المدائح النبوية ليست سبوبة.. وتحتاج صدق القلوب
رؤية صالحة.. حولتني للإنشاد
حوار :
جمال سالم
محمد الساعاتي
عشق د. أحمد محمد الكحلاوي، جينات حب مدح الرسول عن والده شيخ المداحين الذي اكتشف موهبته في الغناء – دون بقية أخواته- وعمره 5 سنوات أثناء مشاهدته له وهو يبكي بعد سماع مدح والده للرسول حيث سمع منه مقطوعة إنشاد أثناء تسجيل أغنية في الإذاعة فتأكد أنه ورث منه جينات الفن، وكان المطرب الأول للجامعات المصرية..وعايش فترة التحول في حياة والده وكان شاهد عيان على مجالس كبار العلماء في ضيافة والده، وكذلك المائدة الرمضانية الكحلاولية التي تجوب مساجد آل البيت للإطعام وكان يقوم بالخدمة وهو شقيقه د. محمد.
يكشف نجل شيخ المداحين في حواره ل” عقيدتي” كثيرا من الأسرار التي تنشر لأول مرة.
** في البداية حدثنا عن بايجاز عن الأسرة الكحلاوية.
** يكفينا فخرا أن هذه الأسرة محمدية، نلاحظ في كل البيوت أن الأب يكون شديدا، والأم حنونة، وأنا أمي كانت شديدة جدا لمن يخالف شرع الله، وكان عندنا مبدأ واحد وضعه الوالد “من لا يصلي لا يأكل لقمة، ولما كبرنا اللي ما يصليش لا يجلس في البيت” فكانت الأم رغم الحنو على أولادها تقول للوالد: يا حاج، أحمد لم يصلي اليوم العصر، وبهذا استطاع الوالد أن يغلغل الدين داخلنا حتى أن حياتنا كلها في طاعة الله تعالى وسيدنا رسول الله، مما جعلنا نتذوق حلاوة الإيمان، وفعلا من ذاق عرف، ورغم أنني كنت اعيش هذا المناخ المحمدي في بيتنا في الزمالك، إلا أننا أسرة مستنيرة وعصرية، فكنت أتردد على نادي الجزيرة وكانت معيشتنا وحياتنا طبيعية وسطية معتدلة بلا أفراط أو تفريط ، وكنا نرفض من يقول إن الفن حرام باطلاق، لأن الكحلاوي كان رجلا متفتحا جدا وملتزما جدا، وقام بتربيتنا على حب سيدنا النبي، كان يوجهنا بالترغيب وليس بالترهيب لم يقل لواحدة من أخواتي اتحجبي أبدا، إنما يوضح لها معنى الستر والاحتشام لأن المرأة جوهرة، يقول لها لو عندك جوهره غالية قوي وخايفة عليها، هل تتركيها على الترابيزة عريانة ولا تضعيها في دولاب داخل دولاب؟ هكذا المرأة ينبغي أن تحفظ، وفي نفس تجتهد في تحصيل العلوم مثلما علمتنا السيدة فاطمة والسيده خديجة والسيدة عائشة والسيدة نفيسة وغيرهن، فهذا الجو المتفتح أنتج د. عبلة، د. عزة، د. رحمة، د. فاطمة الزهراء، د. محمد، رئيس اتحاد الأثريين العرب، وأنا لم أكن ملتحيا، وكل أملي أن الكحلاوي يقدمني للناس بعد أن قدمني في برنامج “كاميرا 9” للإعلامية الشهيرة أماني ناشد، وكان يخاف أن يأخذني الفن من التعليم ، ولهذا وضع التعليم أولا ، وقال الفنان سمير صبري للوالد: أنا عايز أحمد، بعد أن صرح أحد الفنانين للإعلام بأنه خليفة الكحلاوي، وهنا غار أحباب الشيخ الكحلاوي، وقالوا الأولى بهذا ولده أحمد من صلبه، وأخذوا في تشجيعي وكنت المطرب الأول بالجامعات المصرية ، وللعلم حفظ الوالد القرآن كاملا في مسجد الشيخ الشعراني على يد الشيخ حسن عبد الوهاب شقيق الموسيقار محمد عبد الوهاب، ولم يكتف بحفظ القرآن وإنما كان دائم القراءة.
ذكريات رمضانية
** كيف كان رمضان فى حياة عائلة الكحلاوى؟
** رمضان شهر البركة والرحمة، وذكرياتنا معه كثيرة، ولا أنسى أيام الطفولة مع والدى حيث كانت السهرات الرمضانية الجميلة تقام فى مسجد الكحلاوى، بقاعة شيخ المداحين، وكم كنت أتمنى أن يكون لدى كاميرا أو تسجيل فى هذا الوقت، ولو تحقق لى ذلك وقتها لكنت قد فزت بتسجيل أندر اللقاءات وأروعها لأنها تجمع بين والدى وعمي الشيخ مصطفى إسماعيل، وعمى محمد عبد المطلب وعمي الشيخ محمود إسماعيل، حيث كانوا يسترجعون ذكرياتهم الرمضانية، وكانت هذه الجلسات تضم ثلاثة أشياء: أولا: شيوخ الجامع، وكانوا يبدأون بتلاوة القرآن، ثم يأخذون فى تقديم التواشيح الجميلة فى حضرة مولانا سيدنا النبى ،ثم يبدأ الحديث بوجود عالم من كبار العلماء الشيخ محمد بن فتح الله بدران، يتحدث عن فضل رمضان، ثم تبدأ الجلسة الخاصة وتبادل الأدوار، فكنا نجد الكحلاوى يقرأ القرآن، والشيخ مصطفى إسماعيل يمدح الرسول، وكنا مع الحضور نشهد تلك المباراة الجميلة، حيث كان والدي يطلب من الشيخ مصطفى أن يقرأ بداية سورة طه، وعندما يقرأ الشيخ مصطفى يقول له الكحلاوي:”الله يا شيخ مصطفى يا ريت تقولها حجاز” ويظل الكحلاوي ومصطفى يقومان بتغيير المقامات في سهرات رائعة، وأنا كنت أجلس بعيدا في أحد الأركان، لأن لكل مقام مقال، وكان لديه إحساس وشعور أنني سأكون في هذا المجلس في يوم من الأيام، ففي عام يجعلني أقرب من مكانهما في المجلس، وظللت أقترب رويدا رويدا حتى أصبحت قريبا منهما جدا، وأشارك في هذا المجلس والأمسيات الجميلة، وكان والدي يقول لي:” يا أحمد قل لنا سابح في ملك الله”.
موائد الرحمن
** ماذا عن موائد الرحمن والخيرات؟
** كان والدى أول من علمنا عمليا ،كيف يكون معنى (مائدة الرحمن) ولكنها فى السابق كانت موائد متنقلة، فمثلا اليوم يستضيفنا في مسجد ستنا السيدة نفيسة رضي الله عنها، ويقوم بالإتصال على أصدقائه، ويكلفهم بما يكمل المائدة لتكون متنوعة ويثاب الجميع ، وهم يستجيبون له بكل سعادة ،فنجد الصواني قادمة بأشكال وألوان، ويقوم الوالد بفرش مفرش كبير، ويدعو كل الدراويش والمساكين وأنا وأخويا د. محمد نقوم بالإفطار على التمر، ولا نفطر إلا بعدما نؤدي دورنا في خدمة الجميع حتى يحلوا وينبسطوا ثم يصلي المغرب والعشاء في جماعة ثم نصلي أيضا التراويح، هنا لا أستطيع أن أصف السعادة التي يكون عليها والدي وكذلك أمي التي تقول لأبي:” أنت لم تفطر أنت وأحمد ومحمد حتى الآن” فكان يرد عليها:” احنا كنا في الجنة، كنا عند أمي السيدة نفيسة” بعدها يستضيفنا في مسجد السيدة زينب ثم مسجد سيدنا الحسين ثم في مسجد الكحلاوي إلى أن جاء يوم ثبت فيه مائدة مستقرة في مسجد الكحلاوي، وأقمنا لها قاعة مخصوصة لهذا الغرض، ومعها الفراشة، وكان ذلك تعليم مباشر لي ولأخي محمد بطريق مباشر وغير مباشر كيف نحافظ على هذه العادات القيمة الجميلة التي كلها ثواب وحب وخير وإنسانية وشعور بالآخر، كل هذا تعلمناه من شيخ المداحين، وظل هذا الأمر قائما فينا حتى الآن.
العلماء المقربون
** من هم العلماء المقربين من الكحلاوي الكبير؟
** من أقرب العلماء للوالد الشيخ الشعراوي، د. محمد بن فتح الله بدران والشيخ شلتوت والشيخ اسماعيل صادق، د. أحمد عمر هاشم وكان يتبادل الأحاديث معهم وكنت لا تسمع له صوتا معهم وإنما كله إنصات للاستفادة، وكان ينصحني إذا جلست في مجلس العلماء أسمع وأنهل من علمهم، اسمع وتعلم لا تبادر بالكلمة، ولو طلب رأيك أسمع الآراء التي قبلك حتى تتعلم وتزداد خبرتك، يا ابني من قال منكم فليفعل خيرا أو ليصمت، علمني حاجات كثير قوي ووعدني أن يقدمني بعد الحصول على البكالوريوس، ولكن شاءت الأقدار الالهية أن يتوفاه الله قبل النتيجة بأسابيع، وأحسست أن الدنيا أنهدت لأنه كان قدوتي وأسوتي ونجمى المفضل وأبي وحبيبي وصاحبي كل حاجة في حياتي.
حب المديح
** ورثتم حب المديح النبوي عن والدكم، فكيف كان ذلك؟
** دخلت مجال المديح النبوي منذ الصغر بالمعايشة، وكنت في بداية حياتي الفنية لا أمدح، بدأت بمن أنتهى منه والدي حيث اتجه والدي إلى الغناء، وبنى المسجد عام 1952، وكان منقطعا عن الغناء نهائيا ثم عاد برؤية صادقة للنبي صلى الله عليه وسلم، تؤكد أن المطلوب أنك لا تنقطع ولكن المطلوب تحويل المسار، فكما كانت لك جماهيرية في الأغاني العاطفية والأفلام، فأنت أيضا لابد أن تستغل هذه الجماهيرية في الدعوة إلى الله وتستطيع أن تسخر فنك، وبالفعل أستطاع الكحلاوي أن يسخر هذا الفن من أداة ترفيه وتسلية إلى وعظ وإرشاد، وكان دوره كالداعية الذي يدعو، ولكن من خلال المسرح بدلا من المنبر، ويدعو بالكلمة المغناة التي تحث على الفضيلة وتنهى عن الرذيلة، ولا يوجد كلام قاله الكحلاوي في مدح سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلا وكان له منطق ومعنى، بمعنى أن بعض البسطاء في الموالد- ولا أنكر عليهم ذلك- كانوا يؤلفون قصصا على رسول الله ولكنها ليست حقيقية للترغيب.
رحلة الإبداع
** كيف كان يتم تأليف الأغاني الكحلاوية؟
** هنا أذكر أن الشيخ الشعراوي حكى أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى أناسا يقولون على سيدنا رسول الله أحاديث لم ترد وعادات حسنة ولكنها لم تأت منه وإنما مؤلفة عنه، فقال:” أتكذبون على رسول الله؟. قالوا: بل نكذب لرسول الله. قال: إن رسولنا الكريم في غنى عن ذلك لأنه الصادق الأمين، ومن هنا كان والدي وأنا من بعده نتحرى كل ما يقال عن سيدنا رسول الله ونبتعد عن الخرافات وقد تعلمنا من أهل الطريق أن هناك أشياء حقيقية وأخرى غير حقيقية، في أشياء تقال للعوام، وأشياء تقال للخواص، وأشياء تقال لخواص الخواص، فمن الممكن أن تقال أشياء من للخواص الخواص ولا تقلل العامة، وإذا قيلت للعامة، فتقابل بسخرية واستهزاء أو بعدم التصديق، إذن فنحن هنا نكون قد قدمنا سيرة رسول الله، فلابد ان نعلم أن لكل مقام مقال، ولابد أن نعلم ماذا نقول؟ ولمن نقول؟. وكيف نقول؟
نقطة التحول
**صف لنا نقطة التحول الكحلاوي؟
** ترك والدي الغناء العاطفي 1953 ،واتجه للغناء الديني وحينما بدأت الغناء واستشعرته وأحسست به، فبدأت بالأغاني العاطفية والشعبية والأغاني البدوية والمواويل، فبرعت فيها، وكنت أغنيها أمامه وكان يستحسن هذا، ورافقت الوالد ككورال وقفت خلفه وكان عمرى 15 سنة، وكان لي الشرف في المشاركة في أجمل الألحان الدينية التي تذاع عبر كل الوسائل، وللعلم كان الوالد يكتب معظم كلماته، ولكنه كان يحب إنكار الذات، كما كان لا يحب أن يقول أنا أكتب، ألحن، وأغني، ولهذا نلحظ أن الكلمات فيها وجد، والوجد لا يأتي إلا من رجل متيم ودايب في حب حضرة سيدنا النبي، فكان يكتب البدايات ثم يتصل بأحد الشعراء ويقول له تعالى كمل ما بدأت، وهذا ما فعله مع الشاعرة علية الجعار، هو من رأى في المنام حب الرسول، فكتب دوبني دوب عن المعاصي توبني توب، وبعدين قابل الحاجة علية في العمرة، وتعاونا معا في أغاني حب الله ورسوله، وظللت أردد خلفه الأغاني الدينية حين يأتيه خاطر وبعدين يكلم الشاعر يكمل، وبعدين يكمل، يلحن، يغني، وبدأت أغني أغانيه الأولى، وأنا أشبه بالتسجيل الخاص به بعدما يقول اللحن يتركني ساعتين للغذاء، ثم ينادني مرة أخرى، أنا قلت أيه، أجيبه قلت كذا، ثم يقول أتصل بالأستاذ فلان واتصرف، فأقوم بالاتصال به وأبدأ أقرأ عليه اللحن، ونعمل بروفة بالكورال وأحفظه، فكان راهبا في محراب حب حضرة النبي، لما كنت أذهب معهم في الحفلات العامة أجده ليس مطربا ولا مغنيا، ومن الممكن أن نضع عنوانا ونقول فيه سر النجاح الكحلاوي سيدنا النبي، فكان عندما يصل بين الكواليس يقرأ القرآن ويردد الأذكار والأوراد، تجد في عينيه الدمعة والترجي والذل إلى الله، لا يكتفي بحلاوة الصوت فقط، بل كانت دعوته اللهم أجعل فيما أقول الأثر، اللهم أجعلني ممن يواصلون الصلاة على سيدنا حضرة النبي، وأول ما يبدأ يقول لنا جميعا الفاتحة لحضرة سيدنا النبي، جو ملائكي، عند صعوده المسرح لا يحب أن يقدمه أحد، أحيانا حرارته في البيت تكون 40 وعامل كمادات، وفي حالة يرثى لها،ويتصل علي رجل اسمه حسين حامد متعهد الحفلات، ويقول لي وبعدين يا أحمد هنعمل أيه الحفلة بكرة، فأرد عليه لا أعتقد يا عمي إن بابا يقدر يشتغل، وكان والدي ينهرني، مين قال لك تقول كده، ثم يكمل يا ابني أنا عندي أمنية وهي إني أموت وأنا بامدح سيدنا حضرة النبي، يذهب إلى الحفل في اليوم التالي وأقسم بالله أنه كان يقف بين الكواليس قبل ملاقاة الجماهير يقرأ الفواتح والأوراد، ورغم انه كان مريضا ولن يستطيع الغناء، ولكنه بمجرد أن يبدأ بسم الله الرحمن الرحيم، تجده إنسانا آخر، وهذه الحالة جعلت عمي صلاح الشاهد، كبير أمناء رئاسة الجمهورية، يتصل بي ويقول، يا واد تكذب عليا وتقول لي أبوك تعبان وأنا شايفه شاب في الأربعين، ومندمج في المديح الملائكي والتجلي، وعندما ينتهي من أداء فقرته الرائعة يعود إلى ما كان عليه ، وكنت أسأله يا بابا كيف تستطيع أن تغني وأنت على هذه الحالة؟ فيقول: يا ولد هذا الكلام لا تقوله لي، بل قوله للمطربين، إنما أنا مادح سيدنا النبي بقلبي وليس بصوتي.
عبلة سر أبيها
** ماذا عن د. عبلة أو”ماما عبلة ” كما كانت تحب أن يناديها الناس؟
** هى سر أبيها، قال عنها أن لديها وجد محمدي، وأنا كشقيق لها سأقول كلاما ما كنت أستطيع أن أقوله في حياتها، فلم تكن داعية فقط، بل كانت منفوحة من الله، وحبيبة سيدنا النبي، فكانت سر أبيها، والمفتاح السحري للأبواب المغلق لوالدنا، وكلمة السر هي سيدنا النبي، فكل الأشياء تسخر بهذه الكلمة، لا أريد أن أقول أنها نقطة ضعف والدي، بل نقطة قوة فقد كان والدي يعمل خاطر، وكلمة سيدنا النبي هي المدخل للكحلاوي حتى أن بعض الشركات كانت عندما تريد أن تحصل على شيء منه يستخدمون كلمة “سيدنا النبي” وكنت أحاول أن أنبهه يا بابا هؤلاء يستغلونك، فكان يرد علي: لو سمحت هو يقول سيدنا النبي ليتهم يخدعوني في الله.
بر بلا حدود
** د. عبلة كانت بارة ومطيعة جدا لوالدها حتى وإن تعارض رأيه مع رغبتها ، أليس كذلك؟
** نعم وبكك تأكيد، يكفي القول أنها حصلت على 98% في الثانوية العامة وكانت أمنيتها أن تدخل السلك الدبلوماسي فتلتحق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وكانت الأخت الكبيرة وأول تجربة للكحلاوي، وكيف تكون في جامعة فيها اختلاط، فقال لها الوالد أن د. محمد بن فتح الله بدران أخبره أن جامعة الأزهر فتحت كلية الدراسات الإسلامية للبنات، فحاولت أن تعلنه عن رغبتها في الكلية التي تريدها، فقال لها هي كلمه واحدة، وإلا فليس هناك جامعة، فقالت: حاضر سمعا وطاعة بكل حب، والمنطق يقول لما تكون بنت داخلة كلية ليست رغبتها الأولى لن تنجح بل قد تفشل، ولكنها طاعة لله ولرسوله ولأبيها تفوقت وحققت امتيازا مع مرتبة الشرف الأولى، وأذكر أنها وهي في الفرقه الثانية استضافوها في برنامج للمذيعة ليلى رستم اسمه 20 سؤالا، وكان يستضيف د. الشهيد الذهبي الذي اغتالته يد الارهاب، ولكن د. الذهبي كان ضد فكرة أن تلتحق البنت بالكلية لتصبح داعية فيما بعد، واتضح ذلك من سؤال المذيعة: ايه رأي حضرتك في أن تصبح البنت داعية؟. فقال لها يعني ايه بنت تقف على المنبر ،بلاش كلام فارغ الدعوة لا تكون إلا للرجال. هنا رفعت عبلة يدها وقالت: يا فندم ربنا سبحانه وتعالى قال “خلقناكم من ذكر وانثى” والواو هنا واو العطف، ولكني وكلنا ندين بالإسلام وظلت ترد على د. الذهبي، وأضافت قوله صلى الله عليه وسلم :”خيركم من تعلم العلم وعلمه” وسنثبت لسيادتك بإذن الله اننا نغار لديننا وربنا يجعل فينا الاثر في الدعوة لبنات الأمة وقدوتنا في السيدة خديجة والسيدة عائشة والسيدة فاطمة الزهراء، هنا صفق الحضور، فدهش الذهبي، وقال لها: أنت اسمك ايه يا بنتي؟ فقالت، عبلة محمد الكحلاوي، فرد عليها ليس غريبا أن تقولي هذا الكلام انت بنت مولانا الكحلاوي مداح الرسول، وتتفوق عبلة برغم وجود بعض التهكمات التي تعرضت لها حيث يردد البعض: بنت مغني عايزة تبقى داعية، وكان لسان حالها بابا مداح سيدنا النبي، ونجحت بتفوق وكانت تستحق أن تكون معيدة بالكليه إلا أنهم تخطوها فسافرت إلى السعودية وعملت الماجستير ثم الدكتوراه لتصبح أول سيدة تتولى عمادة كلية في الرياض، ثم عميدا لكلية في مكه المكرمة ثم عادت بعد انتقال الوالد إلى مصر وتوجهت إلى الدعوة الإسلامية ونشر العلم في جامعة الأزهر حيث وصلت لعميدة كلية الدراسات الإسلامية للبنات، وكذلك عبر وسائل الإعلام وتتحدث بوجد وحب محمدي، تذهب إلى عطاء الله السكندري وتجلس على الأرض، وتبكي بالساعات وتعايش شكاوى الناس وتحمل همومهم لدرجة أن الطبيب المعالج لها قال: لا تستمعي للشكاوي تاني، إلا أنها لم تستطع، فكانت الشكوى تنتهي لدى صاحبها وعند عبلة لا تنتهي ربنا يرحمها.
موقف لا ينس
** ما الموقف التي لا تنساه لوالدك في نصيحتك؟
**يكفي أنني تعلمت من والدي في حياتنا الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد ليوم الرحيل، وقد لقني درسا لن أنساه يوم وفاة عبدالحليم حافظ وهو في قمة الشهرة 1977، وكنت وقتها طالبا في الجامعة، واتصل الكاتب الصحفي نبيل عصمت الشهير ب” أبو نضارة” وقال لوالدي البقاء لله في عبد الحليم حافظ ونريد مدفنا، وكان عبد الحليم شاري في مكان آخر، فاشترينا له مدفنه الحالي وجاء اسماعيل شبانة ومحمد شبانة، لما وصل الجثمان خافا من الجماهير والبنات التي كانت ترمي نفسها من البلكونات قالوا إن عبد الحليم سيدفن سرا في 7:00 صباحا وبالفعل حدث، كنا واقفين في الدفنة حوالي تسعة أفراد منهم محمود الشريف وبليغ حمدي ووالدي الكحلاوي والعبد لله، بعض الأفراد من أسرته وفي هذه اللحظة التفت والدي ناحيتي يقول :” يا أحمد أحنا بندفن مين دلوقتي، قلت له عبد الحليم، قال لي: لا احنا بندفن الشهره والمال والجاه والشباب والعلاقات والفن، كل هذا يدفن الآن عرفت أخرتك فين، أعمل اللي أنت عايزه هي دي أخرتك” كان هذا درس عملي، كان والدي حريصا على ألا يفوت الفرصة إلا وهو يعلمنا فيها.
السفر للغرب
** ما الحقيقة فيما تردد أنك سافرت بعد وفاة الوالد أوروبا وغنيت في الملاهي الليلية؟
** بعد وفاة والدي أحسست برغبة شديدة في السفر، أهرب، وكان الهروب مع أول عمل إلى هولندا ثم انتقلت المانيا ثم سويسرا، واستمرت رحلتي الأوروبية ثمانية أعوام حققت خلالها نجاحا من خلال الغناء في الفنادق للجاليات العربية، وكانت عبارة عن أغاني والدي الوطنية والبدوية والرومانسية، وكنت أنزل لرؤية والدتي ثم أعود، ويشهد على هذا كل من عاشرني، إنني عشت ثمانية أعوام في سويسرا لم أذق طعم الخمر أبدا، كانت بيئتي وحياتي الدينية مسيطرة على حياتي، وبسبب رؤية صالحة لوالدي كأنه يعاتبني على تركي للغناء الديني عدت إلى مصر، وقررت ألا أغنى شيئا وألا أنشد إلا لله ورسوله، وهذا من فضل الله على، وأسست فرقة الإنشاد الديني بوزارة الثقافة وبدأت بـ12 عازفا و12 منشدا، وصلت الآن لـ120 عازفا ومنشدا، وخرجت على المعاش 2014 واعتمدني بعدها رئيس مجلس الوزراء الأسبق المهندس إبراهيم محلب كخبير وطني للإنشاد الديني، وأنا أول مصري يحصل على هذا اللقب بشكل رسمي، وأقدم حفلات إنشاد ديني وتحظى حفلاتى بحضور كبير من فئة الشباب.
** ما سر خوفك تقديم الأغنية الدينية بعد وفاة والدك؟
**خفت أن أقدم نفسى كأحمد الكحلاوى، فقد يقولون إنه يأخذ هذا اللون الفنى وراثة عن أبيه، وأنى أريد أن أبدأ من حيث بدأ الكحلاوى، كما خشيت أن يعقدوا مقارنة بينى وبين شيخ المداحين، فهجرت الغناء كله وهاجرت إلى أوروبا.
رسالة المدائح
** كيف يمكن توظيف المدائح في تحسين حياتنا للأفضل وخاصة للشباب والذي يتعرض لحملات تغريب؟
** لاشك أن المدائح النبوية تلعب دورا رئيسيا فى تصحيح المفاهيم المغلوطة ومحاربة التطرف والإرهاب وإرساء القيم الأخلاقية، فهذا اللون الفنى بالغ الأهمية ولابد أن يركز على تعليم الناس سيرة الرسول، وقيم التسامح والمثل العليا التى رسخها نبى الإسلام فى محطات حياته كلها، لأن المدائح النبوية الوسطية الملتزمة التى لا تمدح خلقة الرسول، بل أخلاقه وسيرته وسريرته هى التى تعلم الناس، وأريد أن أقول إن هناك من يركز على مديح «الخلقة»، ولكن المديح الحق هو يمدح “أخلاق الحبيب المصطفى”، مع كل احترامى للخطاب الدينى، الناس ليس عندها قابلية كبيرة لأن تسمع «افعل ولا تفعل» ولكنهم يتجاوبون مع عمل يستوفى عناصر المدح النبوى وفيه النص الغنى بالمعلومة الموثقة، وللأسف فإن أكثر الدعاة عندنا يستخدمون الترهيب وليس الترغيب.
وسيلة دعوية
** باعتبارك عشت ثمانية أعوام في الغرب، هل استخدمت المديح في التصدي لمن هاجموا شخص الرسول الكريم؟
** بعد حادث الكاريكاتير المسىء فى الدنمارك، وقتها عملت «إلا رسول الله» وتناولت القضية بشكل جيد، وتمت ترجمتها وتوزيعها على السفارات، فهى تؤكد أن السلام والوئام رسالة الإسلام ونبى الإسلام، وكان لهذه الأغنية تأثير كبير وسريع، لأنها ترد الحجة بالحجة والدليل، وليس بالدم والهمجية وقلة الأدب وغيرها من الصفات الذميمة، فهم فى الخارج إذا علموا عملوا وانتهوا عن الإساءة واعتدلوا، أما عندما تنظر فى الداخل فتجد ما يؤسف له حقا، من المتربصين الكارهين للإسلام والمسلمين.
تشخيص ونصيحة
** ما موقع الإنشاد الدينى المصرى حاليا؟
**ستظل مصر دائما بخير، فالإنشاد من مصر والقرآن قرئ فى مصر، فهى التى صدرت الإسلام والقرآن للدنيا، وهذه هى الحقيقة، والسوريون لهم فرق تعرض فنهم فى المدائح والإنشاد الدينى فأهلا وسهلا بهم، فكل من يمدح النبى بقلب صادق أهلا به، فهو فن وليس سبوبة.
**في النهاية: ما هي نصيحتك لمن يريد الدخول في مجال المديح النبوى؟
** الاقتداء طاعة لله واتباعا لسنة الرسول، أن يكون على علم وهو ما يتأتى من خلال إجادة عدة علوم، مثل اللغة العربية ومخارج الحروف وأحكام التجويد وعلم الموسيقى، وبهذا يكون مداحا حقيقيا على علم وعمل، ولكن عندما يكون مطربا عاطفيا وبنات ترقص وراءه فى الكليبات، ثم تجده فى مناسبة دينية يردد أدعية وأغانى للرسول، فهذا تهريج، ألا تعلم قيمة من تمدحه؟