كلنا بلا استثناء إلى الله تعالى راجعون، فلينظر كل منا نظرة صادقة بتمعُّن إلى شريط حياته السابقة، ثم يقف وقفة حق مع نفسه ويسألها سؤالا واحدا: هل أنا مؤهَّل الآن إذا جاءنى ملك الموت ليقبض روحى أن يكفينى عملى الصالح ليؤنسنى فى قبرى سنوات طوال لا يعلمها إلا الله وحده؟ هل أنا حقا مستعد للقاء الله تعالى عندما أقف بين يديه ليسألنى عما فعلت وما قدّمت؟ هل أنا حقا زادى يكفينى كى أصل إلى هناك بسلام، إلى جنة النعيم؟
عباد الله أتوقّع أن نحتاج جميعا إلى توبة حقيقية صادقة يمحو الله بها ذنوبنا ويستر علينا عيوبنا وحيث أننا فى أيام فضائل والدعاء مستجاب فأرجو أن تستغلّوا هذه النفحات من الله وتُقلعوا عن العادات السيّئة التى تعودّتم عليها حتى ألفتموها، فهناك من يتحلّى بداء الكِبر ويتعالى على الناس ولا يعترف مطلقا أنه يخطئ مهما فعل! فهو على يقين دائم أنه على حق! وهناك من هم قاسية قلوبُهم متحجّرة من الشفقة على الضعفاء! وهم يعتقدون بهذا أنهم على حق! وهناك من يُهمل فى عمله وهو متعوّد على ذلك فهو يعطى على قدر ما يأخذ من المال وليس على قدر ما يحتاجه العمل، وآخرون تعوّدوا أن يأخذوا أى شئ من العمل دون استئذان صاحب العمل بحجّة أن كل شئ أمامهم مُباح! وهناك من لا يتّقى الله فى مَن يسير بجواره فى الطرقات وأصبح يأخذ ما يريد بالقوة، وأصبح العنف عادة فى أخذ ما ليس من حقّه! كأن يسير عكس الاتجاه ويضيّق الطريق على الناس الأخرى! أو مَن يسُبَّ ويلعن طوال الوقت لمجرد أن الطريق مزدحم وهو لديه موعد هام! يا للأسف كلها عادات سيئة جدآ يفعلها كثير من الناس ولن تقرّبهم من الله بل ستكون سببا فى البُعد لأن الله يحب العبد الفقير المنكسر الرحيم بالناس.
عباد الله، الدين المعاملة، نعم بعد أداء الفرائض تصبح المعاملات بين الناس هى الفيصل، تصبح الكلمة الطيبة هى الأساس التى تقوم عليها الدنيا، لذا عباد الله حيث أننا كلنا راحلون وكلنا جنازات مؤجّلة لأجل قريب، فيجب أن ننتبه ولا نجعل الدنيا تغرّنا ولا تفتِّنا بسحرها حتى تلهينا عن الطريق المستقيم، قد يدرك أحدكم الآن وهو يتفكّر فى هذا الكلام أن العمر قد ينتهى فى لحظة واحدة دون مقدّمات، فهل عندها ستقول ربى أرجعنى إلى الدنيا حتى أغيّر من نفسى وأتوب إليك! كلا ستفاجأ بأنه ليس هناك فرصة أخرى حتى تعود فتتوب ثم تعمل صالحا ثم تتقرّب إلى الله، الحقوا أنفسكم وتخلّصوا من العادات السيئة فى أقوالكم وأفعالكم حتى تنالوا رضا الله تعالى وبركاته عليكم، سارعوا قبل أن يُغلق باب العرض والطلب، فالفرصة أمامكم متاحة وأبواب الخير مفتوحة على مصراعيها كى تنهلوا منها ما شئتم، أعتقد أن كل يوم جديد فى الحياة هو أعظم فرصة للجميع حتى نغيّر من أنفسنا، حتى نجتهد ونبحث بقوة لفعل الأعمال الصالحة، تحرّوا طريق الخير دائما، ساعدوا الناس واقضوا حوائجهم وقفوا بجوار من يحتاج إليكم، فإن الله تعالى إذا أرسل إليك عبدا يحتاج إليك فى شئ فاعلم أنه سبحانه قد فتح لك بابا من أبواب الرزق دون أن تدرى ،اتقوا الله فى أنفسكم وفى غيركم واستغلّوا فرصة الحياة الذهبية، فهى فرصة واحدة لا تتكرّر.