د. أيمن أبو عمر:
الله أمرنا بإعمار الأرض.. وليس القتل والسلب والنهب من العمران
د. السيد مسعد:
الإسلام حذرنا من شعب الكفر الذميمة.. تحقيقا للوئام وحفظاً للدماء
أدار الندوة:
إبراهيم نصر
تابعها: محمد الساعاتي
تصوير: محمد شعيب
أكد العلماء المشاركون فى ندوة وزارة الأوقاف وصحيفة “عقيدتى” أن الدماء والأموال والأعراض معصومة فى الإسلام، ولا يجوز الاعتداء عليها بدون وجه حق، وأن الله سبحانه وتعالى أمرنا بعمار الأرض، وليس السلب والنهب والخوض فى الأعراض والاعتداء عليها من العمران فى شيئ.
قالوا: لقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر، وكان أعظمَ ما أكد عليه تحريم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، وقد حذر تحذيرا شديدا في هذه الخطبة يتعلق بالدماء وحرمتها فقال: “لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض”، وهذا تحذير بالغ، فقد سمى من يضرب بعضهم رقاب بعض بلا حق كفارا، وسمى هذا الفعل كفرا، وليس هذا بالكفر الناقل من ملة الإسلام، بل هو كفر دون كفر، وهو يدل على أن هذا العمل من شعب الكفر الذميمة وخصاله المشينة، وقد جاء الإسلام بالتحذير منها والنهي عنها، تحقيقا للوئام، وجمعاً للقلوب، وحفظاً للدماء أن تزهق بغير حق وأن تراق بلا موجب.
أقيمت الندوة برعاية كريمة من الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، فى مسجد الحمد بحدائق الأهرام بالجيزة تحت عنوان: “حرمة الدماء والأموال”، وأدارها الكاتب الصحفى الزميل إبراهيم نصر مدير تحرير “عقيدتي”، وحاضر فيها كل من: الدكتور أيمن أبو عمر وكيل الوزارة لشئون الدعوة بوزارة الأوقاف، والدكتور السيد مسعد وكيل وزارة لأوقاف بمحافظة الجيزة، وبدأت الندوة بتلاوة قرآنية عطرة للقارئ الشيخ ياسر شعبان، واختتمت بابتهالات دينية للشخ عادل عبد الرحمن، وحضرها اللواء رضا العمدة رئيس مجلس إدارة المسجد، والشيخ السيد عمارة مدير الإرشاد الديني بمديرية أوقاف الجيزة، والأستاذ حسن عشماوي المدير الإداري لمؤسسة واحة الرضا والحمد، وعدد كبير من رواد المسجد.
لا يشقى جليسهم
فى بداية كلمته بالندوة قال الدكتور أيمن أبو عمر: أشعر بسعادة غامرة لكونى مع حضراتكم لعدة أسباب أولها: أننا نجتمع على طاعة الله سبحانه وتعالى، وفى مجلس يحبه الله عز وجل، ويصطفى له من الملائكة صنفا خالصا يبحث عنه فى أرجاء الأرض، (ملائكة يبحثون عن هذه المجالس) فإذا وجدوها دعا بعضهم بعضا للجلوس فيها، ويقولون هلموا إلى حاجتكم، ويحفون أهل هذا المجلس، ويبلغون حالهم إلى ربهم وربهم أعلم، فيكرمهم ربنا عز وجل بعطاياه ومن بينها: مغفرة الذنوب والبشرى بالجنة والنجاة من النار، بل إن من يجلس فى هذه المجالس ليبشر أيضا بهذه البشريات حتى ولو كان جالسا لحاجة ليس لها علاقة بهذا المجلس – يقولون يارب: فلان هذا يجلس معهم فى انتظار الدكتور فلان مثلا- يقول الله عز وجل: “هم الجلساء لا يشقى جليسهم”.. أسأل الله عز وجل أن يجعلنا منهم ويقال لنا فى ختام هذا المجلس: قوموا مغفورا لكم.. اللهم آمين
تجديد الدين نفسه!
ثم قال الدكتور أيمن أبو عمر: إن التعاون بين وزارة الأوقاف وصحيفة عقيدتي قد بدأ منذ عدة سنوات، نبحث فيها عن قضية ملحة تكمن فى تصحيح كثير من المفاهيم الخاطئة، وبين حقيقة وسماحة هذا الدين وتجديد الخطاب الديني، ولا نعجب إذا علمنا أن أول من تحدث عن تجديد الدين نفسه، وليس الخطاب الديني فقط.. هو النبي صلى الله عليه وسلم القائل: “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها” وانظروا إلى التعبير الدقيق “وما ينطق عن الهوى” لأنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن من بين من ينتسبون لهذه الأمة، سينسبون إلى الدين ماليس منه، فربما يستبيحون الدماء والأموال والأعراض، كل ذلك باسم الدين والعياذ بالله.
إعمار الأرض
أضاف د. أبو عمر: إن الله تعالى أوجدنا فى هذه الأرض من العدم وأمرنا أن نعمر فيها، لأن مفهوم العبادة الشامل هو إعمار الكون، قال سبحانه: “هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها” أى طلب منكم عمارتها، والله تعالى امتن على الناس، أى أنه سلم إليهم الأرض صالحة، قال سبحانه: “ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين”، فمفهوم العبادة الشامل هنا يجعلك تقول: أنا قادر على تحويل حياتى كلها إلى باب من أبواب الطاعة والعبادة، إذا كنت صادق النية ومتبعا لهدي خير البرية، وقد أمرنا الله بإعمار الأرض، وإعمار الأرض لن يكون إلا بأناس يحبون الحياة ولا يعتدون على الدماء ولا الأموال ولا الأعراض.
حرمة الدماء والأموال
ثم تحدث د. أبو عمر عن حرمة الدماء والأموال والأعراض بقوله: لقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر، وكان أعظمَ ما أكد عليه تحريم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، وقد جاء في هذا عدة أحاديث عن غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، منها حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي رضي الله عنه قال: “خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر قال: “أتدرون أي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى. قال: أي شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليس ذو الحجة؟ قلنا: بلى. قال: أيُّ بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليست بالبلدة الحرام؟ قلنا: بلى. قال: فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد، فليبلغ الشاهدُ الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض”. متفق عليه.
خطبة الوداع
وفى كلمته بالندوة قال الدكتور السيد مسعد: إن الأحاديث في باب حرمة دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم كثيرة ومتعددة، وقد دلت خطبة الوداع العظيمة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والكلمات القويمة التى قالها، على عظم حرمة دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم وعصمتِها، وأنه لا يحل الاعتداءُ عليها بأيِّ نوع من الاعتداء، والأصل أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمة من بعضهم على بعض ولا تحل إلا بإذن الله ورسوله، قال النبي صلى الله عليه وسلم لما خطبهم في حجة الوداع: “إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا”، وقال صلى الله عليه وسلم: “كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه”، وقال صلى الله عليه وسلم: “من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ذمة الله ورسوله”، وقال: “إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قيل: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه أراد قتل صاحبه”، وقال: “لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض”.
أضاف د. السيد مسعد: وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم حرمة هذه الثلاث، الدماءِ والأموال والأعراض تأكيداً بالغا، وغلظ شأنها تغليظا عظيما، وجَعل حرمتها كحرمة اليوم الحرام في الشهر الحرام في البلد الحرام، وكرر ذلك على أسماعهم اهتماماً بالمقام وتعظيما للأمر، وأمر شاهدهم أن يبلغ غائبهم بذلك، وقد استدعى عليه الصلاة والسلام اهتمامهم، وشد أذهانهم بسؤالهم عن اليوم الذي هم فيه، وعن الشهر وعن البلد، وذكرهم بحرمتها، وحرمتها معلومة عندهم مستقرة في نفوسهم، وهو عليه الصلاة والسلام إنما ذكر ذلك توطئة لبيان حرمة دم المسلم وماله وعرضه.
تحقيق المحبة والوئام
ثم أشارالدكتور السيد مسعد إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر تحذيرا آخر في هذه الخطبة يتعلق بالدماء وحرمتها فقال: “لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض”، وهذا تحذير بالغ، فقد سمى من يضرب بعضهم رقاب بعض بلا حق كفارا، وسمى هذا الفعل كفرا، وليس هذا بالكفر الناقل من ملة الإسلام، بل هو كفر دون كفر، وهو يدل على أن هذا العمل من شعب الكفر الذميمة وخصاله المشينة، وقد جاء الإسلام بالتحذير منها والنهي عنها، تحقيقا للوئام، وجمعاً للقلوب، وحفظاً للدماء أن تزهق بغير حق وأن تراق بلا موجب، وفي معنى هذا الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: “سباب المسلم فسوق وقتاله كفر”.
واختتم بقوله: فالواجب على كل مسلم أن يكون على حذر شديد من الوقوع في هذا الإثم المبين والذنب الوخيم ألا وهو الاعتداء على دماء المسلمين أو أموالهم أو أعراضهم، وقد كتب رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما أن اكتب إليَّ بالعلم كلِّه، فكتب إليه: “إن العلم كثير، ولكن إن استطعت أن تلق الله خفيف الظهر من دماء الناس، خميص البطن من أموالهم، كاف اللسان عن أعراضهم، لازماً لأمر جماعتهم، فافعلط فيا لها من نصيحة وما أبلغها، وعلمٍ نافع ما أجمعه.. اللهم احفظ شبابنا وشباب المسلمين واحفظ مصرنا من كل مكروه وسوء وشر، اللهم آمين.