرة “مكارم الأخلاق” للسادة الأئمة, وأن الوزارة قد اختارت بالفعل 12ألف مسجد، وقد أعدت 50 ألف إمام لإلقاء الدروس، إضافة إلى دروس العصر والقيام طوال شهر رمضان المبارك, مع ما يقوم به بقية السادة الأئمة من أبناء الوزارة من عمل دعوي يخدم الدين والمجتمع.
أكد الوزير أن مكارم الأخلاق هي القاسم المشترك بين جميع الشرائع السماوية، والتي على أساسها تقوم الأمم ناهضةً, وكانت من أهم الأسباب لدخول بعض المجتمعات في الإسلام، وإذا فقدت الأمم مكارم الأخلاق سقطت عنها حضارتها وأذنت بزوالها.
أضاف: إن الأمم والحضارات التي لا تقوم على أساس أخلاقي تحمل عوامل سقوطها في أصل بنائها، وعلى المستوى الإنسانى والتاريخى ثبت أن الأمم التى لم تقم على أساس أخلاقى لايمكن أن تنشئ حضارة.
جاء ذلك فى ندوة وزارة الأوقاف و”عقيدتى” التى عقدت فى ختام فاعليات معسكر أبوبكر الصديق بالعصافرة القبلبية بمدينة الإسكندرية، التى كانت بمثابة تظاهرة حب بين الأئمة والعلماء المحاضرين فى الندوة وعلى رأسهم الدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف، وسط حضور مكثف من أئمة ودعاة وزارة الأوقاف الذين أعربوا عن بالغ سعادتهم بحضور هذه الندوة التى عقدت تحت عنوان: “مكارم الأخلاق” وحاضر فيها مع وزير الأوقاف الدكتور أحمد على عجيبة الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، والمستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، واللواء أحمد بسيونى سكرتيرعام محافظة الإسكندرية نائبا عن السيد محافظ الإسكندرية، وكان بين الحضور اللواء حمدى الحشاش سكرتيرعام مساعد محافظة الإسكندرية، وفضيلة الشيخ محمد خشبة وكيل وزارة الأوقاف بالإسكندرية، والدكتورعبد الرحمن نصر نصار وكيل مديرية أوقاف الإسكندرية.
أفتتحت الندوة بآيات من الذكر الحكيم تلاها فضيلة الشيخ محمد صابرعبدالغفار الإمام والخطيب بإدارة أوقاف الجمرك بالأسكندرية.
وأثناء تقديمه للندوة أعرب الكاتب الصحفى إبراهيم نصر مدير تحريرعقيدتى، عن بالغ سروره بحضور هذه الكوكبة من العلماء والمثقفين مثمنًا جهود معالي الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، مؤكدا أنه يسهم وبجرأة في تجديد الخطاب الدينى، وأنه صاحب فكر تنويري رشيد, ووجه له الشكر على اهتمامه البالغ بالندوات التى تعقدها الوزارة أسبوعيا للعام التالى على التوالى بالتعاون مع صحيفة عقيدتى.
وفى كلمته بالندوة قال الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف: إن المقاصد العليا للأديان والقواسم المشتركة تكمن في مكارم الأخلاق, مستدلًا بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ”، فحيثما وجدت الأخلاق وجد الإسلام , لذلك أطلقنا مبادرة “مكارم الأخلاق” التي تستمر حتى نهاية شهر رمضان المعظم إن شاء الله.
وطالب الدكتور محمد مختار جمعة الأئمة والدعاة بضرورة التزود بالعلم والاطلاع، وأن يكون الخطاب الدعوي متصلًا بواقع الناس، مع ضرورة التركيز على مكارم الأخلاق وغرس قيمها في المجتمع، وذلك في إطار البرامج التدريبية والتثقيفية المتنوعة والمتميزة التي تقيمها الوزارة للعاملين بها، وفي ضوء خطة الوزارة بشأن الاستعداد المبكر لشهر رمضان المبارك, واتساقًا مع مبادرة “مكارم الأخلاق” التي تتبناها الوزارة.
وأكد الوزير أن الاهتمام بالأخلاق وتفعيلها في دنيا الناس تعد هي الدعامة الأولى والمعبرة عن التطبيق العملي للإسلام, وكان هذا هو الهدف الأسمى من بعثة النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذى ظهر جليا في تمام مكارم الأخلاق.
أضاف الدكتورالوزير: من أجل ذلك خصصت الوزارة خطبة الجمعة للحديث عن “ضوابط الأسواق وآدابها”، وذلك لأن الأسواق هي الترجمة العملية لأثر العبادات في الإسلام والسلوك الإنساني بين الناس، ولأن الأسواق أحد المقاييس الحقيقية للتدين الحقيقي, وهو سلوك مهم يجب أن يتحلى به التاجر في تجارته، مؤكدا أن التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين، والتاجر الفاهم لدينه هو من يسبق صدقه وأمانته صلاته وصيامه.
وحث الوزيرالحضور من الدعاة والأئمة التابعين لوزارة الأوقاف على التحلى بالأخلاق مؤكدا لهم أن الأخلاق تعد هي القاسم المشترك بين جميع الأديان السماوية، وطالبهم بضرورة توجيه التجار من أجل ضبط الأسواق وآدابها، مؤكدا على أن التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فى الجنة إن شاء الله.
ويعجب الوزير من تاجر يصلى ويصوم ويقيم الليل ويتربح من مال حرام !!، ويذكر بحديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به” وقد قيل: “رب صائم ليس له من صيامه سوى الجوع والعطش”.
ويختتم الوزير كلمته بقوله: التاجر الفاهم لدينه هو من يسبق صدقه وأمانته صلاته وصيامه، وأن الأمم والحضارات التي لا تقوم على أساس أخلاقي تحمل عوامل سقوطها في أصل بنائها، ولأن شهر رمضان قد اقترب لذا ارجو من السادة الأئمة التأكيد خلال دروسهم على أن أخلاق التاجر الصدوق تظهر فى تعاملاته وأخلاقه مع الآخريين، ففى الأسواق يظهر التدين الحقيقى، ولعلكم تعلمون أن التاريخ قد وضح لنا أن العديد ممن لايدينون بالإسلام قد دخلوا فى الإسلام أفواجا لمجرد تعرفهم على أخلاق التاجرالمسلم الصدوق.
وفي كلمته بالندوة وجه الدكتورأحمد عجيبة أمين عام المجلس الأعلى للشئون الإسلامية عميق شكره للدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف, على اهتمامه ورعايته المستمرة لأبنائه سواء فى الوزارة أو فى المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وعلى دعمه الكبير لهم فى مجال النشر وفى مجال الدعوة، ولجريدة “عقيدتى” التى تشارك الوزارة فى نجاح هذه الندوات المثمرة، من أجل تصحيح المفاهيم والثقافة والتنوير، لافتا النظر إلى أن هذه المعسكرات التي تقيمها وزارة الأوقاف تعمل على التثقيف الفكري للدعاة, وتزويدهم ثقافيا ومهنيا وإداريا, وتمدهم دائما بالأمور الأساسية من خلال دعوتهم فى محافظتهم.
أضاف: وما أُطلق من مبادرة “مكارم الأخلاق” لهو خير دليل على الوعي الكامل بواقع الناس وحياتهم, والمحاولة المستمرة في غرس القيم الأخلاقية في نفوسهم، وأن مهمة الدعاة مزدوجة تسير في اتجاهين: الأول أنها تسهم فى تزكية أنفسهم وتهذيبها، كما تعمل ثانيا على تزكية المدعوين، وأن الداعية عليه جزء نفسى أولا حتى يكون قدوة وأسوة لمن يدعوهم. وكلمة (الأخلاق) تذكرنى بالكتب التى ألفت فى هذا، وكتاب الدكتور محمد بن عبد الله دراز يعد أفضل الكتب التى ألفت عن الأخلاق فى القرن العشرين، حيث حصل على درجة الدكتوراة من جامعة السربون عن كتابه “دستور الأخلاق”، وحينما قرأت لجنة المناقشة والحكم على الرسالة قام أحد المستشرقين وقال لدراز: أنت تريد برسالتك أن تدعونا للإسلام؟ فقال دراز له : نعم .. هذا الكتاب جامع بين الأخلاق النظرية والعملية، مؤكدا على أن الأخلاق هى عنوان التقدم والرقي والحضارة, وهي مشترك إنساني بين كل المجتمعات.
أوضح د.عجيبة أن الدعاة يعيشون فى هذه الأونة أوقاتا طيبة نظرا لنفحات الرحمن التى تنهال علينا فى هذه الأيام المباركات قائلا: فى الحديث الشريف “إن لربكم فى أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها”، فيجب أن يكون الحديث عن الأخلاق للعامة على أسس وقواعد.
ونادى د.عجيبة بأن تكون الأخلاق للعامة لقوله تعالى: “ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إننى من المسلمين”، والفضائل العملية التى وردت فى القرآن، تعتبر من هذه النطرات الفلسفية (نظرى – عملى) – القواعد والمبادئ والأطراف التى تتحدث عن الأخلاق – ( صدق وأمانة وعدل).. هذه النظريات ماهى إلا قواعد ومبادئ وضعتها هذه المذاهب الفلسفية فى إطار عقلى بحت .. وتعلمنا من خلال القرآن الدعوة والصدق والأمانة والعدل وكيف نكون من الصادقين، حيث اختار أساسها من الشرع السماوى المنزل من عند الله تعالى ، والمذاهب التى نادت بها الشرائع السماوية (الأخلاق الحسنة)، هى مكارم الأخلاق وفضائله، ما هو موجود فى المجتمعات قديما.
ويتسائل د.عجيبة: اختلاف علماء المسلمين هل هذا شرعى أم أخلاقى؟..ويجيب: الأخلاق أساسها شرعى، من الله سبحانه وتعالى، – صالحة لكل زمان ومكان، فلا يوجد فى زمن من الأزمان اختلاف على ذلك.. الكل متفق على أن الأمانة والصدق والعدل من مكارم الأخلاق، وأن العدل حسن.. والظلم قبيح، والأمانة حسنة والخيانة قبيحة، .. وهكذا.. ولكن حينما تتحكم الأهواء والمشاعر يحكم الإنسان على هذه الأشياء الحسنة بالقبح!!
واختتم د.عجيبة قائلا: الأخلاق مبادئ وقواعد يجب أن نلتزم بها، ثم بعد أن نعمل بها ندعو غيرنا للعمل بها.
بناء شيده الرجال.
وفي كلمته أكد المستشارمحمد خفاجي – نائب رئيس مجلس الدولة – أن الأخلاق بناء شيده الرجال، وهي عنوان الشعوب, وتعد العلاقة بين الأخلاق والدين علاقة تكاملية مطلقة، بينما علاقة الأخلاق والقانون ليست تكاملية، والله عز وجل وصف رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: “وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ”، موضحًا أن العلاقة بين القواعد الدينية والقواعد القانونية ينبغي أن تكون تكاملية وخادمة للفرد والمجتمع ،والقواعد الدينية افعل ولاتفعل – تنظيم المعاملة والعبادات -..
أضاف المستشار الدكتور محمد خفاجى: والفرق بين الدين والأخلاق أن الشريعة مصدرها الإله، ومن يخالف قاعدة دينية قانونية يتعرض لجزاء مادى محسوس، من يلتزم بها يشعر براحة، ومن خالفها يشعر بندم وألم نفسى، فمن يرى ضريرا يوشك أن يقع فى حفرة أو آخر يواجه الغرق وهو ماهر فى السباحة فعليه أن يعمل على إنقاذه.
ويطرح الدكتور خفاجى سؤالا: لماذا لايهتم القانون بجميع الأخلاق؟ .. ويجيب: لأن القواعد غير محددة، والمشاعر لايستطيع أن يعاقب عليها القانون.
وفي ختام كلمته أوصى سيادته بضرورة النظر إلى الفهم الصحيح للسلوك الإنساني, والذي يعبر عن التزام الإنسان بالدين والأخلاق والقانون وحكى للحضور واقعات ثلاث عاشها وتعايش معها حينما كان قاضيا يجلس على المنصة، حيث تعامل مع أصحابها بضمير إنسانى وأخلاقى.
دين الوسطية والأخلاق
وفي كلمته بالندوة وجه السيد اللواء أحمد بسيوني سكرتير عام محافظة الإسكندرية الشكر لوزير الأوقاف, موضحا إفادته البالغة من سماع خطبته عن “المسئولية”, والتي أوضح فيها المسئولية المجتمعية والوطنية, وأن كل إنسان مسئول في حدود مكانه واختصاصه.
قال: شرفت اليوم بمتابعة معالى الوزير، وهذا إن دل فإنما يدل على تطور الخطاب الدينى.
أضاف اللواء بسيونى: أما عن الأخلاق فهذا مايخصنا، حيث أتعجب عندما أدخل المحلات، فأجد جميع أصحابها مشغلين القرآن، وهنا يتسائل اللواء بسيونى: فهل الكل يعمل بالقرآن؟ .. ولأننا اقتربنا من الشهر الكريم، شهر رمضان المعظم، ويوجد معنا أكثر من مائة إمام لذا فأقول لكم: عليكم دوركبير جدا فى توصيل أمانة الأخلاق إلى جميع أبناء الدين الإسلامى إن شاء الله.
وفى الختام أكد على أن الإسلام فى تقدم بفضل ما أنعم الله على أبنائه بوجود علماء عدول من الأزهرالشريف والأوقاف، فالإسلام هو دين الوسطية, والأخلاق, ودور التثقيف والتنوير مهم جدا في حياتنا فى هذه الفترة المهمة من عمر مصر.